تواجه مصر أزمة في سداد مستحقات والتزامات مالية تصل إلى 30 مليار دولار خلال العام الحالي، في ظل محدودية الخيارات المتاحة حتى الآن لتوفير النقد الأجنبي.

وقال الخبير الاقتصادي المصري هاني جنينة في تصريحات إعلامية مساء السبت نشرتها الصحف والمواقع المحلية أمس الأحد، إن الدولة ملزمة بدفع 30 مليار دولار بداية من شهر يوليو الماضي، وحتى نهاية العام الجاري.

وأشار جنينة إلى أن المبلغ مقسم إلى 20 مليار دولار مديونيات يجب سدادها و10 عجز في الميزان التجاري بين الصادرات والواردات.

خيارات محدودة

ولجأت مصر في السنوات الماضية إلى عدة خيارات لسداد ديونها والتزاماتها الخارجية مثل الاقتراض من الدول والمؤسسات الدولية، وإصدار السندات وأذون الخزانة، والحصول على ودائع من الدول الخليجية.

تباطأت مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد قدرته وكالات اقتصادية أجنبية بنحو 15 مليار دولار وهو ما نفته وزارة المالية.

واختتم وفد من الصندوق زيارته للقاهرة في 7 يوليو الماضي، حيث لم يفصح الصندوق عن تفاصيل مفاوضاته في مصر خلال الزيارة التي استمرت نحو أسبوعين.

لكن بعد أسابيع قليلة من الزيارة أعلن محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر استقالته من منصبه، وهو ما ينبئ عن خلافات وقعت خلال عملية التفاوض وسط أنباء عن مطالب من الصندوق بمزيد من التعويم للجنيه المصري الذي فقد نحو 22% من قيمته منذ مارس الماضي حتى وصل سعر صرفه إلى نحو 19.2 مقابل الدولار الواحد من 15.70 جنيهًا في 20 مارس.

ونهاية يوليو الماضي، قال صندوق النقد الدولي، إن مصر بحاجة إلى تحقيق "تقدم حاسم" في الإصلاحات المالية والهيكلية، مشيرا إلى "استمرار هشاشة وضع مصر جراء أعباء الدين العام المرتفعة، ومتطلبات التمويل الإجمالي الكبيرة".

وفي السنوات الست الأخيرة، حصلت مصر على 3 قروض من صندوق النقد الدولي، الأول في عام 2016 بقيمة 12 مليار دولار لتمويل برنامج للإصلاح الاقتصادي، والثاني بقيمة 2.77 مليار دولار لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، واستكملت بقرض ثالث بقيمة 5.2 مليارات دولار ضمن برنامج الاستعداد الائتماني.

أزمة السندات

كما تراجعت قروض مصر من الدول الخليجية التي تحولت من سياسة الإقراض والودائع إلى الوعود باستثمارات أو اتجاه بعضها إلى تجديد أمد الودائع التي تحولت بعضها إلى قروض.

أما عن إصدار السندات، ورغم توقعات وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال" العالمية للتصنيف الائتماني، في تقرير لها في أبريل الماضي، بأن تبيع مصر سندات بقيمة 73 مليار دولار خلال العام الجاري 2022، إلا أن هذا الخيار أيضا يواجه عوائق عدة أبرزها تخوف المستثمرين من عدم قدرة مصر على سداد قيمتها ومن ثم لجوئهم لبيعها، وارتفاع الفائدة على السندات المصرية، واستمرار خروج الأموال الساخنة من مصر.

وشهدت السندات الحكومية المصرية عمليات بيع في أسواق الدين الدولية الأربعاء الماضي، بعد أن استقال محافظ البنك المركزي بشكل غير متوقع، حيث تراوحت الانخفاضات بين 0.6 و1.7 سنت للدولار، وشهدت العديد من السندات طويلة الأجل في البلاد التحركات الأكبر.

ووفقا لوكالة "رويترز" فقد أدت المخاوف بشأن مستويات ديون مصر إلى انخفاض بعض سنداتها إلى أقل من نصف قيمتها الاسمية في يوليو.

كما أظهرت بيانات البنك المركزي الاثنين الماضي، أن تخارج الأجانب من أذون الخزانة المصرية (الأموال الساخنة) استمر في مايو بعد أن دفعت الأزمة الأوكرانية والمخاوف بشأن رفع أسعار الفائدة الأمريكية المستثمرين الأجانب إلى الاستفادة من حيازاتهم.

وقال البنك المركزي إن أذون الخزانة المملوكة لأجانب تراجعت خلال الشهر 30 مليار جنيه بقيمة 1.61 مليار دولار في ذلك الوقت إلى 150.5 مليار جنيه.

وشعر العديد من المستثمرين بالقلق أيضا من أن الأسواق الناشئة ستكون أكثر عرضة لأي موجات صدمة ناتجة عن اضطراب التجارة مع روسيا بما في ذلك الزيادة الناتجة في أسعار بعض السلع الأولية.

تسريع بيع الأصول

في ظل هذا الوضع لجأت مصر إلى الخيار الأصعب وهو بيع الأصول مقابل الديون، حيث عرضت مصر على دول خليجية وغربية استبدال ديونها بأصول في دلالة على عدم القدرة على سداد الديون التي بلغت خدمتها نحو 102.5% من إيرادات موازنتها للعام المالي 2022-2023 والذي بدأ أول يوليو الماضي.

 ودعا قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، في 14 يونيو الماضي، السعودية والإمارات إلى تحويل ودائعهما لدى البنك المركزي إلى استثمارات في مصر.

كما تجري مصر في الوقت الراهن مفاوضات مع الصين بهدف مبادلة ديون مستحقة للصين بـ8 مليارات دولار بأصول استراتيجية مصرية من موانئ ومطارات.

وكشف دبلوماسي غربي في القاهرة، في تصريحات سابقة أن الحكومة المصرية "بدأت مفاوضات غير معلنة مع بعض الدول الأوروبية، في مقدمتها ألمانيا وفرنسا، بهدف مبادلة ديون مستحقة لها بأصول مملوكة للحكومة المصرية، وشركات أخرى بعضها مملوك للقوات المسلحة".

وقال الدبلوماسي الغربي الذي طلب عدم ذكر اسمه إن المفاوضات مع بعض العواصم الأوروبية "لا تزال في مرحلتها التمهيدية".

وتتمثل صعوبة هذا الخيار في محدودية الأصول، فأيا كان حجمها وفي ظل قيود الأمن القومي على بيع بعضها تظل موردًا قابلًا للنضوب، وفقًا لـ"العربي الجديد".

أما الأسوأ، فإن بيع الأصول للدائنين شبه إعلان للإفلاس ومن ثم فإن من يحدد السعر هو الدائن وليس البائع المدين، مما يبخس بسعر الأصل المباع خاصة إذا كان يحقق أرباحا.

وبلغ حجم الدين المصري نحو 158 مليار دولار في نهاية مارس الماضي، بحسب تقرير أصدره البنك الدولي في مطلع شهر يوليو الماضي. وتلتزم مصر بدفع مستحقات ديون خارجية بقيمة 33 مليار دولار في عام واحد من مارس الماضي حتى مارس المقبل، وفقًا للتقرير ذاته.

وكشف تقرير حديث صادر عن وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال" العالمية أنّ إجمالي الديون السيادية لمصر يتوقع أن يصل مع نهاية العام الحالي إلى 391.8 مليار دولار، بعدما كان 184.9 مليار دولار فقط في العام 2017.

كما أظهرت بيانات صادرة عن البنك المركزي تراجع احتياطي النقد الأجنبي خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، بنحو 7.8 مليارات دولار، ليصل إلى 33.14 مليار دولار في نهاية يوليو، مقابل 40.93 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي، بانخفاض بلغت نسبته 19%.

ونهاية مارس الماضي، ذكرت منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، في تقرير لها، أنّ مصر عرضة لصدمة مفاجئة بسبب مزيج من ضغوط إعادة التمويل الكبيرة ونسبة خدمة الديون المرتفعة، إلى جانب سريلانكا وباكستان ومنغوليا وأنغولا، داعية إلى تحرك عاجل حيال ديون الدول الفقيرة التي أضعفتها الحرب في أوكرانيا، وما واكبها من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والوقود والأسمدة.