في مباحثات "مباغتة" واجتماع "طارئ"، اجتمع قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي مع ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، لإجراء مباحثات، لم يُعلن عنها من قبل، في منتجع شرم الشيخ السياحي على البحر الأحمر بجنوب سيناء.
وبعيدًا عن البيانات والتصريحات السياسية، وعن كل ما يُقال بخصوص الملفات ذات الاهتمام المشترك التي تصدّرت هذا الاجتماع، وهي الأسباب التي حفظها الشعب العربي جيدًا؛ فإن هذا الاجتماع كانت له أغراض أخرى – لم يُفصح عنها – ولعل بعضها كان التركيز على الملف النووي الإيراني، واقتراب الغرب من توقيع اتفاق لإحياء الاتفاق النووي، وربما سبل مساعدة تل أبيب للقاهرة في توفير حاجة البلاد للحبوب، لا سيما القمح، الذي تفاقمت أزمته مع احتدام الحرب الروسية الأوكرانية.


تحالف جديد
اجتماع القادة الثلاثة في مصر يمكن أن يفهم على أنه إعادة ترتيب سريعة للتحالفات السياسية في الشرق الأوسط منذ أن أقامت إسرائيل العلاقات الدبلوماسية في عام 2020 مع العديد من الدول العربية بموجب اتفاقات إبراهام، وعلقت صحيفة نيويورك تايمز على القمة قائلة: "التزمت الحكومات في الدول الثلاث الحذر فلم تعلن ما أثير وما تمت مناقشته".
وتحاول البلدان الثلاثة إعادة الاصطفاف الإقليمي على ضوء التداعيات المتلاحقة للحرب الروسية في أوكرانيا، وإيجاد صيغة للتوازنات والتحالفات الإقليمية الاستراتيجية، وتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث في أبرز الملفات التي تعني المنطقة".
وقد أعلنت مصادر مصرية، أن هذا الاجتماع تطرق إلى ملفات "ذات الصلة بالمصالح الأمنية والاقتصادية للبلدان الثلاثة بشكل مباشر"، ومن بينها "الملف النووي الإيراني، وعلاقات العواصم الثلاثة مع واشنطن، وملف سد النهضة المثير للجدل بين مصر وإثيوبيا، فضلاً عن الاقتصاد المصري".


تطويق إيران
وتقول العرب اللندنية في افتتاحيتها إن "التحالف الثلاثي يرسل إشارة واضحة إلى السعودية مفادها أن الوقت لم يعد يحتمل المزيد من الانتظار في ظل التغييرات الحاصلة في المنطقة، وفوضى الإشارات الأمريكية التي لا تراعي مصالح الخليجيين، وتعطي الأولوية لإيران وتمهد لإطلاق يدها على أكثر من مستوى سواء ما تعلق بالسباق نحو التسلح النووي وغير النووي أو ما تعلق بتمكينها من عائدات النفط للإنفاق على أذرعها وتهديد أمن المنطقة" وفقًا لـ"BBC".
كما تشدد عرب 48 الفلسطينية أن اللقاء الثلاثي يهدف "إلى محاولة إنشاء تحالف ضد إيران، تشارك فيه إسرائيل ومصر والأردن ودول خليجية، في مقدمتها السعودية والإمارات، وتركيا، ويأتي هذا اللقاء في إطار هندسة إسرائيلية كاملة من أجل تطويق إيران".
وتقترب المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وخمس قوى عالمية أخرى وإيران من التوصل إلى حل، لكنها تتوقف حاليًا على مطلب إيراني صعب: أن تتوقف واشنطن عن تصنيف الحرس الثوري، وهو قوتها العسكرية الضاربة، كمنظمة إرهابية.
ووفقًا لموقع "الرئيس" فقد ضغط حلفاء إسرائيل وواشنطن الآخرون في الشرق الأوسط على إدارة بايدن لعدم الاستسلام، قائلين إنهم يخشون أن يؤدي ذلك إلى تقوية الجماعات المدعومة من إيران في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن كما يتسارع التعاون على الجبهات الأخرى.
وتحت عنوان "قمة ثلاثية بوجه واشنطن"، يقول يحيي دبوق في الأخبار اللبنانية: "تشعر الأطراف الثلاثة أن من الواجب الصراخ في وجه واشنطن... عقب تتالي المؤشرات الواضحة عن قرب توقيع اتفاق نووي جديد في فيينا، تصفه إسرائيل بأنه 'أسوأ بكثير' من اتفاق عام 2015".
من جانبها، أوضحت صحيفة "هآرتس" أن بينيت حاول من خلال القمة "تبديد التوتر الحاصل بين واشنطن وأبو ظبي، إثر رفض الإمارات والسعودية زيادة إنتاج النفط، لعالم يحاول فطام نفسه عن الطاقة الروسية، على خلفية العقوبات على روسيا، إضافة إلى محاولة إقناع الدول الخليجية بزيادة إنتاج النفط بهدف مواجهة التداعيات السلبية للعقوبات الغربية على النفط الروسي"، وفقًا لـ"الإندبندنت".


فلسطين لم تحضر
يبدو أن القمة العلنية في شرم الشيخ سلطت الضوء على أن مزايا المصالح والخوف المشترك من إيران النووية تبدو الآن أولويات فورية أكبر لبعض القادة العرب من حل سريع للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وتحت عنوان "فلسطين كانت الغائب الأكبر"، تقول القدس العربي اللندنية في افتتاحيتها "لعل الصفة الأبرز لقمة شرم الشيخ الثلاثية هي أن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني وحصار قطاع غزة وتوسع الاستيطان والانتهاكات الإسرائيلية في القدس وسائر قرى وبلدات ومدن الضفة الغربية، وسواها من الملفات، كانت الغائب الأكبر عن المداولات".

وتطرح الصحيفة ما تصفه بـ "السؤال الطبيعي البسيط: عن أي 'أمن قومي عربي' تحادث السيسي وبن زايد مع بينيت؟ وكيف أمكن لتلك المحادثات أن تعزز الأمن الإقليمي مع استبعاد الشؤون الفلسطينية كافة؟"


مصالح مصرية
وربما يحقق هذا الاجتماع رغبة القاهرة في أن تلحق بالركب، كما علقت إتش.إ. هيلير، باحثة في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي والمعهد الملكي للخدمات المتحدة، فمصر ترى فرصة لترسيخ دورها التاريخي كوسيط، وتابعت: "لم يكن المصريون سعداء بتراجع الدور المهم الذي تلعبه القاهرة وقدرتها على التأثير في مواقف إسرائيل والعالم العربي"، وبقدر ما يتعلق الأمر بقائد الانقلاب السيسي، فهذه علامة تقول: "نحن لا نزال على صلة بالسياق الجديد الناشئ"، رغم إعادة ترتيب أولويات معظم دول المنطقة في السياسة الخارجية.
كما تتطلع مصر أيضًا - بفضل حرب أوكرانيا - إلى زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، وهو أمر لا تستطيع تحقيقه وحدها. وتأمل مصر في جذب السياح إلى منتجعاتها المطلة على البحر الأحمر وحشد استثمارات الخليج في البلاد ويشهد كلا المجهودين بعض النجاح بالفعل، فأعلنت رحلات جوية مباشرة جديدة بين إسرائيل وشرم الشيخ، وقال مستثمرون إماراتيون هذا الأسبوع إنهم سيشترون حصصًا كبيرة من بنوك مصرية.