متابعة - أحمد سعيد :
هنا جنوب الشيخ زويد حيث يرفرف الليل بأجنحة الموت على البيوت المشرعة جميع أبوابها ونوافذها على طريق الآخرة، وتتواصل كل يوم فيها مواكب الرحيل الأخيرة.

 

وهنا بيوت كانت يوما تعج بحركة سكانها وتنطلق ضحكاتهم لتملأ الأفق فرحة وبهجة، باتت اليوم تنعي أصحابها الذين رحلوا في رحلتها هربا من الموت إلى الحياة.

 

في كل قرية من قرى جنوب الشيخ زويد "المقاطعة، واللفيتات، والشلاق، والزوارعة، والمهدية" وفي جنوب رفح "المطلة، وسادوت، ونجع شبانه، والظهير"، يأتي الليل برائحة البارود وجحيم القذائف التي تتساقط على البيوت.

 

وهنا في قرى جنوب الشيخ زويد ورفح يدفع الأطفال من دماءهم، فاتورة الحرب المجنونة التي ربح فيها الصهاينة، حين أحرق لهم الخائن السيسي سيناء بالوكالة، بعد أن وصل عدد الأطفال الذي أزهقت أرواحهم تحت حطام منازلهم قرابة 23 طفلا تتراوح أعمارهم ما بين أسبوعا واحدا إلى 12 عاما، نتيجة سقوط القذائف المجهولة فوق منازلهم ليلا.

 

في الجزء الجنوبي من قرية "المقاطعة" يحتضن المواطن سالم هليل نصار جسدي ابنيه عدنان10 سنوات، وشقيقه أشرف 8 سنوات، ويبكي منتحبا استشهاد فلذتي كبده وهما على سريرهما فجرا نتيجة لقذيفة صاروخية سقطت فوق منزله فحولته إلى حطام وتركت اثنين من أبناءه بلا صوت ولا حركة.

 

زوجته علية سويلم، ممدة هناك على سرير الشفاء بمستشفى العريش العام، منهكة الجسد، مبتورة الساق بفعل شظايا الشيطان التي حملها المجهول لتحرمها من ساقها التي تتوكأ عليها لرعاية أبناءها وأسرتها، دون أن تعلم أن اثنين من أبناءها قد فارقا الحياة تاركين لها وحدها نبأ غير سار ستتجرع مرارتها فور عودتها إلى الحياة بنصف قدم ونصف أسرة أيضا.

 

المنزل المكون من طابقين، أصبح دونهما ليتساوى بالأرض تماما، بعد أن سقطت عليه قذيفة هاون، تردد حسب شهود عيان أن:"أن قوات الجيش أطلقتها بطريق" الخطأ"على المنزل" فأصبح نسيا منسيا.

 

وبين مزارع الزيتون بقرية "اللفيتات" وتحت الحطام صعدت أنفاس الشقيقين "سالم وسلمان" ومعهما والدهما سمري سويلم السواركة، 39 سنة  ووالدتهما مهدية لافي سليم 33 سنة، وأصيب ستة أشخاص آخرين من بينهم شقيقي الطفلين محمد 3 سنوات, وهليل 8 شهور.

 

كما صعدت أرواح 4 أشخاص آخرين من نفس العائلة وهم زينب جمعة السواركة 4 سنوات وصبحة جمعة السواركة, وراوية زويد السواركة, وسالمة سالم محسن، ووسط ظلام الليل تعالى الصراخ بحثا عن سيارة إسعاف تقل المصابين إلى المستشفى لإنقاذ حياتهم، إلا أن المسؤولين عن مرفق إسعاف الشيخ زويد، قد صموا آذانهم عن نداءات الاستغاثة، لمدة 3 ساعات كاملة من وقوع الحادث.

 

وفي مستشفى العريش العام حسبما يقول سليم سويلم السواركة الذي قتل شقيقه وزوجته واثنان من أطفاله، إن القذيفة التي سقطت على المنزل كان مصدرها منطقة عمليات عسكرية مجاورة، وكانت القوات تقوم بحملات عسكرية وتطارد مسلحين بعد أن اشتبكت معهم وتبادل الطرفان إطلاق النار والقذائف.

 

ويضيف إبراهيم هويشل، من أهالي المنطقة إنه تم نقل الجثث والضحايا لمنطقة الماسورة برفح، وصولا لأقرب وحدة صحية، ثم نقلهم لمستشفى الشيخ زويد في رحلة طويلة من العذاب، ومن ثم الى مستشفى العريش العام، وبقيت الجثث لنحو 6 ساعات بالمشرحة حتى استخرج تصريح بدفن جثتي الطفلين الشقيقين.

 

الحادث عكس حالة من الحزن الشديد والاستياء على الأهالي بمناطق الشيخ زويد ورفح، وقال "أحمد سعيد وحسن زايد وجمعة سليمان " من أهالي المنطقة: "إنهم يدفعون الثمن في الحرب على الإرهاب، وأبدوا انزعاجهم من عدم اهتمام المسئولين بمثل هذه الحوادث الفاجعة".

 

 وبحزن واستياء أوضحوا أنه لم يصل للمستشفى أي مسئول، وبادرت قيادات مجتمعية بشمال سيناء بالاتصال بمحافظ شمال سيناء، وطلبت منه صرف تعويضات للقتلى والمصابين أسوة بما تم صرفه لضحايا القذيفة الصاروخية التي سقطت على حي سكنى بالعريش، وأوقعت 8 قتلى وعشرات الجرحى قبل نحو 3 أشهر.

 

وما زالت حتى ليل أول أمس "قذائف الهاون" العشوائية المجهولة تتساقط ليلا فوق بيوت الأهالي المدنيين المسالمين وقتل الأطفال الأبرياء، وتزهق أرواح المواطنين الذي لا يغادرون بيوتهم خشية أن يطولهم رصاص الحملات الأمنية، إلا أن الموت يطاردهم ويقتحم عليهم غرف نومهم داخل بيوتهم.

 

بدوره، الدكتور أحمد فاروق الزميتي، بجامعة قناة السويس بالعريش يرى أن حوادث قتل الأطفال بقذائف الهاون في منطقة جنوب الشيخ زويد يعد "تهريج أمني بشمال سيناء"، حيث سقطت على مدى يومين متتاليين قذيفتان بالخطأ أثناء الحملات الأمنية، على منازل الأهالي بالشيخ زويد، الأولى تقتل أسرة بأكملها من 4 أفراد زوج وزوجته وطفلين وتصيب 6 آخرين، والأخرى تقتل طفلة وتصيب أخرى، ولا اعتذار أو توضيح رسمي حتى الآن.

 

ويطالب "الزميتي" بسرعة توضيح الغموض الذي يحيط بهذه العمليات التي تعرض أسر بأكملها للإبادة وختم حديثه بالقول "لا يمكن أبدا السماح بالتطبيل على جثث الأطفال".

 

 المصدر : مصر العربية