رفض الشعب المصري دعوة البعض للعصيان المدني يوم السبت الماضي، وعرض الإخوان مقترحًا باستعداد حزب الحرية والعدالة لتشكيل حكومة ائتلافية من مختلف القوى التي دخلت البرلمان، وحدث تصعيد في قضية التمويل الأجنبي في مصر والمعروضة على القضاء، وقاربت انتخابات مجلس الشورى نهايتها، وتستعد جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة لدعوة القوى الوطنية المختلفة لحوار من أجل مصر (رقم 6)؛ حيث تمَّت خمسة حوارات لهذا الغرض، وتحت هذا العنوان من قبل.

وعلى المستوى الإقليمي والدولي لا تزال ثورة الشعب السوري مشتعلةً من أجل الإطاحة بالنظام الوحشي الطاغوتي وانتزاع الحرية والكرامة والسيادة منه، والموقف المخزي لروسيا والصين في مجلس الأمن، إضافةً إلى التذكير بقضية كشمير المزمنة.

ويعرض الإخوان المسلمون موقفهم من هذه الأحداث فيما يلي:

أولاً: الشأن الداخلي:


- دعا البعض شعب مصر للقيام بعصيان مدني يتم فيه شل كل مرافق الحياة حتى يتم تسليم السلطة من المجلس العسكري إلى المدنيين، وفرَّقنا في موقفنا بين الهدف والوسيلة، فالوسيلة وهي العصيان المدني هي وسيلة مرفوضة؛ لأنها دعوة للهدم والتخريب وتفكيك الدولة، والهدم يمكن أن يتم بطريقتين: الأولى أن يقوم الناس بهدم المؤسسات وحرقها وتدميرها مثلما فعل بعض المتظاهرين من حرقٍ للمجمع العلمى ومبنى الضرائب العقارية ومحاولة حرق وزارة الداخلية، والثانية سلبية وهي الدعوة للإضراب عن العمل وتعطيل جميع مؤسسات الدولة فيما يُسمَّى (بالعصيان المدني)، وقد أثبت الشعب المصري وعيه وذكاءه وحرصه على وطنه ومؤسساته ومرافقه وحياته، ومن ثَمَّ رفض هذه الدعوة الهدامة وفشلت فشلاً ذريعًا، ونرجو إخواننا الداعين لها أن يعوا الدرس ويفهموا طبيعة الشعب، ويحترموا قواعد الديمقراطية، أما بالنسبة لهدف تسليم السلطة فقد ذكرنا مرارًا أننا كنا مع تسليمها فور نهاية الستة أشهر الأولى من تسلمها، ولكنَّ الآخرين هم الذين أصروا على امتداد الفترة الانتقالية، والآن نحن نطالب بالتعجيل بإقامة المؤسسات الدستورية لتسلم السلطة بأسرع ما يمكن مع احترام الإجراءات للإعلان الدستوري.

- عرض الإخوان المسلمون اقتراحًا على لسان المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام في الفضاء الإعلامي باستعداد حزب الحرية والعدالة لتشكيل حكومة ائتلافية من القوى الوطنية التي وصلت إلى البرلمان حتى يصل الاقتراح إلى مَن بيدهم الأمر، فيتخذوا إزاءه القرار المناسب، إلا أنَّ ردهم على هذا المقترح جاء سلبيًّا بتأكيد استمرار الحكومة القائمة حتى نهاية الفترة الانتقالية، وكان الدافع وراء هذا المقترح الكارثة الجديدة التي وقعت في إستاد بورسعيد وخشينا معها من أن تضيع الحقائق والأدلة ويفلت المجرمون من العقاب مثلما حدث في الكوارث السابقة (ماسبيرو- محمد محمود- مجلس الوزراء)، فشعرنا بأنه لا بد أن تكون هناك حكومة قوية تستند إلى الشعب وتستمد شرعيتها منه، ولما كان الشعب قد منح ثقته بالدرجة الأولى لحزب الحرية والعدالة ثم بقية الأحزاب والقوى التي نجحت في انتخابات مجلس الشعب فكان الطبيعي أن يتم تشكيل الحكومة القوية منها، حكومة ائتلافية يقودها حزب الحرية والعدالة.

- صدرت تصريحات في غاية القوة والصراحة من الوزيرة فايزة أبو النجا في شهادتها أمام القضاء في قضية التمويل الأجنبي بأن هذا التمويل إنما يستهدف هدم مصر وإلحاق الأذى والضرر بمؤسساتها جميعًا لمصلحة أمريكا وإسرائيل، وهي لهجة لم نسمعها في مصر منذ زمنٍ طويلٍ من أهل السلطة، ولا ريبَ أن هذا الكلام وراءه حقائق خطيرة، وفي ذات الوقت نلاحظ تتابع الوفود عالية المستوى من الأمريكيين التي تتوافد على مصر للتدخل في هذا الموضوع بغيةَ التستر عليه والسماح بسفر المتهمين الأجانب، والملاحظ هذه المرة أن أمريكا أنفقت 60 مليون دولار على مدى عشرة أعوام سابقة، وأنفقت 105 ملايين دولار في العام الأخير بعد الثورة وحده خصمًا من المعونة التي تقدمها لمصر، أي أن جزءًا من المعونة يُنفق لهدم مصر وتدمير المجتمع.

والإخوان المسلمون يشدُّون على أيدي المسئولين تأييدًا لهم على موقفهم الوطني، ويعلنون ثقتهم في القضاء المصري العظيم، ويرفضون جميع الضغوط التي تمارسها أمريكا علينا، ويعلنون أنهم والشعب المصري كافةً لن يتسامحوا مع أي مسئولٍ إن قرر الخضوع للضغوط والتستر على الاتهام أو التدخل في أعمال القضاء.

- أوشكت انتخابات مجلس الشورى على الانتهاء، وقد تمَّت بحمد الله بنزاهةٍ وحريةٍ رغم ضعف الإقبال عليها، ربما لشعور الناس أن صلاحيات مجلس الشورى قليلة، وربما للإرهاق الذي حلَّ بهم نتيجة انتخابات مجلس الشعب التي استمرت حوالي ثلاثة أشهر، ونحن نرى إما أن يتم توسيع اختصاصاته وصلاحياته حتى تتوازى وتتكامل مع اختصاصات مجلس الشعب أو يتم إلغاؤه، وعمومًا هذا ما سيقرره الدستور القادم، ولكنَّ النتيجةَ التي ظهرت من المرحلة الأولى تقطع بأن غالبية الشعب المصري تحب الإسلام وتتطلع إلى العيش في ظلاله، ومن ثَمَّ فإنه يختار الإسلاميين ودعوتنا أولاً للأخوة أصحاب المذاهب الأخرى أن يدرسوا الإسلام دراسة محايدة متعمقة من مصادره الأساسية دون التأثر بحملات خصومة وافتراءاتهم عليه سواء كانوا من الغرب أو من الشرق.

ودعوتنا ثانيًا للجميع أن يحترموا إرادة الشعب وقواعد الديمقراطية، وألا يحاولوا تجاوزها أو الافتئات عليها، وألا يصبوا جامَّ غضبهم على الشعب، وإنما عليهم الاختلاط به وخدمته واحترامه.

- دعا فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين القوى الوطنية لحوار من أجل مصر (رقم 6)؛ حيث دعا قبل ذلك خمس مرات وانعقدت خمسة مؤتمرات؛ لذلك حضرها كثيرٌ من ممثلي الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية، وتم تشكيل لجان لأهداف محددة، واليوم تحتاج مصر إلى عقول جميع أبنائها، وأيضًا لسلامة صدورهم وإخلاصهم لمصلحتها وتوافقهم على طريق تماسكها وتقدمها وخدمة شعبها، وعما قريب سنعلن بإذن الله عن موعد هذا المؤتمر وجدول أعماله، والله الموفق للخير والسداد.

ثانيًا: الشأن الإقليمي والدولي:


- لا تزال ثورة سوريا وعدد ضحاياها اليومي يحتل الخبر الأول في جميع وكالات الأنباء، ولا يزال النظام الوحشي الإرهابي مُصرًّا على الحلِّ العسكري لهذه القضية رغبةً في القضاء على الثورة يعميه صلفه وغروره عن الاعتبار بمصير بن علي وحسني مبارك والقذافي، ألا فليعلم أن الثورات المضمخة بالدم المضحية بالأرواح والأبناء لا تنكسر ولو اجتمعت ضدها كل قوى العدوان والبغي، وأن مصيره محتوم، وأن الشعب السوري البطل أراد الحياة عزيزةً كريمةً وإرادته من إرادة الله، وأنه لن يبخل على حريته وكرامته بشيء حتى النفوس ولسان حاله يقول:

وللحرية الحمراء باب            بكل يد مضرجةٍ يدق


ولكنَّ المحزن حقًّا هو الموقف المخزي لدول العالم التي تتفرج على هذه المذابح المستمرة التي لا تتوقف دون اتخاذ إجراء حاسم لإيقافها، بل الأكثر خزيًا هو موقف الحكومة الروسية والحكومية الصينية باستخدامهما لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد قرار ينتصر للمظلومين ويدين القتلة السفاحين، ولتعلم حكومتا البلدين أننا والعرب والمسلمون والأحرار في العالم نستنكر موقفهم، وسيكون للشعوب موقف من كلِّ مَن وقف ضد إرادتها.

- زارنا منذ فترة قريبة وفدٌ من كشمير وطالبوا بتبني قضيتهم المنسية، وشرحوا كيف أنها من أقدم القضايا الإسلامية، وأن الهند تستخدم أبشع ألوان القمع والتعذيب والقتل وتفرض سلطانها على كشمير، وترفض إجراء تصويت لأبناء الإقليم للتعرُّف على رغبتهم وترفض حقهم في تقرير مصيرهم مخالفةً بذلك قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالإقليم وتحول حياة الناس إلى مأساة، وعندما زارنا السفير الهندي طرحنا عليه هذه القضية فوعد بإبلاغها إلى حكومته، ونحن نرغب في علاقاتٍ طيبةٍ مع الحكومة الهندية؛ لذلك نطالبها باحترام حق شعب كشمير في تقرير مصيره، ونطالب جميع الدول بنصرة هذا الشعب المستضعف، ونطالب هيئة الأمم المتحدة بأن تتخذ من الإجراءات ما يكفل تنفيذ قراراتها.

القاهرة في: 23 من ربيع الأول 1433هـ الموافق 15 من فبراير 2012م