14/07/2011
شهد الأسبوع الجاري العديد من القضايا السياسية فعلى المستوى الداخلى شهدت البلاد مظاهرات ضخمة فى القاهرة وفى عديد من عواصم المحافظات تحت شعار (الثورة أولا) ثم أعقبتها اعتصامات فى ميدان التحرير والإسكندرية والسويس ، كما ثار نقاش حول سلطة الدولة فى الرقابة على التمويل الأجنبى ، أما على المستوى الإقليمى والدولى فقد تم إعلان استقلال دولة (جنوب السودان) وأعلن الكيان الصهيونى عن تبنى سياسات تهدد الاستقرار الإقليمى ، وذلك بالإضافة للجدل الغربى حول مآل الثورات العربية .
ويوضح الإخوان المسلمون موقفهم من هذه الأحداث فيما يلى :
أولا: الشأن الداخلي :
*** خرجت المظاهرات الضخمة فى أنحاء البلاد احتجاجا على البطء الشديد فى تحقيق مطالب الثورة وعلى رأسها مطلب التطهير الذى كان ينبغى أن يطال قطاعات عديدة كجهاز الشرطة والمحافظين وجهاز الإعلام والجامعات بل ووزارة الدكتور عصام شرف نفسها ، وكذلك مطلب الإسراع بمحاكمات القتلة والفاسدين تحقيقا للقصاص العادل ، وإقامة العدل بين الناس ، وكذلك مطلب الوفاء بحقوق أهالى الشهداء المادية التى وقف الإهمال والبيروقراطية دون أدائها ، وكذلك التصدى للضغوط الظالمة التى يمارسها كبار ضباط الشرطة القتلة على هؤلاء الأهالى بهدف دفعهم إلى تغيير أقوالهم فى التحقيقات أو التنازل عن دعاواهم بغية الإفلات من العقوبات القانونية والشرعية ..
وقد آتت هذه المظاهرات كثيرا من ثمارها فقد خرج رئيس الوزراء مرتين على الشعب ببيانين تضمنا الاستجابة لكثير من هذه المطالب بيد أنهما لم يتعرضها لتطهير الجامعات ولا حل اتحاد العمال ولا لمنع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية ولا لنقل الرئيس المخلوع من مستشفى شرم الشيخ إلى مستشفى سجن طرة وهى الأمور التى من شأنها أن تخفف كثيرا من الاحتقان الشعبى المشروع ، إضافة إلى وجوب رؤية هذه الوعود حقيقة على أرض الواقع ، وكم كنا نتمنى ألا تتأخر الوزارة كثيرا فى تحقيق هذه المطالب حتى لا يضطر الشعب ونحن منه إلى تظاهرات جديدة ، وألا تكون الاستجابة للمطالب تحت ضغط التظاهر .
هذا وقد قررت بعض المجموعات والقوى السياسية الاعتصام فى ميدان التحرير والإسكندرية والسويس حتى يتم تنفيذ المطالب ، وقد كان من الممكن تفهم هذه الحماسة لولا أن بعض المعتصمين قاموا بتعطيل المرور الأمر الذى يؤدى إلى شلل مرورى كامل فى القاهرة ، إضافة لتأثير الاعتصام سلبيا على العمل والإنتاج ، والأدهى من هذا كله قيام بعض المعتصمين بإخراج موظفى مجمع التحرير من مكاتبهم عنوة ، ومنع مئات الآلاف من أصحاب المصالح من قضاء مصالحهم فى المجمع ، إضافة إلى محاولة بعضهم قطع الملاحة فى قناة السويس ، وكلها أمور فى غاية الخطورة تدفع البلاد نحو الفوضى ، ومن ثم فإن الإخوان المسلمين وقد رفضوا المشاركة فى الاعتصامات هذه فإنهم يرفضون على الدوام الفوضى وما يؤدى إليها ، ويهيبون بالعقلاء والشرفاء من الثوار – وكلهم عقلاء وشرفاء – أن يمتنعوا عن كل ما يضر بمصلحة الوطن العليا ، ويمس الأمن القومى .
وهذه الأحداث دفعت المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى الخروج على الناس ببيان أمس الثلاثاء ، حمل فى لهجته – من حيث الشكل – نبرة التهديد والوعيد وكنا نود أن تكون نبرة ولهجة أهدأ وأرق من هذه اللهجة ، إلا أنه جاء من حيث المضمون جيدا – بصفة عامة – لحرصه على كفالة حرية الرأى وأسلوب الحوار بين الجميع وعلى تسليم السلطة إلى المدنيين وفق الجدول الزمنى المنصوص عليه فى الإعلان الدستورى ، ودعم رئيس الوزراء .. إلى آخر ما جاء فى البيان .
إلا أن هناك نقطة وهى نية المجلس العسكرى وضع قواعد حاكمة أو ضوابط لاختيار الهيئة التأسيسية التى ستتولى وضع الدستور ، وإصدار ذلك فى إعلان دستورى آخر ، بعد توافق القوى الوطنية عليها ، وهذا من شأنه أن يقيد حرية أعضاء البرلمان فى انتخاب الهيئة التأسيسية التى تم استفتاء الشعب عليها، إضافة إلى أن كلمة القوى الوطنية كلمة فضفاضة غير محددة ، ثم ماذا لو لم تتوافق هذه القوى ، لذلك فالإخوان يرون أن الإعلان الدستورى القائم فيه الكفاية ولا مبرر مطلقا لإصدار إعلان دستورى آخر ، ولنترك لأعضاء البرلمان أنفسهم وللأحزاب السياسية تحديد هذه الضوابط ، وممارسة الانتخاب بحرية كاملة .
*** لفترة طويلة ظل التمويل الأجنبي يشكل تحدياً لسلطة الدولة، وخاصة منذ بداية تطبيق برامج الخصخصة في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، حيث دأبت الدول المانحة علي تقديم مساعدات مالية لبعض المؤسسات من خارج الطرق الرسمية ودون التنسيق مع السلطة المختصة، وهذا ما يسبب إخلالاً بسيادة الدولة ويضعف قدرتها علي معرفة مسار وتأثير حركة التمويل بكافة أنواعها، ولذلك يري الإخوان المسلمون أهمية احترام القوانين المنظمة لدخول وخروج رؤوس الأموال والمساعدات الأجنبية والالتزام بها، وذلك إعمالا لمبدأ الشفافية وتوافر معايير المحاسبة .
ثانياً الشأن الإقليمي والدولي :
*** خلال هذا الأسبوع تم الإعلان رسمياً عن استقلال دولة "جنوب السودان"، وسارعت مصر والعديد من الدول بالاعتراف بالدولة الجديدة، وقد جاءت هذه الدولة بعد حرب أهلية طويلة أشعلت نيرانها دول استعمارية كثيرة ولعب الكيان الصهيوني دوراً كبيراً بغية تفتيت السودان، وما يزال هناك الكثير من النقاط العالقة بين دولتي السودان، ونرجو أن يتم حلها فى إطار سلمى بعيدا عن تدخل القوى الخارجية.
كما يأمل الإخوان المسلمون أن تشكل الأوضاع الجديدة إطاراً ملائماً للتعاون والتكامل علي مستوي النطاق الإقليمي والعمل علي إيجاد صيغة مستقلة لحل المشكلات القائمة والمحتملة وترسيخ المصالح المشتركة وأن تحافظ مصر على حصتها من مياه النيل وتنمية الموارد المائية بالتعاون مع الدولة الجديدة.
*** شرعت حكومة الكيان الصهيوني في تبني سياسات تهدد الاستقرار الإقليمي، فمن ناحية قامت بتطوير سياسة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وذلك من خلال مصادرة الأراضي المملوكة للفلسطينيين، وتأتي هذه السياسة في ظل انعقاد اللجنة الرباعية لمنع عرض موضوع الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، كما أنها من ناحية أخري، جارت علي الحقوق البحرية لدولة لبنان واتخذت قراراً بتوسيع نطاق استخدام المياه الإقليمية سواء في التنقيب عن الغاز أو الاستخدامات الأخرى، ومن المرجح أن تؤدي هذه السياسة لحدوث نزاعات قانونية وصراعات سياسية، وهو ما من شأنه إعادة أجواء الحروب الإقليمية، كما أدت الضغوط الصهيونية لمنع إبحار سفن أسطول الحرية(2) من موانئ اليونان .
*** منذ اندلاع الثورات العربية، ثار جدال سياسي في الدول الغربية حول مآلات التحول السياسي في بلدان الشرق الأوسط، وبينما ابدي بعض الأطراف قلقهم من حدوث تحول ديمقراطي حقيقي، قد يهدد مصالح الدول الغربية وخاصة مع وصول الحركات الإسلامية للسلطة، فإن هناك فريقا آخر يذهب إلي أن الثورات العربية لا تشكل خطراً علي مصالح الغرب، وخاصة مع إزاحة الفساد وتأسيس النظام الجديد علي الديمقراطية والانتخابات الحرة، وفي هذا السياق، يؤكد الإخوان المسلمون علي أولوية التحولات الديمقراطية السلمية وتداول السلطة وقيام العلاقات بين الدول علي أساس التعاون والتكامل، آخذين في الاعتبار أن استناد نظام الحكم والسلطة للإرادة الشعبية يعزز فرص الاستقرار السياسي ويمنع الكراهية.
*** يمر العديد من دول العالم بأزمات اقتصادية ومالية ، في أمريكا وأوربا وهذا يؤكد على خطورة التوجهات الاقتصادية والسياسة المالية العالمية التي تهدد الاستقرار العالمي وتنذر بانهيارات اقتصادية خطيرة ، مما يدفع دول العالم الأخرى إلى ضورة التخلص من التبعية الاقتصادية للنظام الرأسمالي وكذلك أهمية مراجعة اتفاقيات "بريتون وودز" التي حكمت السياسات المالية والاقتصادية في أعقاب الحرب العالمية الثانية.