تعاني دور العبادة في الداخل الفلسطيني والضفة الغربية والقدس؛ من اعتداءات ومضايقات متكررة، تُتهم بممارستها الجهات الرسمية وبعض الجماعات الإسرائيليتين، مثل جماعة "تدفيع الثمن" التي سبق لها أن أحرقت عشرات المساجد، واعتدت على كنائس، وخطت عبارات معادية للعرب.
وفي هذا السياق، اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ الأذان ومكبرات الصوت في المساجد بمثابة "ضوضاء". وقال في جلسة لحزب الليكود الذي يتزعمه، بحسب ما نقلت صحيفة معاريف الجمعة: "ما ذنب المواطنين لكي يعانوا من ضوضاء المساجد، ولا يوجد فتوى لملء الحياة بمكبرات، لدينا قانون لمنع الضوضاء علينا تنفيذه".
من جهته، أكد المحلل السياسي إبراهيم أبو جابر؛ أن موضوع التضييق على دور العبادة في مناطق 48 "يجري في إطار السياسة التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، والتي تروج لكون المساجد هي عبارة عن منابر للتحريض، وهم يدّعون، زورا وبهتانا، بأن هناك تحريضا من قبل جهات إسلامية ضد السلطات الإسرائيلية، وهذا الكلام مرفوض".
وأوضح في تصريحات صحفية؛ أن ذلك "انعكس على تعيين أئمة المساجد ممن يتم الرضا عنهم من قبل الجهات الأمنية الإسرائيلية".
وأضاف: "الخطباء الذين يعينون من قبل الحكومة الإسرائيلية لا يستطيعون مخالفة أوامرها، وهذا يؤثر على الوعي العام لدى الفلسطينيين في الداخل المحتل وعلى جودة الخُطب، كما أن الخطيب يبتعد عن كل ما له علاقة بالسياسة في الأراضي الفلسطينية، ولا يستطيعون إنكار الجرائم الإسرائيلية"، وفق تعبيره.
وقال أبو جابر إن الاحتلال "يعمل على فرض قيود على مكبرات الصوت في المساجد، وهو ليس بالأمر الجديد، بزعم أن صوت الأذان يزعج المستوطنين، وطالبوا قبل سنوات بخفض صوت الأذان من خلال تغيير الأجهزة المستخدمة في مكبرات الصوت، وتم تغييرها، ومع ذلك ما زال هناك تضييق، لأن الهدف الأساسي إقصاء الناس عن الدين وخلق جيل يدين للاحتلال بالولاء"، كما قال.
وأشار أبو جابر إلى أنه من الممكن اعتبار ذلك مقدمة لـ"محاربة الوجود العربي والإسلامي في الداخل الفلسطيني المحتل لخلق دولة يهودية خالصة، وخاصة أن التجمعات العربية محاطة بالمستوطنات من كل جانب، وتصفية الوجود العربي، رغم صعوبة اجتثاث الوجود العربي من المنطقة".
وبالرغم من مخالفة إجراءات الاحتلال لمبادئ القانون الدولي والإنساني الذي يكفل حرية العبادة، إلا أن الاحتلال لا يكترث لكل هذه القوانين، بحسب أبي جابر.
وقال: "القانون الدولي في جوهره وبنوده منصف لنا، ولكن الاحتلال فوق القانون الدولي، ولو كان الاحتلال سيلتزم بالقوانين الدولية لتم وقف جميع الانتهاكات ومنها القتل اليومي، وحصار قطاع غزة منذ سنوات. والاحتلال أيضا في ذلك لا يكترث للقوانين الإسرائيلية التي يوجد فيها بنود تكفل حرية العبادة".
من جانبه، أكد توفيق محمد، سكرتير خيمة مناهضة حظر الحركة الإسلامية والمنبثقة عن لجنة المتابعة للجماهير العربية في الداخل، أن "ممارسات المؤسسة الإسرائيلية متناغمة ومتشابكة في التعامل مع الجمهور الفلسطيني في الداخل، سواء في تقييد بناء المساجد ومنع تعيين الأئمة فيها، أو ملاحقة النشطاء والجمعيات التي تعنى بها"، مضيفا: "هذا ليس بعيدا عن حظر الحركة الإسلامية والتلويح بحظر التجمع الديمقراطي الذي كان يتزعمه عزمي بشارة".
وأضاف في تصريحات صحفية؛ أن "الحكومة الإسرائيلية الحالية متناغمة بشكل كبير مع القوى المتطرفة والمتزمتة في الكيان العبري، والتي أصبحت أشكالها تعتمد على مبدأ التصفية والاغتيال وليس الاعتقال، واعتبار ذلك أمرا عاديا".
وأشار توفيق محمد إلى أن "الخطاب الشعبوي الإسرائيلي هو الخطاب الحكومي الرسمي البعيد عن القوانين، وهذا ينطبق في التعامل مع بناء وإنشاء المساجد ورفع الأذان وتعيينات الأئمة والتحكم برواتبهم"، وفق قوله.
ونوه محمد إلى أن إغلاق المؤسسات التابعة للحركة الإسلامية شمل "جمعية التكافل التي كانت ترعى أئمة وسدنة مساجد غير معينين من قبل الدوائر الرسمية الإسرائيلية، وتوفير سبل العيش الكريم لهم، ومواجهة سياسة التحريض على المساجد في القرى المختلطة، ومنها دراسة مشاريع قوانين لمنع رفع صوت الأذان بحجة عدم إزعاج التجمعات اليهودية".
وفي السياق ذاته، أكد عمر خمايس، من جمعية التكافل في الداخل الفلسطيني، أن "هناك شروطا سياسية تحدد اختيار وتعيين أئمة المساجد، حيث يُرفض من الوظيفة كل من له نشاط سياسي ووطني أو يشكل خطرا على أمن الدولة؛ لأنه - باعتقادهم - من الممكن أن يقوم بتشكيل جمعيات إرهابية تميل إلى داعش وما إلى ذلك، إلى جانب فرض شروط على كل إمام يتم اختياره بعدم التعبير عن مواقف لها بعد سياسي. كما يُحظر عليهم الحديث إلى وسائل الإعلام".
وقال خمايس؛ إن هذه الإجراءات بمثابة سياسة لـ"تكميم الأفواه، وتضييق الخناق والتدخل في الحريات الدينية للفلسطينيين، بالإضافة إلى تشويه صورة ومكانة إمام المسجد الذي يعد مرجعية دينية".
وأضاف خمايس أن الإعلام العبري يشن أيضا حملة تحريضية ضد النشاطات في المساجد داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، تتضمن اتهام الأئمة والشيوخ بنشر الفكر الإسلامي و"الداعشي" الذي يحرض ضدهم.
بدوره، اعتبر المختص بالشؤون الإسرائيلية، محمد أبو علان، تصريحات نتنياهو بأنها تأتي ضمن سلسلة تصريحات عنصرية ضد الفلسطينيين في أراضي 1948، ولم تكن بدايتها عندما صرح في يوم الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، آذار/ مارس بأن العرب يهرعون إلى صناديق الاقتراع بكثافة، وحث أنصار اليمين للتصويت بحجة أن موقع اليمين في خطر.
وأضاف أبو علان: "تعززت هذه التصريحات بعد عملية ديزنكوف التي نفذها الشهيد نشأت ملحم والذي أطلقها (نتيناهو) في موقع العملية، وقال فيها إننا لم نقبل بدولة داخل دولة، ولن نقبل بأن يكون من يريد أن يكون إسرائيليا في الحقوق وفلسطينيا في الواجبات".
عربي 21