24/11/2010

حازم سعيد :

أما أنها لاكتساح الإنتخابات  فتجاوز .. حيث لا يعتبر محور هذه المقالة مرحلة فى تاريخ دعوة الإخوان .. وكذلك لا يعد مرحلة فى حياة أبنائها ، وإنما هو منهج مستمر ثابت لا يعدو عليه تلون ولا تبدل .
وأما أنها سرية فمن باب قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " إن عندنا نعمة لو يعرفها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف " ، وقوله : " إن فى الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل الجنة " .
فهى محجوبة عن كل أحد إلا من نور الله بصيرته وأضحت الآخرة همه ، وصغرت الدنيا بين عينيه .
نعم لا يدرك هذا المعنى إلا من ذاق حلاوة العبودية وأدرك معنى الصلة بالله سبحانه .
 المحور الأول للخطة : الربانية
وأنا هنا أتحدث على مستوى أفراد الجماعة .
والجماعة بأفرادها .. هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى فقد كفل المنهج العظيم الذى اخطته الإمام البنا متأسياً فيه بمنهج النبى الخاتم صلى الله عليه وسلم وفهم صحابته الكرام رضون الله عليهم ، أقول : كفل هذا المنهج العظيم الربانية على مستوى الجماعة ككل .
يظهر هذا جلياً فى الأصلين الثانى والثالث من الأصول العشرين لركن الفهم :
" والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام، ويفهم القرآن طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف، ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات " الأصل الثانى .
" وللإيمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نور وحلاوة يقذفهما الله في قلب من يشاء من عباده، ولكن الإلهام والخواطر والكشف والرؤى ليست من أدلة الأحكام الشرعية، ولا تعتبر إلا بشرط عدم اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه " الأصل الثالث .
والحديث عن ربانية الفرد يشمل ثلاثة عناصر هامة لابد من جعلها ركيزة أمام كل أخ من أبناء هذه الجماعة المباركة ، ليس ذلك لحاجتنا لكسب معركة انتخابية مرحلية محدودة ، وإنما لحاجتنا إلى توثيق الصلة بالله سبحانه وتعالى لصلاح دنيانا وآخرتنا .
عنصرنا الأول هو النية سواءاً بتوجيهها ابتداءاً للنيات الصالحة فى كل عمل وأنه ابتغاء مثوبة الله ورضوانه حيث أن الله غايتنا ، أو بتصفيتها عن شوائب الشرك الخفى الذى حذرنا منه النبى صلى الله عليه وسلم وجعله من أخوف ما يخافه على أمته ..
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم من المسيح عندي؟)) قال: قلنا: بلى، قال: ((الشرك الخفي؛ أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل))[أخرجه أحمد في المسند (3/30)، وابن ماجه في الزهد، باب: الرياء بالسمعة (4204)، والبيهقي في الشعب (5/334)، وصححه الحاكم في المستدرك (4/329)، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (30).].
وقوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث : " يقوم الرجل يعمل لمكان رجل " معناها أنه يعمل رغبة المكانة عنده والسمعة والوجاهة وليس رغبة فى مثوبة الله سبحانه ، والمقصود بالمسيح هنا هو المسيح الدجال الذى يأتى آخر الزمان .

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيها الناس، اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل))، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: ((قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلم))[
أخرجه أحمد في المسند (4/403)، وابن أبي شيبة في المصنف (6/70)، وأبو يعلي في مسند (1/60)، وحسنه لغيره الألباني في صحيح الترغيب (36).].
ويكفي هذا النوع من الشرك مذمة كون أصحابه من أول ثلاثة تسعر بهم النار يوم القيامة على الرغم من عظيم ما قاموا به من أعمال فاولهم علم العلم النافع والثانى تصدق وجاهد بالكثير من المال والثالث جاد بنفسه كلها وقتل .. ولكن للأسف فى سبيل حظ النفس فكان مصيره ما ذكره النبى صلى الله عليه وسلم من بدء تسعير النار به .
عنصرنا الثانى هو حاجتنا للعبادة كصلة بالله سبحانه وتعالى وخاصة " الخبيئة الصالحة " ، وأقصد بها ما يفعل من طاعات وقربات لا يطلع عليها إلا الله سبحانه وتعالى .
هنا يأتى دائماً قول الله سبحانه وتعالى : " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " ( العنكبوت : 69 ) .
وجهاد النفس يستلزم إرغامها على عبادات تشق عليها مثل ركعتي جوف الليل وصلاة الفجر وصلوات الجماعة ومتابعة الصلة بكتاب الله سبحانه وغيرها .
فإذا استطعت أخى الكريم أن تتقرب لله بطاعات لا يطلع عليها ولا حتى الملائكة المقربون فافعل فإن فيها نجاة لك من النيران ، وضماناً للفوز بالرضا فى الدنيا والآخرة .
ويكفيك ويشرفك فى هذا الحال أن الله سبحانه وتعالى مطلع عليك ، ويعرف أنك لا تريد إلا وجهه ، وكفى بهذا شرفاً وفضلاً ونعمة .
وانظر وتأمل بعين قلبك لقولة سيدنا عمر رضى الله عنه حين بكى لما أجابوه عن الشهداء الذين لا يعرفون لهم أسماءاً فى أحد معارك المسلمين العظمى ضد هرمزان الفرس بقولهم : " قتل فلان وفلان .. وآخرون لا نعرفهم " فبكى وقال : " لكن الله يعرفهم " .
وهذا سياق المقولة بعد أن فتح الله على المسلمين بالنصر :
كتب حذيفة " قائد جيش المسلمين فى هذه المعركة " إلى عمر بالفتح مع رجل من المسلمين ، فلما قدم عليه قال : أبشريا أمير المؤمنين بفتح أعز الله فيه الإسلام و أهله ، و أذل فيه الشرك وأهله . وقال : النعمان بعثك ؟ قال : احتسب النعمان يا أميرالمؤمنين ، فبكى عمر واسترجع ، فقال : و من ويحك ؟ قال : فلان و فلان - حتى عد ناسا - ثم قال : وآخرين يا أمير المؤمنين لا تعرفهم . فقال عمر رضوان الله عليه - و هويبكي - :
" لا يضرهم أن لا يعرفهم عمر ، لكن الله يعرفهم " ) . قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 785 : أخرجهابن جرير الطبري في " التاريخ " ( 2 / 233 - 235 ) و ابن حبان ( 1712 - الموارد ) والسياق له و هذا إسناد صحيح رجاله ثقات
فبكاؤه هنا لمعنيين : معنى الحزن والتأسى لشهداء المسلمين ، والمعنى الآخر الذى يدركه عمر والصحابة الكرام رضى الله عنهم فى كل المواقف : هو موقف معية الله الخاصة لعبد فقير من عباده المؤمنين .
يؤيدها ومثلها بكاؤه حين عوتب النبى الكريم صلى الله عليه وسلم وصديقه أبو بكر رضى الله عنهما فى موقف أسرى بدر .
ومثلها بكاؤه أيضاً رضى الله عنه فى الحديث الذى رواه البخارى رحمه الله فى صحيحه وحاصله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (بينما أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقيل: لـعمربن الخطاب -رضي الله عنه- فأسرعت بعيداً منه، وتذكرت غيرتك يا عمر ! فبكى عمر رضي الله عنه، وقال: أمنك أغار يا رسول الله؟ ) .
فهو معنى ينبغى التفطن إليه وجعله ركيزة ومنطلق لكل أخ منا ، معنى القرب من الله سبحانه ومعيته الخاصة والعبادة الخفية مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : " ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " .. فكان جزاؤه حشر فى ظل الرحمن حيث لا ظل إلا ظله سبحانه .
العنصر الثالث هو التحذير من ذنوب الخلوات ، والتى تأتى على الأخضر من أعمال العبد الصالحة فتجعلها هباءاً منثوراً ، ويكفينا هنا الحديث الذى رواه ابن ماجه وخرجه الألبانى فى السلسلة الصحيحة وفى صحيح الجامع عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا "
قال ثوبان يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلم قال : " أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها " .
فاحذر أخى الكريم من هذه الذنوب وتذكر دائماً أن نظر الله إليك أقرب من كل معصية تظن أنك اختليت بها ..
واعلم أن الجيش إن هزم فبمعصية جنوده ، مصداقاً للوصية الجامعة التى وصى بها أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه أمير جنده إلى العراق ، وهى وصية لو قدر لها أن تكتب بماء الذهب لما كفاها ، بما احتوته من معانى العبودية الصادقة والفهم الشامل الصحيح والارتباط الوثيق بين كل أركان الحياة من سياسة واقتصاد واجتماع وبين عبادة الله سبحانه وقضية طاعته ومعصيته عز وجل .
إليك أخى الكريم نص الوصية :
" أما بعد، فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب. وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم. وإنما يُنصَرُ المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم. فإذا استوينا في المعصية، كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا نُنْصَرْ عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا. واعلموا أن عليكم في مسيركم حَفَظَةً من الله يعلمون ما تفعلون، فاستَحْيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا إن عدوّنا شرٌ منا فلن يُسلَّط علينا وإن أسأنا، فرُبّ قوم سُلّط عليهم شرٌ منهم، كما سُلّط على بني إسرائيل – لما عملوا بمساخط الله – كُفّارُ المجوس ﴿ فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً ﴾ ] الإسراء: 5 [ . واسألوا الله العونَ على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوّكم. اسأل الله ذلك لنا ولكم  " ( العقد الفريد ) .
وانظر أخى الكريم لأفضل جند الأرض فى غزوة أحد يهزمون بمعصية الرماة ويقتل منهم من قتل . معصية واحدة تهزم أفضل جند الأرض !!! سبحان الله .
 المحور الثانى : أنا أخ من الإخوان .. إذاً فأنا وقف لله تعالى
والوقف مصطلح وباب كبير من أبواب الفقه الإسلامى معناه : " حبس العين عن تمليكها لأحد من العباد والتصدق بالمنفعة على مصرف مباح " .
والمعنى الذى نأخذه منه هنا هو حبس الأخ من الإخوان نفسه لدعوته فلا يتصرف أى تصرف ليلاً أو نهاراً إلا وهو موقن أنه مملوك لدعوته ولخدمة دينه وقضايا أمته ..
مصداقاً لقول الله تعالى : (  إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) . ( التوبة : 111 )
 
قال الإمام ابن كثير فى تفسيره : " يخبر تعالى أنه عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنة ، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه ، فإنه قبل العوض عما يملكه بما تفضل به على عباده المطيعين له ؛ ولهذا قال الحسن البصري وقتادة : بايعهم والله فأغلى ثمنهم .
وقال شمر بن عطية :  ما من مسلم إلا ولله ، عز وجل ، في عنقه بيعة ، وفى بها أو مات عليها ، ثم تلا هذه الآية .
ولهذا يقال : من حمل في سبيل الله بايع الله ، أي : قبل هذا العقد ووفى به .
وقال محمد بن كعب القرظي وغيره : قال عبد الله بن رواحة ، رضي الله عنه ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني ليلة العقبة - : اشترط لربك ولنفسك ما شئت ! فقال : " أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم " . قالوا : فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال : " الجنة " . قالوا : ربح البيع ، لا نقيل ولا نستقيل ، فنزلت : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ) الآية . " انتهى .
وقد قرأت مقالة للدكتور خالد أبو شادى قال فيها فقرة أحببت أن أختم لكم بها لما فيها من معنى نافع  : " إذن فالحقيقة الساطعة أنك لا تملك نفسك، ولا يحق لك التصرف فيها دون إذن المالك، يصرفها حيث يشاء يقول لك هذا حلال فتقبل، وهذا حرام فتعرض.. افعل كذا ولا تفعل كذا.. تكلم بهذا ولا تنطق بهذا.. امشِ إلى هنا ولا تقترب من هنا، بل لو قدمك للذبح عن طريق جهاد أو كلمة حق في مواجهة طاغية فعلى أي شي تعترض؟! وهو إنما يتصرف في ما اشتراه منك وبعته له، وأعطاك في المقابل الجنة، أفترجع في بيعتك؟! أم أنك لم تبِع وزهدت في الجنة من الأساس؟..
وإذا بعت.. أيحسن لمن باع شيئًا أن يغضب على المشتري إذا تصرف فيه أو يتغير قلبه تجاهه إذا أنفقه؟ وأي شيء لنا فينا حتى نتكلم!! إنها البيعة المعلقة في عنق كل مسلم عرف أم لم يعرف، ولا بد له من الوفاء، وهو قول شمر بن عطية: "ما مسلم إلا ولله عز وجل في عنقه بيعه، وفَّى بها أو مات عليها، ثم تلا هذه الآية "إن الله اشترى أنفسهم .."." انتهى كلام د. خالد .
هذا البيع لله وإيقاف النفس على الجهاد فى سبيله هو أحد أسرار تميز الإخوان المسلمين عن غيرهم ، وهو معنى لا يدركه كثير من الناس فيتعجبون من عطاء الإخوان وبذلهم فى سبيل دعوتهم ..
وكثير منهم لا يدرك هذا المعنى الذى يتربى عليه الإخوان فيؤول كثيراً من العطاءات للتمويل الخارجى أو الداخلى ، وذلك أن أذهانهم لا تعرف مثل هذا المعنى الذى لم ييسره الله سبحانه إلا لطائفة من عباده المؤمنين فهذا ما دفعنى لسرده كمحور من محاور خطة الإخوان السرية ..
 
 أعود للبدء فأقول : هل يضمن الإخوان بهذا اكتساح الانتخابات ؟
أما إذا كان المقصود هو الفوز بكرسى أو مقعد فى البرلمان فهذا ما لا يرتقى لأن يكون غاية للإخوان ، إنما هو هدف مرحلى محدود ضمن غاية عظمى بعد رضا الله هى الوقوف فى وجه الظالمين والمفسدين ..
وهى الغاية التى أظن الإخوان محققيها – بإذن الله – إن تحلوا بما ذكرناه آنفاً من طاعة الله سبحانه والبعد عن معصيته والثبات على هذا الطريق .. طريق عباد الله الصالحين .. طريق البيع مع الله سبحانه ..
أقول قولى هذا وأستغفر الله العظيم لى ولكم .
_______________