د. علي الحمادي
الحج رحلة تغيير كبرى؛ إنه – باختصار - أشبه بدورة إيمانية كاملة يعود بعدها الحاج ليُمنح روحًا جديدة، بشهادة: "ولتُصْنعَ على عيني" (طـه: 39).
فبيت الله الحرام بالنسبة للعالم كله بمثابة القلب للجسم كله، فكما يقوم القلب بتجديد الدماء في جسم الإنسان، فإن بيت الله الحرام يقوم بتطهير الإنسان ودفعه في أنحاء العالم ليجدد مسيرة الحياة، ويضخ فيها علمًا ونورًا وهداية، وطالما يدق القلب فإن الإنسان لا يمكن أن يموت، حتى لو لم يقو على الحراك، نتيجة لما ابتُلي به من أمراض.
وهكذا تمامًا، فإن هذا القلب – قلب العالم الإسلامي – يسحب الدم كل سنة من الشرايين الممتدة المتباعدة على وجه الأرض، ثم يقوم بضخ هذا الدم بعد ذلك في كل شريان من هذه الشرايين، وطالما ينبض هذا القلب، وطالما تستمر عملية سحب وضخ الدم، فإنه يستحيل تمامًا أن تنتهي حياة هذا الجسم، مهما ضعف، وساءت حالته نتيجة لما يصيبه من أمراض". (المودودي: خطب الجمعة).
والذين يعودون من هذه الرحلة القصيرة يعودون خلقًا آخر كما قال (صلى الله عليه وسلم) "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" (البخاري ومسلم).
يقول الغزالي في الإحياء: "ولا تظنن أن المقصود طواف جسمك بالبيت بل المقصود طواف قلبك بذكر رب البيت، حتى لا تبتدىء الذكر إلا منه، ولا تختم إلا به، كما تبتدىء الطواف من البيت وتختم بالبيت".
وجاء في بعض الأخبار: "إذا كان آخر الزمان خرج الناس إلى الحج أربعة أصناف: سلاطينهم للنزهة، وأغنياؤهم للتجارة، وفقراؤهم للمسألة، وقراؤهم للسمعة".
يقول الدكتور محمود محمد عمارة: "أما الذين ذهبوا بأجسامهم وقلوبهم معلقة بأشياء أخرى فهؤلاء نزعوا الريش من أجنحتهم بإخلادهم إلى الأرض، فكيف يطيرون؟ ومتى يحلّقون؟ وأنَّى يُستجاب لهم؟ أجل سوف يصلُون إلى هناك.. إلى ساحة الرضوان.. ولكن بقلوب ميتة، إنهم كما قيل: كجهاز المذياع: صالح للاستقبال.. استقبال الأصوات من كل فج.. لكنه بلا بطارية! بلا قلب، ومتى ضاع القلب ضاع معه كل شيء.
إن مجرد أداء الفريضة لا يرشحك لدخول الجنة إلا إذا عشت على مستواها طهرًا ونبلًا، ولك في تقاليد الحياة من حولك شاهد؛ فإنه إذا أُعلن عن وظيفة ثم رُشح لها مستحقها، فإنه لا يظل مستحقًا لراتبه إلا إذا أبقى على المواهب التي رشحته لها ابتداء".
ليس المقصود من الحج أن يظفر الحاج بلقب الحاج ليُدل به على غيره ممن لم يؤدِّ الفريضة، ولكن المقصود الأسمى من الحج تعميق الإيمان بالله تعالى، ورد الجميل إلى الناس جميعًا بالعمل الصالح والكلم الطيب.
يقول الشاعر:
أسألُ النفسَ خاشــعًا: أتـرى طُهِّرتُ بِرَدِّي من لوثـة الأدرانِ
كم صلاةٍ صلّيت لـم يتجــاوز قـدسُ آياتهــا حدودَ لساني
كم صيامٍٍ عانيت جوعي فيــه ونسـيتُ الجيـاعَ من إخواني
كم رجمت الشيطانَ والقلبُ مني مرهــقٌ في حبائل الشـيطانِ
رب عفوًا إن عشـت دينيَ ألـ ـفاظًا عجافًا، ولم أعشه معاني