23/10/2010

حازم سعيد

فارق رئيسى بين كل حركة يتحركها الإخوان وبين غيرهم من الطوائف والفئات والأحزاب مهما كانت الخيرية التى يحتويها كيان هذا الغير بين طياته .. وهى الخيرية التى يفرح بها الإخوان ويشجعونها ويتعاونون مع غيرهم بسببها وفق مبدئهم الثابت : " نتعاون فيما اتفقنا عليه .. ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه " ..
من هنا كان الفارق كبيراً بين الإخوان – وهم رجال دعوة وأصحاب فكرة – فى خوضهم لغمار الانتخابات وبين غيرهم من رجال السياسة الذين يتحركون بنيات مختلفة على ما فيهم من خيرية كبيرة ولا سيما أصحاب الهم الإصلاحى منهم والذين تحركهم الغيرة على هذا البلد للقيام بما يقومون به من بذل وعطاء .
أما الإخوان فالذى يحركهم للمشاركة فى الانتخابات وغيرها من مجال العمل السياسى منطلقهم العقدى والذى ينص على أن : " الإسلام نظام شامل، يتناول مظاهر الحياة جميعا. فهو : دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة، سواء بسواء " وهو الأصل الأول من الأصول العشرين من ركن الفهم .
كل ذلك فى إطار المبدأ الأول للإخوان وهو " الله غايتنا " والذى يحول كل مظهر من مظاهر الحياة لعبادة ودين .. ويجعل لكل حركة وكل خطوة يخطوها الإخوان لغاية واحدة لا تتعدد وهى رضا الله عز وجل وابتغاء مثوبته ..
من هنا كان لزاماً علينا نحن أبناء هذه الدعوة المباركة أن نتفهم القواعد الأساسية التى تحكم إطار حركتنا فى الانتخابات وفى غيرها – ونستصحبها - حتى تتحقق الغاية التى نصبوا إليها ، وحتى لا نغرق فى روتين السياسة ونخرج عن إطار رجال الدعوة ..
من هذه القواعد والمنطلقات  :
أولاً : تعميق الصلة بالله ، وترك معصيته :
وانظر لوصية الفاروق عمر رضى الله عنه يلقيها لسعد بن أبى وقاص فى إحدى غزواته وهو يودعه : " يا سعد إنما ننتصر على عدونا بطاعتنا لله ومعصية عدونا له ، فإن استوينا فى المعصية كان لعدونا الغلبة علينا فى العدة والعدد ، يا سعد إن ذنوب الجيش أخوف علينا من عدونا " .
فالواجب على كل فرد من الإخوان أن يستشعر فى حركته فى الانتخابات وفى غيرها أنه على ثغر من ثغور الإسلام ، فلا يؤتى الثغر من قبله .. ليس فقط فى تقصيره فى الأخذ بالأسباب المادية لحماية هذا الثغر ، وإنما – وفى المقام الأول – عليه بتعهد قلبه واستقامته وسلامته ، وصلته بالله سبحانه وتعالى فهى أول زاد وأقوى عدة وأعون صاحب على مصاعب الطريق .
نحن نتحرك فى الانتخابات وفى غيرها لأننا عباد لله سبحانه ، نلتمس أن تقربنا حركتنا لله تعالى وتجلب لنا مرضاته .. فلا عون ولا عدة على نجاحنا فى الحركة إلا باستجلاب معية الله سبحانه بطاعته والتزام أوامره واجتناب نواهيه .
الالتفاف حول القيادة
حين نكون فى وقت الشورى وأخذ الرأى فعلى أن أعرض رأيى بكل ما أوتيت من قدرة على البيان ومن منطق ومن حجة ، أما وقد حزمت قيادة هذه الدعوة المباركة أمرها وعزمت على المضى قدماً فى الانتخابات فليس لنا إلا السمع والطاعة ، بل والتبنى ونشر الفكرة .
وهو مقتضى البيعة التى بايعنا عليها وبايع عليها الصحابة الأولون : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فى العسر واليسر وفى المنشط  والمكره وعلى أثرة علينا " .
وما المكره وما أثرة علينا إن لم يكونوا أن أسمع وأطيع للقيادة التى ارتضيتها على الرغم من مخالفتها لرأيى طالما لم يصل الأمر لمخالفة صريح القرآن ولا صحيح السنة ، الأمر لا يخرج عن كونه اجتهادات بشرية ليس فيها صواب مطلق أو خطأ مطلق .
فليس لنا ها هنا حظ من تقديس أرائنا الفردية أمام التزام الجماعة بأراء مؤسساتها الشورية .. كيف لرأي فرد أن يقوم أمام رأي المجموع فيما هو من اجتهادات الأمور وما يقاس بالمصالح والمفاسد !
من هنا وجب الالتفاف حول القيادة والسمع والطاعة والتقدير والبعد عن قال وقيل وكثرة النقد وجلد الذات الإخوانية – وعلى صفحات الإعلام –
أفهم أن أدلى برأيى حين الشورى – وإن خالف الجماعة – وأفهم أن أقدم التقارير النقدية بعد نهاية العمل للتقييم ثم التقويم .. أما الآن فهو آوان العاملين المحبين المتبنين للقرار .. فهلم أيها الإخوان الصادقون المجاهدون إلى العمل ودعوا قيل وقال وكثرة السؤال فإنهم كانوا مما أهلك من كان قبلنا ..
عدم الركون للأسباب المادية
الإخوان يحسنون التنظيم ، ويحسنون استثمار الطاقات وتوظيفها – فى الأغلب الأعم – ويبذلون الجهود والطاقات ويقدمون التضحيات ويبذلون العطاءات من النفس والجهد والوقت والمال ، وكل ذلك قليل زهيد فى جنب الله سبحانه .
ولكن كل ذلك عملاً بعبادة الأخذ بالأسباب ، ودون أن يركنوا إليها ، إنما ركنهم الركين هو الله سبحانه وهو عز وجل ما يتوكلون عليه ويلجأون إليه ويستعينون به ويعتمدون على حوله وقوته .
هذا الاعتقاد يغير تماماً من نظرة الإخوان للأمور حين يتم التضييق ولا نجد حيلة إلا الله سبحانه وتعالى .
وأذكر فى أحد الانتخابات القريبة والتى فاز بعدها الإخوان بسبعة عشر مقعداً بالبرلمان ما حكاه لى أحد إخوان الأقاليم عن التضييق الذى قامت به حكومة الطوارئ عليهم من اعتقال كل فريق العمل الخاص بالمحافظة التى أتحدث عنها ، ومن طرد للمناديب من اللجان ومن غلق اللجان ومن .. ومن ..
حتى أن أفراد اللجان تركوا الوقوف أمام اللجان وكثير منهم ذهب لبيته محبطاً .. لقد انتهى الأمر وأحكم الزبانية التزوير .. فإذا بالنتيجة ليلاً تعلن فوز مرشح الإخوان الذى – وحتى كتابة هذه السطور – لا يعلم الإخوان سبباً مادياً واحداً لفوزه .. لقد أغلقت كل الوسائل والأسباب المادية التى تمكنه من الفوز ..
حينها يأتى قول الله تعالى : " ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " ، وقوله سبحانه : " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " .
أنت رجل دعوة وفكرة
هذا منطلق آخر يجعل من تصرفاتى – أنا ابن دعوة الإخوان - أثناء الانتخابات وغيرها من وسائل الحركة عند الإخوان محكومة ومضبوطة بضوابط " الدعوة والفكرة " .
فلا أغش ولا أزور ولا أزيف وإن غش أو زور أو زيف الآخرون .
حين أسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ، أفهم منه أنى لا أتبع عورات المنافسين ولا أفضحهم ولا أشهر بهم ولا أعد الناس بما لا أطيق ولا أخدعهم لنيل أصواتهم ، ولا أشترى أصواتهم بمال أو بغيره .
يحكمنى فى حركتى كلها شرع الله عز وجل ، فلا أقترف معصية ولا أتبع وسيلة مخالفة لشرع الله بحجة نبل الغاية . لا يخرجنى عن شرع الله شئ .. أولست أبتغى بخوضى الانتخابات جلب مرضاته ؟ فكيف أجلب مرضاته بمعصيته ؟
واقرأ بعين قلبك ما رواه مسلم وأبو داود عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه : أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " اغزوا باسم الله ، وفى سبيل الله ، وقاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغدروا ، ولا تغلوا ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليداً " .
واسمع وصية الصديق رضى الله عنه حين أوصى يزيد وهو يوجهه بالجيش إلى الشام فقال له : " لا تقتل صبياً ولا امرأة ولا هرماً " .
ما هذه المبادئ العظيمة التى يوصينا بها نبى الله صلى الله عليه وسلم وصديقه أبو بكر عن عدم الغدر أو الغلول أو التمثيل أو قتل الوليد أو المرأة أو الشيخ الهرم .
إنها وصايا للعمل .. وليست للتغزل أو صياغة الشعر والأدب حولها .. فمنها نستهلم الفكرة ونتحلى بالقيم .
إننا لا نصل إلى الغايات النبيلة إلا بالوسائل النبيلة . هذا هو مقتضى شرعنا الذى خضنا الانتخابات لنحكمه وليعود للناس صافياً نقياً كما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة .
صور النصر :
رجال السياسة لا فوز لهم ولا نصر إلا بالمقعد الذى يحلمون به ويبذلون من أجله الغالى والنفيس .
أما رجال الدعوة فمثلهم مثل غلام أصحاب الأخدود ..
لو تدبرنا قصته حق التدبر لرأينا فتى يقتل نفسه حتى تطلق كلمة التوحيد ويسلم الناس الذين يحرقون فى النهاية ، فأى نصر هذا ؟ أهو فى مقتله " استشهاده " أم فى حرق الناس !!
بلى إنه نصر العقيدة وثباتها أمام الظالمين ، هذا هو النصر وهذه هى القيمة التى تعلمها لنا القصة .
إن ثبات رجل الدعوة على دعوته ، وصاحب الفكرة على فكرته هو أعظم نصر وهو أقوى ما يتمسك به فى وجه الظالمين .
إن انتصارنا على أنفسنا وطاعتنا لله وقدرتنا على فطمها عن شهواتها وملذاتها وعن معصية الله لهو من أقوى معالم النصر .
وتبليغ هذه الدعوة ونشر الفكرة بين الناس لهو مقوم آخر من مقومات النصر .
إن إيقاظ المجتمع من غفلته والنهوض به من كبوته ومشاركة الآخرين لنا فى تنفيذ فكرتنا ونشرها لهو مقياس آخر من مقاييس النصر .
إن إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى هذا المجتمع وتغلغلها فى نسيجه لهو نصر أى نصر .
إن فضح الظالمين وإثبات ضعفهم وتزويرهم وغشهم وتدليسهم للناس هدف أصيل من أهداف حركتنا لو تحقق لكنا منتصرين .
كل هذه المعالم للنصر عند رجل الدعوة تجعله الفائز الدائم فى هذه المعركة ، نال الكرسى أم لم ينله – هو فائز فائز - ، فليس الكرسى مطمعاً ولا هدفاً ، وإن أراده رجل الدعوة فهو لتبليغ دعوته ولمقاومة الظالمين والمفسدين ، أما تحوله لهدف مجرد وحده فهو ما يخرج رجل الدعوة عن دعوته لينضم فى عداد رجال السياسة ، وهو ما لا يكون حتى يلج الجمل فى سم الخياط .
اللهم اجعلنا من رجال الدعوة وأصحاب الفكرة وثبتنا على هذا الطريق حتى نلقاك عليه وأنت راضٍ عنا .. اللهم آمين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 [email protected]