تسعى حكومة اسرائيل الجديدة الى اعادة توجيه السياسة الخارجية الاسرائيلية، بذريعة ان الاعتماد فقط على صيغة مقايضة الأرض بالسلام والتعهد باقامة دولة فلسطينية لن تنجح في تحقيق ما تعتبره تسوية للقضايا التي تزعم انها اكثر عمقا: وهي الرفض الاسلامي لدولة يهودية وتصاعد شهية ايران في الهيمنة. وقد نشرت صحيفة "انترناشونال هيرالد تربيون" الاثنين تحليلاً اخبارياً كتبه ايثان برونر اشار فيه الى ان بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الاسرائيلي، اعرب خلال اجتماع مجلسه الوزاري في القدس أمس عن شكوكه ازاء مقايضة الأرض بالسلام. وقال الكاتب ان اسرائيل تواجه تحدياً من الولايات المتحدة واوروبا فضلاً عن العالم العربي في محاولاوتها التملص من مطلب المجتمع الدولي القاضي بانهاء الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية ليمكن اقامة دولة فلسطينية على الاراضي التي احتلت في العام 1967.

واضاف: "يقوم مستشارو نتانياهو باعداد مسودة لمقترحات سياسية ترمي لصياغة اطار يعتزم تقديمه للرئيس اوباما في أول قمة تجمع بينهما في واشنطن يوم 18 أيار (مايو). وبالاضافة الى ذلك، فقد توجه وزير الخارجية افيغدور ليبرمان امس الى اوروبا في أول زيارة رسمية يقوم بها، ومن المقرر ان يجتمع الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز مع اوباما في واشنطن يوم غد الثلاثاء.

وهذا الجهد الطموح لاعادة صياغة الصراع سيصعب بكل المقاييس تسويقه لسببين.

الأول، انه بالرغم من ان التوجهات الاعتيادية لم تحرز تقدما، لم يظهر اي بديل لها.

والثاني، ان ادارة اوباما كررت مرارا دعمها لحل الدولتين، وهذا ما فعله الاوروبيون. ومن نواح اخرى ايضا، فالبيت الأبيض الحالي يبدو انه أقرب الى الاوروبيين من حيث وجهات النظر مما كانت عليه الادارة السابقة.

ومن المحتمل ان محاولة اسرائيل لتحويل النقاش نحو ايران ستقابل في واشنطن وفي العواصم الأوروبية بالتأكيد على ان تلك النتيجة المبنية على الحاجة الى تحالف لمواجهة ايران تتطلب من اسرائيل التحرك قدما وبنشاط مع الفلسطينيين وكذلك مع السوريين.

وقال مسؤول اميركي رفيع، اشترط عدم ذكر اسمه لأن السياسة الأميركية ما زالت في طور الاعداد: "ينظر الرئيس أوباما الى المنطقة ككل، ويحاول استبعاد كل قضية ليست لها انعكاسات واقعية. وسيكون من الأسهل بكثير بناء تحالف للتعامل مع ايران اذا تحركت عملية السلام الى الأمام".

وأعرب مسؤول اسرائيلي رفيع، لم يشأ ذكر اسمه لأن السياسة الاسرائيلية في طور الصياغة، عن اعتقاده بأنه عندما يلتقي نتنياهو الرئيس أوباما، فانه سيعترف بأن الهدف النهائي هو دولة فلسطينية. ولكنه سيقول ان مثل هذه الدولة بعيدة التحقيق مستقبليا لأن المؤسسات الفلسطينية والتنمية الاقتصادية تتطلبان قدرا كبيرا من العمل- اضافة الى استثمارات من دول عربية- وأن التربية الفلسطينية والخطاب العام الفلسطيني بحاجة الى ان يكونا أكثر توجها نحو التعايش.

ومن المقرر ان يبدأ (وزير الخارجية الاسرائيلي) ليبرمان رحلته في روما، حيث سيقابل وزير الخارجية فرانكو فراتيني اليوم، ثم يتوجه الى باريس فبراغ وبعدها برلين للقاءات مشابهة. وهو واحد من أكثر أعضاء الحكومة الاسرائيلية البارزين اثارة للجدل. وكمرشح للبرلمان، طالب ليبرمان عرب اسرائيل بأداء قسم الولاء. وفضلا عن ذلك، فان خطابه العام كان متشددا، وأحيانا قاسيا جدا. وهو نفسه يعيش في مستوطنة في الضفة الغربية.

وينظر الدبلوماسيون الاسرائيليون انفسهم الى وصوله لمنصب رئاستهم بحذر شديد، خصوصا لأن تسيبي ليفني التي سبقته حظيت باعجاب نظرائها في أوروبا. وكلما توجهت الى باريس مثلا، لم تكن تقابل وزير الخارجية فقط، بل كذلك الرئيس نيكولا ساركوزي. وحتى الآن، لم يوافق ساركوزي على استقبال ليبرمان هذا الاسبوع.

وقال دبلوماسي اسرائيلي بارز، لم يذكر اسمه ليتاح له التكلم بحرية عن رئيسه: "اقول لمن يقلق بشأن ليبرمان انني قلق ايضا. ولكن بعد ان انتهي من القلق اقول لنفسي، عليك ان تكون عادلا، وعليك اعطاء هذا الرجل فرصة للتعبير عن نفسه كوزير لخارجية اسرائيل وليس كمرشح للبرلمان".

وقال يغئال بالمور، أحد الناطقين باسم الخارجية، ان ليبرمان أعد له برنامج لمقابلة كل وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين خلال هذا الشهر في لقاء قمة، لكن ليبرمان طلب التأجيل لتتمكن الحكومة من الخروج بخطوط سياسية خاصةاً بها. ووافق الاتحاد الأوروبي على ذلك.

ويبدو من المحتمل ان الخطة التي سيقدمها نتانياهو لاوباما سيكون فيها عنصر اقليمي قوي في محاولة لابعاد الضغوط الموجهة لاسرائيل لقبول مبادرة السلام التي تقدمت بها الجامعة العربية وتطالب اسرائيل بالعودة الى حدود 1967 وقبول حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى اسرائيل. وترفض الحكومة الاسرائيلية الجديدة هذين المطلبين كليا. ويعتبر ليبرمان أحد أقوى الدعاة لاعادة صياغة التفكير الاسرائيلي السياسي ورفض ما يعتبره صيغا فاشلة سابقة. كما يريد فرض عقوبات قاسية ضد ايران كخطوة اولى. وأخبر صحيفة "جيروزاليم بوست" في مقابلة نشرت الأسبوع الماضي ان الهدف من اعادة مراجعة السياسة هو تحقيق تقدم في مجال التطوير الاقتصادي والسياسي للفلسطينيين "وأخذ زمام المبادرة" في المنطقة. وقال للصحيفة: "الناس يحاولون تبسيط الموقف من خلال هذه الصيغ: (الأرض مقابل السلام، حل الدولتين). الأمر أكثر تعقيدا بكثير". وأضاف ان السبب الحقيقي للجمود ليس الاحتلال وليس المستوطنات وليس المستوطنين وليس الفلسطينيين. فالعقبة الكبرى، كما قال، "هم الايرانيون".

وهو (ليبرمان) يستند في جدله، مثله مثل القيادة الاسرائيلية برمتها، الى انه بالنظر الى ان ايران ترعى حزب الله في جنوب لبنان و"حماس" في غزة، اوهما كلاهما يرفضان وجود اسرائيل ويسعيان الى تدميرها، فان مفتاح الحل الفلسطيني هو خلع انياب ايران ومنعها من حيازة وسائل بناء سلاح نووي.

وبصورة متزايدة يبدو العالم العربي – خصوصاً مصر، والمملكة العربية السعودية والاردن – قلقاً بشأن ايران ايضاً. وقال مسؤولون اميركيون زاروا تلك البلدان ان زعماءها تحدثوا عن ايران بطرق تكاد تكون مطابقةً لما سمعوه من المسؤولين الاسرائيليين. وبناء على ذلك فان الفرصة لتحالف اقليمي ضد النفوذ الايراني كبيرة.

لكنهم يقولون انه من اجل ان يعمل القادة العرب الى جانب اسرائيل في هذه المسألة، حتى بهدوء، لا بد اولاً من تحرك اسرائيلي واضح نحو انهاء احتلال الضفة الغربية بتجميد المستوطنات او تقليصها واعطاء المزيد من السلطة للفلسطينيين.

وتكره اسرائيل هذه المعادلة وتقول ان القضيتين يجب التعامل معهما كلاً على حدة. وتضيف انه اذا تم الربط بينهما، فسيكون هذا في الاتجاه المعاكس لما يقول به الغرب. وبعبارة اخرى، تقول اسرائيل ان الاحتلال يمكن انهاؤه بسهولة بالغة بمجرد وضع ايران في مكانها لان الخطر من استخدام اسلحة ايرانية ضد اسرائيل من منطقة مجاورة سيصبح عندئذ اقل بكثير. وتزيد اسرائيل انه لا يمكن في تلك الاثناء ان يتوقع منها تجميد نمو الاستيطان كلياً.

اما رد الفعل الاميركي، والاوروبي والعربي فهو انه من اجل احتواء ايران، لا بد لكل دولة من ان تضطلع بدورها، ودور اسرائيل هو العمل باتجاه انهاء الاحتلال، ووقف البناء الاستيطاني ورعاية اقامة دولة فلسطينية.

وعندما قيل لمسؤول اميركي رفيع المستوى ان الاسرائيليين لا ينظرون الى المشكلتين الايرانية والفلسطينية على اساس انهما متصلتان رد قائلاً: "حسناً، نحن نرى انهما متصلتان".