19/08/2010

د. أحمد مراد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رغم مقاطعتي للمسلسلات منذ أمد بعيد وخاصة الرمضانية منها
ألا أن هذا العام استفزني مسلسلين بالرغبة في مشاهدتهما
الأول مسلسل عايزة أتجوز وهو للكاتبة غادة عبد العال التي لم تكتب غيره والذي لم يكن سوي تدوينات بمدونتها على النت وكان أقصى أملها أن يكون هناك تفاعل وردود ونقاش حولها على النت وفقط
ولكن كان سببا في صعودها وبزوغ نجمها
وكانت رغبتي فقط رؤية كيف سيكون تشخيص تدويناتها هذه بعمل درامي بعد أن عايشتها ككتابات عادية على النت في وقتها حتى أني منذ ثلاثة اعوام قمت بنشر احداها بمجموعة نور اسلامنا البريدية قبل افتتاح المنتدى
وكانت صدمتي التي حمدت الله عليها حتي لا يشدني المسلسل لإكماله
فالعمل خرج مشوها بشكل عجيب
والتمثيل المفتعل جدا أرى بأنه سيهبط بالكتاب من قائمة أعلى الكتب مبيعا الى الحضيض
 
والعمل الثاني والذي تابعت أخباره عبر الصحف منذ شهور وظللت أترقبه وبعد ثلاث حلقات منه خرجت بالنتيجة المرجوة ولم يعد يهمني ما ستتوالى به الأحداث فيما بعد
وهو محور حديثي في هذه المقالة
وهو مسلسل الجماعة والذي قامو بالتهليل له أنه يتناول تاريخ جماعة الإخوان المسلمون بمنتهى التفصيل والتفصيص
 
أولا وهو الأهم : هذه المقالة ليست دفاعا عن الجماعة ولا هجوما عليها والتي أعترف بأني عايشت أفرادها بشكل عميق أثناء دراستي الجامعية وأنهم كانو سببا في تشكيل جزء كبير من فكري
ولكن لهم ما لهم وعليهم ما عليهم ولي عليهم بعض المآخذ
أكبرها من وجهة نظري أن بين كوادرها الكثير من المبدعين ولكن الابداع ليس في دائرة اهتمامتهم رغم أهميته القصوى
فهم وحدهم كانو كفيلين بالرد على هذا المسلسل بأعمال أقوي وأكثر واقعية لو أخذو فرصتهم
لماذا يتوارون عن اقتحام الاعمال الدرامية
أين مسلسل الامام الذي تحدثو كثيرا عنه
وكيف يكن بينهم جيل من المبدعين ثم يذهبون لكاتب من خارجهم ليكتب لهم القصة ؟
لما لا يلمع كاتب روائي منهم بعد د. نجيب الكيلاني عليه رحمة الله
لماذا لم نرى للأستاذ محمد عبد القدوس أعمالا قصصية سوى عملين يتيمين أحدهما بعنوان في عالم المحجبات والثاني لا أذكره للأسف
 
ثانيا كي لا نذهب بعيدا عن موضوع المقال ..
لو كان هذا المسلسل عن مطرب درجة ثانية وطلب أحد أفراد اسرته مطالعة السيناريو قبل بدء العمل فيه ما كان بإمكانهم الرفض
ولكن عندما طلب سيف الاسلام حسن البنا مطالعة السيناريو الذي سيتحدث عن والده كمؤسس لكبرى الحركات الاسلامية في القرن الحالي كان الرفض التام مما يؤكد النية المبيتة وأنه حتما عمل غير منصف ولا حيادي
 
ثالثا : اختاروا للمسلسل كاتب ظنوا بأنه سيحل المعضلة
فأي عمل من كاتب يظهر الحكومة أنها بريئة وملاك وكله تمام سيفقد العمل قيمته ومصداقيته
وإنما وحيد حامد الشهير بهجومه وانتقادته للحكومة وعدائه الظاهر والقوي لجميع الحركات الاسلامية وعلى رأسها الإخوان
سيشفي صدر المشاهد بهجومه على الحكومة في العمل مما يدفعه لتصديق هجومه على الاخوان في نفس الوقت
وإن كانت هذه النقطة فيها جزء كبير من الذكاء إلا أنه فاتهم أن وحيد حامد شديد العداوة للتيارات الاسلامية هو كان أحد قطبي الدراما مع الراحل أسامة أنور عكاشة في تصوير كل ملتح على أنه جاهل غبي حتما يحمل كلاشينكوف أسفل عبائته ويقوم بتكفير كل من حوله حتى أنه يتحسر على عدم قدرته في تكفير نفسه
هذا الرجل شديد العداوة حتما سيغالي في تصوير الأمر مما يفقد الأمر واقعيته ويجعل المشاهد في حالة انفصام تام عن العمل وبهذا سيتحول المسلسل الى نسخة مكررة من برنامج ( حالة حوار ) الشهير
كان الغرض من البرنامج تشويه الاخوان أثناء انتخابات مجلس الشعب 2005 وذلك باستضافة كل من هو على عداء أو خلاف معهم
وبسبب المغالاة فيه تحول البرنامج إلى أحد أهم وسائل الدعاية لهم وقتها
وتكرر الأمر بحذافيره بمسلسل تم الانفاق عليه ببذخ شديد حتى أن ميزانيته فاقت الخمسين مليون جنيه وباختيار واستضافة نجوم كبار ولو كضيوف شرف في مشهد أو مشهدين وأبرزهم نجم السينما الأول أحمد حلمي
والتوقيت هو قبيل انتخابات مجلس الشعب 2010 والغرض معروف بالطبع
ولكن فاتهم أن الشعب المصري لم يعد كالسابق يساق كالنعاج فدرجة الوعي والفهم تخطت حاجز التغمية الذي كانو يسعون خلفه من قبل
وأصبح المواطن البسيط محلل سياسي من الدرجة الاولى يعي ويفهم كل ما يدور حوله حتى وإن لم يتحرك لتفعيل شيء ولكن لديه الوعي الحقيقي
 
رابعا : ما خرجت به من الحلقات الثلاث الأولى
أعجبني بقوة الحرفية الشديدة في تنفيذ العمل نقاء الصورة وجودة التصوير ووضح الصوت بشكل رائع
كذلك التصوير في مواقع الأحداث الحقيقية .. فحين تصوير مشاهد مظاهرات جامعة الازهر شاهدت نفس أسوار مدينتي الجامعية ونفس طرقات الجامعة التي كم تمشيت بها
بل سلالم إدارة الجامعة ولافتاتها هي الحقيقية بالفعل
أعجبني بالطبع اسلوب الكتابة المعتمد على شد المشاهد لمتابعة كل مشهد بلا ملل وإن كان العمل يشدني لمتابعتي السياسية للأمر واهتمامي به بشكل شخصي ولكن لو نزعت هذه الاهتمامات ورأيتها كمواطن عادي لا يعرف الاخوان أو ما يمثلون سأجد أنه لا توجد قصة ثابته لها خيط واحد يشدني للمتابعة حتى النهاية
وبهذا لن يشد المسلسل الا المهتم فقط .. وهذه نقطة هامة جدا حيث أن المهتم لن تخدعه أبدا افتكاسات وحيد حامد
واليكم هذه الافتكاسات ..
- الكل يعلم جيدا أن وزير التربية والتعليم الحالي أحمد زكي بدر ابن وزير الداخلية الاسبق زكي بدر والذي تمت اقالته بسبب مقالة شهيرة بعنوان ( انزعوا السكين من يد هذا المجنون ) كتبها الراحل ا. عادل حسين بجريدة الشعب فضح فيها تجاوزات الوزير الصارخة مع الدليل بالصوت والصورة .. وكما يقولون هذا الشبل من ذاك الاسد
كان أحمد زكي بدر رئيس جامعة عين شمس وهو أول من أدخل البلطجية ساحة الجامعة للنيل من طلبة الاخوان حين انتخابات اتحاد الطلاب
وكالعادة كان الانفصام الشهير بين صحف الحكومة وبقية الصحف المحايدة والمعارضة الحكومة تقول الاخوان ضربو الطلبة واعتدوا عليهم وبقية الصحف ذكرت الحقائق
ولأن عداء وحيد حامد للإخوان أشد من رفضة للحكومة كان لزاما أن يصور الأمر بما أذاعته صحف الحكومة
وهنا كل طلبة الجامعة العاديين وليس طلبة الإخوان الذين عايشو الحدث حتما سيعلمون مدى افترائه وبهذا فقد فقد جزءا كبيرا لن يصدق بقية افتراءاته
 
- تصوير ما حدث من طلبة الازهر حين قامو بتمثل أعضاء حركة حماس في ما يشبه العرض العسكري لهم كنوع من الدعاية والتأييد لهذه الحركة المقاومة للعدو الصهيوني
قام وحيد حامد بتصويره على أنه كان أمرا مباشرا من مكتب الإرشاد الهدف منه بث الرعب في نفوس إدارة الجامعة وإظهار قوة الإخوان وأنها تلميح بأن جماعة الإخوان بها تشكيلات عسكرية خفية
ينافي تماما ما رأيته بأم عيني حين كنت أقيم مع بعضهم بالمدينة الجامعية فبضع طلبة قليلين هم من يجلسون ويخططون لما سيحدث وما هي الهتافات والشعارات التي سيتم اطلاقها في اليوم التالي
قد يكون جائهم الأمر بالفعل من القيادة العليا بإظهار للرأي العام أن هناك رفض لأمر قوي مثل مذبحة الحرم الإبراهيمي على أيامي أو رفض اتفاق غزة أريحا وقتها
ولكن تفاصيل وكيفية تنفيذ هذا الرفض موكله لهم حيث أنهم أدرى بظروف بيئة عملهم
وبالتالي كان قرار تمثيل حماس شخصي وفردي من بضع طلاب متحمسين لا أقل ولا أكثر وأعلنوا بعدها اعتذارهم وأنهم كانوا على خطأ كبير في هذا القرار لأن هناك من يتربص بهم الدوائر
 
- الله على مباحث أمن الدولة في هذا المسلسل .. أدب إيه وأخلاق إيه حاجة بصراحة فوق الوصف
لو كان رجال أمن الدولة كما وصفهم وحيد حامد بمسلسله لتمنيت أن يكون كل رجال الشرطة في وطننا بأمن الدولة أو مثلهم
يا سلام عليهم لا ييتحركون إلا بعد أخذ إذن النيابة .. في حين أن الكل يعلم بأنهم لا يتحركون الا بنظام البلطجة المباشرة وقد يظل المقبوض عليه لشهور دون أن يعرف هو لما قبضو عليه أو ما هي التهمة الموجهة اليه
طريقة القبض على المتهم الراقية لحد يفوق ما نراه بالأعمال الأجنبيه حين يقوم المتهم بتوبيخ رجل الشرطة ولا يستطيع رجل الشرطة من فرط أدبه أن يرد عليه
بالطبع لن نذكر أنهم يقومون بهدم البيت على رؤوس أصحابه حين القبض على أحدهم وإذا لم يجدو المتهم يسحبون معهم أباه أو أمه أو زوجته حتى يجبروه على تسليم نفسه
 
طريقة التحقيق التي تجعلك أن تتمنى أن يقوموا باستضافتك في جلسة أنس رائعة كهذه تخفف عنك الملل والرتابة التي تعاني منهما في حياتك
بالطبع أجهزة الصعق الكهربائي التي ربما تكون سببا في انقطاع التيار الكهربي عن مصر كلها لا ذكر لها وغيرها من وسائل التعذيب التي يشعر ابليس بالحياء أمام مبتكريها
كل هذه أشياء تجعل المشاهد يهز رأسه ويتحول من مشاهد راغب في المعرفة الى مشاهد لم يعد يعنيه سوى التسلية بقصة مثل القصص التي تجعل من كل بيت لدينا فيه بار به نوعين على الاقل من الخمور الشهيرة والتي يتناولها البطل والبطلة كنوع من المياة الغازية وكأنها أمر عادي جدا ويبلعها ويعديها المشاهد لمجرد رغبته في إكمال تسليته
 
- وأخيرا ذكر أنصاف الحقائق
هو يذكر أن عمليه القبض على رجال الأعمال بجماعة الإخوان أنها كانت بتهم بالفعل من النيابة في قضية شهيرة جدا
ولكن يذكرها بطريقة الحقيقة المثبتة والمسلم بها وبالطبع لا يذكر أن جميع المحاكم المدنية قامت بتبرئتهم في ثلاث محاكمات متتالية مما اضطر الحكومة الى تحويلهم بشكل غير قانوني أو دستوري الى محكمة عسكرية لتعطي الحكم المرغوب به دون استئناف أو نقض ..
حتما سيكون ضربا من الخيال أن يقوم وحيد حامد بذكر حقيقة رجال أعمال الإخوان ومدى نقاء أييديهم بعكس رجال الأعمال إياهم وكيف أنهم لو تركوا في حالهم لتغيرت الخريطة الإقتصادية بل والعلمية للبلد
أحدهم على سبيل المثال ابن المنصورة المهندس خيري الشاطر صاحب أول وأشهر شركة كمبيوتر بمصر في أواخر الثمانينات شركة سلسبيل والتي لو لم تغلقها مباحث أمن الدولة وقتها وتحقق مشروعه لأصبحت مصر أول مصنع ومصدر لقطع الكمبيوتر بالشرق الأوسط ولكن بالتهمة الغامضة والأسطورية وقتها والتي يظهر لأصغر طفل الآن مدى غباؤها وهي أن أمور الجماعة كانت تدار بالكمبيوتر وهي تهمة كفيلة بغلق الشركة ومصادرة أموالها وتوقف هذا المشروع الاستراتيجي

بالطبع بعد رؤية هذه الأكاذيب الفجة
وبعد رؤية المغالاة والمبالغة
أستطيع أن أقول بأن المسلسل لن يحقق من أهدافه سوى الربح المادي وفقط
ويستطيع أعضاء وقادة جماعة الإخوان النوم قريري العين
فدوما يخدمهم غباء أعدائهم وما يظنونه هجوما عليهم يكن أفضل وأقوى وسائل الدعاية لهم
ويمكنني الآن ترك المسلسلات مرة أخرى بعد أن علمت ما فيها
وكل عام وأنتم بخير
وجزاكم الله خيرا