مرة أخرى.. نحن والشيعة ... د. محمود غزلان
الأربعاء 25 فبراير 2009 12:02 م
25/02/2009
مما لا يخفى على أحد أن منطقتنا التي نعيش فيها منطقة جاذبة للمطامع حافزة على الاستيلاء والاستغلال وبسط النفوذ عليها، وذلك منذ فجر التاريخ، وذلك لاعتبارات كثيرة؛ منها الموقع والثروات والمناخ والمقدسات.. إلى آخره.
وهذا ما يفرض على أهلها أعباءً كثيرةً للحفاظ على حريتهم وإرادتهم وكرامتهم؛ باستجماع كل وسائل القوة المادية والمعنوية، واليقظة الدائمة، والالتفاف حول مشروع واحد، تلتحم فيه الشعوب بالقيادة، وتتوحَّد فيه الدول- على الأقل- في الأهداف، وتتقارب في الصفوف.
إلا أن الواقع الآن- للأسف الشديد- أسوأ ما يكون، عداوات ونزاعات، وفساد واستبداد، وضعف وتخلُّف، وولاء للأعداء وقهر للإخوة والأبناء، الأمور التي أغرت مختلف القوى بالتمدُّد في فراغنا، بالقوة الناعمة تارةً والعنيفة تاراتٍ أخرى، هذه القوى بعضها عالمي وبعضها إقليمي.
ولست بصدد حصر هذه القوى وتحليل مواقفها وما يجب أن نتخذه من مواقف مضادة، فمعظمها أوضح من الذكر أو الإشارة، إلا أنني سأتحدث فقط عن إيران، فإيران ومنذ قيام الثورة الشعبية 1979م التي أثمرت قيام الجمهورية الإسلامية وهي تتطلع للعب دور في المنطقة، بدأ بفكرة تصدير الثورة، ثم غُلِّف هذا الدور بدعم بعض الحكومات والأحزاب والجماعات، مستغلةً في ذلك عوامل عدة:
- الإعجاب الشديد بالثورة الشعبية وتضحياتها النادرة المثال.
- السلوك الشخصي النظيف والزاهد الشفاف لقادتها.
- انتماؤها للإسلام العام الذي هو دين الأمة والمنطقة.
- وجود ملايين من الشيعة في العراق والسعودية ودول الخليج ولبنان (وهو المذهب الذي يدين به غالبية الإيرانيين).
- تصديها للمشروع الأمريكي، وإذلالها أمريكا في حادثة احتلال السفارة الأمريكية في طهران في بداية الثورة.
- ثم تصديها للمشروعات الغربية.
- وصمودها ضد محاولات حرمانها من حقها المشروع في استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية.
- نجاحها في التغلب على العقوبات الاقتصادية التي أصدرتها ضدها الأمم المتحدة.
- الديمقراطية النسبية والانتخابات النزيهة وتداول السلطة.
- التقدم العلمي والتقني السريع.
- رفضها القاطع للكيان الصهيوني وعداوتها السافرة له، ودعمها حزب الله؛ الأمر الذي أدَّى إلى انتصاره على الكيان الصهيوني 2006م، وكذلك دعمها لحماس وقوى المقاومة في غزة؛ الأمر الذي أدى لنفس النتيجة 2009م، ودعمها بعض الحكومات مثل السودان.
كل ذلك أدى لرفع أسهمها في المنطقة- على الأقل على المستوى الشعبي- على الرغم من زيادة العداوة لها على المستوى الرسمي؛ الأمر الذي أغراها بالسعي لمزيد من التسلُّل الناعم عن طريق نشر المذهب الشيعي؛ باعتباره الطريق الناجع لاكتساب- ليس التعاطف فحسب- وإنما الولاء والانتماء.
وحدثت بعض النتائج الإيجابية لهذا المسعى في المغرب العربي، وبعض الأفراد في مصر وغيرها من الدول؛ الأمر الذي أزعج الدكتور القرضاوي، فشنَّ حملةً على المذهب الشيعي في حوار صحفي في صحيفة (المصري اليوم)، ذاكرًا عددًا من عيوب هذا المذهب، وموقف علماء أهل السنة القدامى والمحدثين منه؛ مما أثار ضجةً كبيرةً.
ورغم اعتقادنا بصحة ما جاء في هذا الحديث الصحفي- من الناحية العلمية الدينية- إلا أننا امتعضنا منه لإمكان استغلاله من قِبَل بعض الحكومات والأحزاب وأجهزة الإعلام لتأييد المشروع الأمريكي الصهيوني؛ الذي يُشيع أن إيران هي الخطر الأكبر على المنطقة؛ في حين أن الكيان الصهيوني إنما هو عضو في المنظومة الإقليمية العربية التي تتعرَّض لهذا الخطر، وبالتالي فهو كيان حليف وصديق؛ الأمر الذي يخلط الأوراق ويضلِّل المفاهيم والمشاعر والولاءات.
واليوم خرج علينا الأستاذ يوسف ندا بمقال يدافع عن المذهب الشيعي وينفي عنه جلَّ ما أجمع عليه علماء أهل السنة من عيوب، وكأنه يدعو للدخول فيه أو على الأقل لا يفرِّق بينه وبين مذاهب أهل السنة، وإن كان وقع في تناقض عندما نسب إليهم تكفير ولعن أم المؤمنين وكبار الصحابة، وقال بالحرف الواحد "فليت شعري كيف يستجيز ذو دين الطعن فيهم (أم المؤمنين والصحابة) ونسبة الكفر إليهم، بل والتعبد بلعنهم؟) هذا في الوقت الذي نفى عنهم أنهم مبتدعة.
ولو نُشر هذا المقال باعتباره فهمَه ورأيَه لهان الخطب، ولكنه يتكلم من بدايته لنهايته على أنه فهم الإخوان وكلام الإخوان، إضافةً إلى نشره على موقع الإخوان؛ الأمر الذي يُسيء إلينا أبلغ الإساءة ويُثير الشبهات حولنا، ويؤلِّب كثيرًا من أهل السنة ضدنا، بل من أفراد صفنا.
ولقد قمت بعمل إحصاء علمي للتعليقات التي نُشرت على المقال فكانت النتيجة كالتالي:
1- كان عدد التعليقات حتى يوم السبت 21/2/2009، خمسين (50) تعليقًا.
2- كان عدد التعليقات الموافقة على المقال 13 تعليقًا بنسبة 26% وتفصيل جنسياتهم كالآتي: 12 شخصًا مصريًّا، منهم واحد مصري شيعي وواحد غير معروف الجنسية.
3- كان عدد المعترضين على المقال 35 تعليقًا بنسبة 70% وتفصيل جنسياتهم كالآتي:
* 27 شخصًا مصريًّا.
* 2 من السعودية.
* 1 من أفغانستان.
* 1 من فلسطين.
* 1 من قطر+ 3 غير معروفة جنسياتهم.
والمصريون عدد لا بأس به، منهم من أفراد الصف.
4- كان هناك تعليقان لا يمكن حسابهم على الموافقين أو المعترضين بنسبة 4%.
ومؤدى هذا أننا نخسر بنشر مثل هذا المقال ونسيء إلى أنفسنا وبلا أي داعٍ.
ولذلك فأنا أرى ضرورة عرض مثل هذه المقالات المثيرة للبلبلة على مجموعة قبل نشرها على الموقع- ما دام الموقع يُعبِّر عنا- لنرى هل تتحقق مصلحة من نشرها أم تترتب عليها مفسدة؟ وإن كان لا بد من نشرها فليعلن بوضوح أنها تعبر عن وجهة نظر كاتبها الشخصي فقط.
أما موقفنا من إيران وما يصدر عنها فينبغي أن نفرِّق بين أمرين: المواقف السياسية، والمذهب الشيعي، فالمواقف السياسية ينبغي أن نقيسها على قيم الحرية والحق والعدل؛ فإن اتفقت المواقف معها أيدناها رضي من رضي وسخط من سخط، وإن تناقضت معها رفضناها وأنكرناها كذلك التصريح الأخير للمدعو "ناطق نوري"؛ الذي أكد فيه أن مملكة البحرين ما هي إلا جزء من دولة إيران، وإن كان قد عاد لنفي معنى التصريح إلا أن فلتات اللسان تنبئ عن خبيئة القلوب وطبيعة المشروع.
أما موقفنا من المذهب الشيعي فنحن نميل إلى عدم التعرض له بالقدح أو المدح، وكذلك عدم الخوض في الخلافات بين مذاهب المسلمين؛ حرصًا على وحدة الأمة، واستبعاد كل أسباب الشقاق من بينها، تاركين للعلماء مناقشة هذه الخلافات مناقشةً علميةً منصفةً، خصوصًا مع إنكارنا- في نفوسنا- كل ما يسيء إلى مذهب أهل السنة ومقام الصحابة الكرام.
وهذا الموقف مرهون باحترام الشيعة هذا الموقف ومقابلته بمثله، أما إذا تم استغلال حرصنا على الوحدة ونبذ الخلاف في السعي لنشر مذهبهم فحينئذٍ سنضطر إلى شرح تفاصيل الخلاف والعيوب لتحصين عامة أهل السنة من الانحياز بجهلٍ إلى المذهب الآخر، ويكون وزر الخلاف على مَن لم يحترم حرصنا على سلامة الأمة ووحدتها.
ألا هل بلغت؟!.. اللهم فاشهد