25/01/2009
لم يكن أمامه سوي أن يقول حسبي الله ونعم الوكيل، كان الناس يتجمعون حوله يحاولون تهدئته وهو يضرب الأرض بكلتا قدميه كالأطفال، ويصرخ ويرفع رأسه إلي السماء، ورافعًا كلتا يديه وهو يصر علي أن يقول حسبي الله ونعم الوكيل، جذبه أحد الشباب إلي الرصيف، فقد كان يقف في منتصف الشارع بحالته تلك، وكنت مارًا أشتري الجرائد من ميدان العباسية جلس الرجل علي الرصيف وهو يبكي، هنا وجدت شعره أبيض كالقطن
ويبكي ويتمخط ويبصق، كان علي وشك التقيؤ، ورفع رأسه، فوجدت دموعًا قد انسالت علي خديه، وقفت أمامه حائرًا أوسط الناس، واحد جاء بكوب ماء وواحدة جاءت بمنديل ورقي أخذه بيد عصبية ومسح دموعه، سمعت رجلاً يقول، مالك يا عبد القوي، لا حول ولا قوة إلا بالله، ماله الراجل، قلت تعرفه، قال آه أعرفه، ده من الحتة وغلبان، نهض عم عبد القوي وهو ينفض ملابسه، وكان الشاب الذي جذبه للرصيف يقف بجواره وقال مالك يا حاج، قال عم عبد القوي، مفيش، مفيش يا ناس، أنا كنت ماشي في حالي باعدي الشارع، جت واحدة ست قالت عديني الشارع، ست كبيرة والله كبيرة يا عالم ومش شايفة وكان معدي البيه الظابط بالعربية البوكس قعد يزمر عشان يعدي وهو اللي كان سايق، ماعملتش حاجة، ماعملتش حاجة خالص، قلت له أصبر شوية، هي يعني الدنيا هتطير، لقيته نزل من العربية وقال خلص يا حمار يا ابن الكلب، أنا بان كلب قلت له آهو أنت، مش شايف معايا ست كبيرة، قال وبترد عليا وضربني وأول ما الناس اتجمعت أخذ العربية وجري، هنا صرخ أحمد بتاع العصير قال: آه شفته والله شفته وهو بيجري بالعربية، فاستشهد عم عبد القوي بأحمد بتاع العصير وقال، مش كده يا ابني، شفته وهو بيضربني، فرد أحمد آه شفته وهو بيجري بالعربية قلت لعم عبد القوي معلش يا حاج جت سليمة يعني كان لازم ترد عليه الشتيمة، قال يعني أنا أبويا كلب، طب بس أشوفه والله لأقتله، لم ينته عم عبد القوي من جملته تلك، حتي جاءت عربة بوكس الزرقاء الشهيرة وهبط منها ثلاثة أمناء شرطة، وفي العربية كان يجلس ضابطًا برتبة نقيب وقال، هوه ده، هاتوه، وانقض الثلاثة علي عم عبد القوي، وهنا ذهب الناس إلي الضابط وتحدثوا معه وهو كان يشير بيده اليمني، بلا، وأنه لا فائدة من توسلاتكم، وذهبت أنا إليه وقلت معلش راجل كبير وغلبان، فقال الضابط، ده قليل الأدب، لازم يتربي، فقلت ده راجل كبير معلش محصلش حاجة فنظر إلي الضابط يتفحصني وقال والبيه مين بقي، قلت مازحًا مواطن، فقال مواطن طب فين بطاقتك يا مواطن شوفوا بطاقته، فقلت علي غير العادة من الجرأة والعنف ماشي بطاقتي أهي، ومافيناش من زعل، فأعاد لي الضابط النظر مرة أخري وأخرجت البطاقة والناس تهدئ من الموقف، راح ينظر إليها مليًا وينظر لي ويقلب بطاقة الرقم القومي وهبط من السيارة وقال بهدوء، تعالي عايزك وأخذني بعيدًا عن الجمع، تتبعني أحمد بتاع العصير وهو يقول في أذني أوعي تروح معاه ليغدر بيك، قال الضابط بأدب، إحنا شباب زي بعض الراجل ده شتمني بأبويا والله العظيم أنا كنت مستعجل لقيته بيجر شكلي ده يرضيك قلت معلش راجل كبير، قال والله عشان خاطرك بس يا طارق بيه هاسيبه، ده الكارت بتاعي، أبقي كلمني في أي وقت إحنا ياعم مش قد الصحافة، السلام عليكم، وعاد إلي البوكس وهو يشير إلي الأمناء الثلاثة وقال، ياَّله، سبوه، السلام عليكم، هنا بدأ الناس يشكرونه ويشكرونني، بينما عم عبد القوي يقف محموقًا غاضبًا، انطلقت السيارة البوكس، فزأر عم عبد القوي قائلاً: آهو أنت اللي ابن كلب، هه، فقلت له خلاص بقي، جت سليمة، فنظر إلي عم عبد القوي بعين تلمع وهو يقول، وأنا مين ياخد لي حقي، أنا ما أخدتش حقي، يعني قلت له كلمتين وقال لك كلمتين، وما أخدتش حقي، أعمل أيه يعني، حسبي الله ونعم الوكيل وأخذه أحمد بتاع العصير وأعطاه كوب عصير قصب شربه عم عبد القوي علي مرة واحدة، ومشيت أنا أفكر كيف سينام عم عبد القوي وهو لم يأخذ حقه، وكنت أفكر كذلك بشكل جدي في عنوان صحيفة الأهرام يوم الأربعاء الماضي ويقول مجلس الشعب، مبارك أدار أزمة غزة بكل اقتدار!!