14/01/2009

 

 

 

أيها الشعب المجاهد في غزة..

سلام عليك في الخالدين.. سلام عليك اليوم وغدًا ويوم الدين..

لقد كانت الأمة في حاجة إلى هذا الجيل العظيم. جيل العزة والشموخ والإباء.. الجيل الذي يُعيد إلى الأمة إحساسَها بكرامتها وتاريخها وأمجادها.. الجيل الذي يعرف كيف يمسح عن الأمة شعورَها بالمهانة ويغسل عنها عارَها الذي ألصقه بها حكامها، وكأني بالشاعر الراحل محمود غنيم في قصيدته "آمال وآلام" التي باح بها عام 1936م؛ يعبر فيها عنك في مواجهة مأساتنا نحن العرب والمسلمين:

من لي بجيل مستجدِّ لم يرث       إلا عن الجد القديم الأبعد

يرث ابنَ هندٍ في أصالة رأيه          أو خالدًا في عزمه المتوقد

 

أيها الشعب المجاهد.. أيها الشعب الأبي..

أنت هذا الجيل الجديد.. الجيل الذي ترتفع هامته كي تعانق السحاب.. إن التاريخ سيتوقف عندك وأمامك كأنه في محراب صلاة؛ يتمتم بكلمات مضيئة تنشر النور، يبوح بمشاعر فيَّاضة فردوسية من جنات عدن، ستعرف الأجيال القادمة أنك صانع مجدهم.. صاحب عزتهم.. مالك نهضتهم..

 

لقد قدمت الكثير.. الغالي والنفيس.. من نفسك ودمك وروحك.. من رجالك وشبابك ونسائك وأطفالك.. من آهاتك وأنَّاتك.. من دعواتك وابتهالاتك وصلواتك.. أنت الآن تصنع ملحمةً.. تصنع وطنًا جديدًا.. تصنع مقاومةً في كل نفس وفي كل مجال وفي كل ميدان، عزمك وإرادتك وصلابتك وصمودك صار مُلهِمًا.. أنت تصنع عالمًا آخر.. عالمًا تُصاغ فيه معانٍ قد نسيَها لأنها غابت عنه طويلاً.. الآن تعود هذه المعاني على يديك بأقوى مما يتصور أي مؤرخ أو مفكر أو أديب أو عالم.

 

لقد عاد الشرف والمجد والفخار والبطولة والأسطورة والإعجاز.. عاد الجهاد والاستشهاد والبذل والفداء والعطاء بأنبل وأعظم ما يكون.. عادت كل هذه القيم إلى الظهور والبروز من جديد، وها هي جوانب العظمة والجلال والمهابة تتجلَّى وتتلألأ في غزة المجاهدة.. غزة الأبية.. غزة الصامدة.. غزة المنتصرة بإذن الله.

 

أيها الشعب المجاهد..

اغفر لنا تقصيرنا.. سامحنا.. نحن الشعوب لم نقم بواجبنا حيالك كما يجب.. فما يجب أكبر بكثير مما قمنا به حتى الآن.. لا ندري كيف ندافع عن أنفسنا!! ما الذي يمكن أن نقوله لأجيالنا القادمة، بل ما الذي يمكن أن نقوله في الآخرة حين نلقى ربنا؟! أنت ونحن.. ساعتها ستكون أنت في عليائك ونحن في صمتنا وعجزنا.

 

لقد حاولنا- وما زلنا نحاول- تعبئة الشعوب كلها حتى نحقق الثمرة المرجوَّة؛ فنحن نعلم عن يقين أن الأنظمة والحكومات لن تقوم بدورها ومسئولياتها، ولن تنصاع لرغبات شعوبها؛ إلا حين تشعر أن الجسم الأكبر من هذه الشعوب قد خرج عن بكرة أبيه؛ ليعلن رفضه واحتجاجه ومقاومته لما يحدث من مذابح ومجازر وعدوان على يد العدو الصهيوني.

 

ومع ذلك لن نفقد الأمل.. ولن نقعد عن السعي.. والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.. وإن غدًا لناظره قريب