1/1/2009قال سيد الربانيين ابن عطاء الله السكندري:(الأكوان ظاهرها غرة، و باطنها عبرة، فالنفس تنظر إلى ظاهر غرتها، و القلب ينظر إلى باطن عبرتها.ليخفف ألم البلاء عليك أنه تعالى هو المبتلي لك، فالذي واجهتك منه الأقدار هو الذي عودك حسن الاختيار، و من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره.) يتوقف التاريخ حزينا كئيبا مندهشا هذه الأيام وهو يتابع معنا ويشاهد هول الجريمة النكراء و شناعة المحرقة الصهيونية علىالمحاصرين في غزة والتي تـُعرض أمام أنظارنا بكل تفاصيلها الدامية لحظةبلحظة .. ومجزرة تلو مجزرة ، والعالم كله يتفرج على مناظر الأشلاء والدماءدون أن يُحرك ساكناً .. والمجرمون الصهاينة يزدادون صلفاً وعربدة وتبجحاًبما فعلوا ويفعلون تحميهم مظلة الغطاء الدولي الظالم وعجز الخيرين وصمتهموتآمر المنافقين وكيدهم


 
(إذجاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ; وإذ زاغت الأبصار , وبلغت القلوب الحناجر , وتظنون بالله الظنونا . هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا . وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض:ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا . وإذ قالت طائفة منهم:يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا . ويستأذن فريقمنهم النبي , يقولون:إن بيوتنا عورة - وما هي بعورة . إن يريدون إلا فرارا( . .
.. نحن على يقين بأن الشدائد والمحن تصنعالرجال، وتبصر الأمة بأعدائها الحقيقيين، وأن اشتداد التحدي يصقل الأبطال،ويقيم الحضارات، ويقضي على الخلايا الشائخة في الأمة وينهي دور الرخو..ولا يتسع الأمر إلا إذا ضاق:
اشتدي أزمة تنفرجي قد أذن ليلك بالبلج!!
-وأن صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، ولد في ظل الاحتلال الصليبي الجاثمبكلكله على البلاد منذ زمن، وهو الذي كان استنقاذ القدس على يديه.. وأننبي الله موسى عليه الصلاة والسلام تربى في قصر فرعون، وكتب الله على يديهتدمير القصر وإنهاء الظلم فيه، قال تعالى: ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهمعدوا وحزناً ) ...وأن في تاريخنا من المحن والبلايا ما يكفيللدلالة على قدرة هذه الأمة على تجاوز المحن والشدائد..
قال تعالى: ( لقد كان في قصصهمعبرةٌ لأولي الألباب)
صور ومشاهد وأوراق تاريخية من الأمل الباسم:
1-كيف بك إذا لبست سواري كسرى بن هرمز؟!:
رسول الله صلى الله عليه وهو المطارد والمحاصر في هجرته..يقول لسراقة بن مالك –الذي جاء ليمسك به حيا وميتا لينال جائزة قريش: مائة ناقة- كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟؟!!
أمل واسع عريض مشرق رغم المطاردة والوعد والوعيد....!!
2- والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض!!:
في غزوة الخندق وفي ظلام الحصار الرهيب والخوف الشديد واليأس القاتل..تناول الرسول صلى الله عليه وسلم فأس الأمل ليحطم صخرة اليأس والإحباط:
فعندما اعترضت صخرة للصحابة وهويحفرون ، ضربها الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات فتفتت. قال إثرالضربة الأولى : (الله أكبر ، أعطيت مفاتيح الشام ،والله إني لأبصر قصورهاالحمراء الساعة ، ثم ضربها الثانية فقال : الله أكبر ، أعطيت مفاتيح فارسوالله إني لأبصر قصر المدائن أبيض ، ثم ضرب الثالثة ، وقال : الله أكبرأعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة)..
3- احترقت الورقة القرمطية!!:
قال ابن كثير في البداية والنهاية: (11 /160/ ـ 161)
. حج بالناس في هذه السنة (317هـ ) منصور الديلمي، وسار بهم من بغداد إلىمكة، فسلموا في الطريق، فوافاهم أبو طاهر القرمطي بمكة يوم التروية، فنهبأموالهم واستباح قتالهم، فقتل في رحاب مكة وشعابها، وفي المسجد الحرام،وفي جوف الكعبة من الحجاج خلقـًا كثيراً، وجلس أميرهم أبو طاهر، لعنهالله، على باب الكعبة، والرجال تصرع حوله، والسيوف تعمل في الناس فيالمسجد الحرام في الشهر الحرام يوم التروية، الذي هو من أشرف الأيام، وهويقول:)أنا الله وبالله، أنا أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا!! (
فكانالناس يفرون منهم، فيتعلقون بأستار الكبة فلا يجدي ذلك عنهم شيئاً، بليقتلون وهم كذلك، ويطوفون فيقتلون في الطواف، وقد كان بعض أهل الحديثيومئذ يطوف، فلما قضى طوافه أخذته السيوف..
فلما قضى القرمطي، لعنهالله ، أمره وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة، أمر أن تدفن القتلىفي بئر زمزم، ودفن منهم في أماكن من الحرم وفي المسجد الحرام.. لم يغسلواولم يكفنوا ولم يصل عليهم لأنهم محرمون.. وهدم قبة زمزم، وأمر بقلع بابالكعبة ونزع كسوتها عنها، وشقها بين أصحابه، وأمر رجلاً أن يصعد إلى ميزابالكعبة فيقتلعه فسقط على أم رأسه فمات إلى النار.. ثم أمر بأن يقلع الحجرالأسود، فجاء رجل فضربه بمثقل في يده، وقال: أين الأبابيل، أين الحجارة منسجيل، وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم، فمكث عندهم ثنتين وعشرين سنة..
وإنماحمل هؤلاء على هذا الصنيع أنهم كفار زنادقة، وقد كانوا ممالئين للفاطميينالذين نبغوا في هذه السنة ببلاد أفريقية من أرض المغرب، ويلقب أميرهمبالمهدي، وهو أبو محمد عبيد الله بن ميمون القداح، وقد كان صباغاً بسلمية،وكان يهودياً فادعى أنه أسلم ثم سافر من سليمة فدخل بلاد افريقية، فادعىأنه شريف فاطمي.. وكان القرامطة يراسلونه ويدعون إليه ويترامون عليه..
قال الأستاذ عمر عبيد حسنة: ماذاكانت النتيجة ؟ لقد احترقت الورقة القرمطية وعاد المسلمون إلى الاعتزازبإسلامهم، وكانت المشروعية العليا في حياتهم للكتاب والسنة، واعتبر فتراتالخروج والرفض من الفترات المرضية التي مرت بها الأمة، وليس من المستغرب ـونحن نعاني ما نعاني ـ ظهور القرامطة الجدد الذين يمارسون التشويهوالعدوان على تاريخ الأمة، وتُدرس الحركة القرمطية في بعض جامعات العالمالإسلامي على أنها ثورة تقدمية رائدة؟!
4- الصليبيون في بيت المقدس!!:
(وملكوهاضحوة نهار يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان (492هـ) وركب الناس السيف، ولبثالفرنج في البلدة أسبوعاً يقتلون فيه المسلمين، وقتل الفرنج بالمسجدالأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً، منهم جماعة كبيرة من أئمة المسلمينوعلمائهم وعبادهم وزهادهم.. وأخذوا من عند الصخرة نيفاً وأربعين قنديلاًمن الفضة، واخذوا تنوراً من فضة، وأخذوا من القناديل الصغار مائة وخمسينقنديلاً، ومن الذهب نيفاً وعشرين قنديلاً، وغنموا ما لا يقع عليه الإحصاء)
يقول غوستاف لوبون: ) حدثت ببيت المقدس مذبحة رهيبة، وكان دم المقهورين يجري في الشوارع، حتىلقد كان الفرسان يصيبهم رشاش الدم وهم راكبون، وعندما أرخى الليل سدولهجاء الصليبيون وهم يبكون من شدة الفرح، وخاضوا الدماء التي كانت تسيلكالخمور في معصرة العنب، واتجهوا إلى الناووس، ورفعوا أيديهم المضرجةبالدماء لله شكراً(..!!
لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكلسليمان، فكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهنالك، وكانت الأيديوالأذرع المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها، فإذا ما اتصلتذراع بجسم لم يعرف أصلها، وكان الجنود الذين أحدثوا تلك الملحمة لا يطيقونرائحة البخار المنبعثة من ذلك إلا بمشقة..
وأراد الصليبيون أن يستريحوا من عناء تذبيح أهالي القدس قاطبة، فانهمكوا في كل ما يستقذره الإنسان من ضروب السكر والعربدة ..
5- هولاكو في بغداد؟؟!!:
ووصلبغداد ـ هولاكو خان ـ بجنوده الكثيرة الكافرة الفاجرة الظالمة الغاشمة،ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، فأحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربيةوالشرقية، وجيوش بغداد في غاية القلة ونهاية الذلة، لا يبلغون عشرة آلاففارس، وهم بقية الجيش، كلهم قد صرفوا، وذلك كله عن آراء الوزير ابنالعلقمي الرافضي.. لهذا كان أول من برز إلى التتار هو، فخرج بأهله وأصحابهوخدمه وحشمه، فاجتمع بالسلطان هولاكو خان لعنه الله، ثم عاد فأشار علىالخليفة بالخروج إليه بين يديه لتقع المصالحة، فخرج الخليفة في سبعمائةراكب من القضاء والفقهاء ورؤوس الأمراء والدولة والأعيان..

واحضرالخليفة بين يدي هولاكو، فسأله عن أشياء كثيرة، فيقال: إنه اضطرب كلامالخليفة من هول ما رأى من الإهانة والجبروت، ثم عاد إلى بغداد وفي صحبتهالمولى نصير الطوسي والوزير ابن العلقمي، والخليفة تحت الحوطة والمصادرة.. وقد أشار أولئك الملأ من الرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو أن لايصالح الخليفة.. وحسنوا له قتل الخليفة، فلما عاد الخليفة إلى هولاكو أمربقتله، ويقال: إن الذي أشار بقتله الوزير ابن العلقمي، والمولى نصيرالطوسي، وكان الطوسي عند هولاكو قد استصحبه في خدمته لما فتح قلاعالألموت، ليكون في خدمته كالوزير المشير.. وقتل الخليفة، فباؤوا بإثمهوإثم من كان معه من سادات العلماء والقضاة والأكابر والرؤساء والأمراء..

ومالواعلى البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخوالكهول والشبان.. وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقونعليهم الأبواب، فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم،فيهربون إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسلحة حتى تجري الميازيب منالدماء في الأزقة.. وكذلك في المساجد والجوامع والربط ولم ينج أحد منهمسوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابنالعلقمي.. وعادت بغداد بعد ما كانت آنس المدن كلها كأنها خراب ليس فيهاإلا القليل من الناس، وهم خوف وجوع وذلة وقلة.. وقد اختلفت الناس في كميةمن قتل ببغداد من المسلمين في هذه الوقعة، فقيل: ثمانمائة ألف، وقيل: ألفألف وثمانمائة ألف، وقيل: بلغت القتلى ألفي ألف نفس .. فإنا لله وإنا إليهراجعون( .:ابن كثير:البداية والنهاية..
فهل استطاعت هذه المحنتدمير الأمة المسلمة وإنهاءها إلى غير رجعة ، أم أن الأمة استطاعت أنتتجاوز المحن وتجدد شبابها في كل مرحلة ؟!
ونحن على يقين بأن الله سينصر المقاومة في غزة العزة بقيادة حماس..مهما هبت عواصف الكيد والمكر و اليأس والقنوط والظلام والظلم و الدمار والحصار والتآمر..:(وإنا جندنا لهم الغالبون)..(حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا..)...فالنصر قريب وقادم فهل أخي الحبيب سيكون لك دور ما في صياغته؟؟!!وهل سيكون لك الشرف في تجسيده بالدعم المادي والمعنوي لإخوانك في غزة المقاومة والمرابطة..؟؟!!