استنكر الكاتب والمحلل السياسى ياسر الزعاترة من يحلو لهم استخدام مصطلح "الفوضى الخلاقة" فى سياق الحديث عما يجرى فى المنطقة، مؤكدا أن أمريكا لم تعد قادرة على التحكم بالمشهد لأن أمريكا لم تعد كما كانت من قبل.
وفى مقاله اليوم الاثنين على الجزيرة نت تحت عنوان" فوضى نعم.. ولكن من يتحكم بها؟" يرى الزعاترة أن العالم يبدو مختلفا هذه الأيام لأنه تحول إلى التعددية القطبية فى ظل وجود قوى ذات حضور كبير مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل، فضلا عن أوروبا، وإن تفاوت تورط كل منها في الشأن السياسي المباشر لمنطقتنا تحديدا، تبعا لحسابات خاصة لكل منها.
وراح الزعاترة يعرض أدلته للتأكيد على صحة قراءته للمشهد فى المنطقة قائلا: «على من يرددون مصطلح الفوضى الخلاقة أن يتذكروا أنه ما من مشروع صاغته أميركا (ومعها الكيان الصهيوني الأكثر تأثيرا في سياستها الخارجية الشرق أوسطية) منذ مطلع التسعينيات وانتهى إلى النجاح، من مشروع أوسلو وحتى مشروع غزو العراق لإعادة تشكيل المنطقة، فضلا عن جملة المشاريع الرامية إلى إنجاز حل للمسألة الفلسطينية».
ويستدل على صحة رأيه مضيفا «من يتحكم بالكون لا يحتاج لبث الفوضى، فهو يدير المشهد كما يشاء، والفوضى هي مسار يمكن أن يختطه من لا يملك القدرة على التحكم بالمشهد من الأساس، ورغم ذلك، فإن بث الفوضى ومن ثم التحكم بمخرجاتها يحتاج إلى قوة قادرة، الأمر الذي لا ينطبق على أميركا هذه الأيام».
ولا يرى الكاتب لأمريكا دورا فى تفجير ثورات الربيع العربى مشيرا إلى أن «الربيع العربي قد فاجأ الولايات المتحدة، تماما كما فاجأتها من قبل المقاومة العراقية، هي التي كانت تعتقد أنها ستتحكم بالعراق، وتديره في ظل انتداب عسكري، وتنتقل بعده إلى إيران وسوريا وكل الوضع العربي لتعيد تشكيله سياسيا وثقافيا، وربما جغرافيا أيضا، وبالطبع على إيقاع المطالب الصهيونية».
ويفسر المشهد فى مصر على التحو التالى «حتى عمليات الإجهاض التي تعرض لها الربيع في محطته الأهم (مصر) لم تكن بإدارة عملية من قبل الولايات المتحدة، بل كانت في شقها الأهم من فعل وتخطيط الدولة العميقة في مصر، وبدعم رهيب من محاور مهمة وذات قدرات مالية في النظام العربي الرسمي. صحيح أن ذلك كان برضاها ودعمها العملي (أعني الولايات المتحدة)، لكنه لم يكن ليتم لولا المعطيات الموضوعية العربية التي كان أهمها تشكل محور أنظمة الثورة المضادة.»
ويرى الكاتب أن «مفاجأة الثورة السورية كانت أكبر من سواها، وإن جرى التحكم بها بشكل أكبر، ليس من خلال الذكاء الأميركي، بل لأن إيران أصرت على الوقوف إلى جانب بشار، فتوافق ذلك مع الإستراتيجية الصهيونية الرامية إلى إطالة أمد الحرب لتدمير البلد واستنزاف جميع الخصوم، بمن فيهم إيران وتركيا وحزب الله والربيع العربي».
حتى بزوغ نجم تنظيم "داعش" وتعاظم قوته يؤكد الزعاترة أن « تصدر"داعش" لم يكن من تخطيط أميركا، ولا صلة لها به البتة، وهي ربما فوجئت به أيضا، رغم إدراكها لاحقا لحقيقة أن الأمر كان من تخطيط النظام "السورى" لكي يتفوق أمنيا وعسكريا على الثورة، ومن أجل أن يتمكن من وصم للثورة بالإرهاب، رغم أن المشهد التالي قد فاجأه أيضا» على حد قول الكاتب.
وبالنسبة للمشهد العراقى يرى الكاتب أن « أميركا لم تكن تريد في العراق مشهدا إقصائيا يعيد العرب السنّة إلى حمل السلاح ومساعدة تنظيم الدولة على استعادة قوته، فإنها لم تتحكم بالوضع على نحو يتيح لها ذلك، إذ وقع البلد أسير النفوذ الإيراني، وأسير نخبة سياسية استحوذ عليها جنون القوة والهوس الطائفي».
وحول الدور الإيرانى فى المنطقة يؤكد الكاتب «لا يتوقف الأمر عند مشهد المعركة مع تنظيم الدولة، بل يشمل كذلك مسيرة ربيع العرب، ومصير المشروع الإيراني في المنطقة، خاصة بعد ضربته الجديدة في اليمن، والتي ستفتح باب استنزاف جديد على إيران من حيث أرادته أداة استنزاف لآخرين يمكنها مساومتهم من خلاله على مصير بشار الذي يُعد الركن الأهم من بين أركان مشروع التمدد الإيراني».
ويخلص من ذلك إلى أن «مشهد الفوضى الراهن لا يحركه أحد بمفرده، بل هو نتاج تدافع بين القوى في المنطقة، وهو يفضي إلى تحالف الأضداد أحيانا، كما أن أحدا لا يمكنه التكهن بمآلاته، ولا بصيرورة أحداثه وكذلك بالنسبة للمدى الزمني الذي سيستغرقه»