تشهد الساحة السياسية في السودان الكثير من التطورات مع قرب إجراء أول انتخابات تعددية تشهدها البلاد منذ 24 عاما في ابريل من العام الحالي ، وسط شكوك كثيرة في إمكانية نجاحها في ظل تفاقم الأزمات في البلاد وتعقيد النظام الانتخابي السوداني.

ففي وقت تعد البلاد نفسها لاستفتاء انفصال الجنوب عن الشمال المقرر إجرائه أوائل 2011 بموجب اتفاقية "نيفاشا" 2005 - التي أنهت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب – إضافة إلي المشكلات التي باتت تلوح في الأفق في حالة الانفصال مثل كيفية توزيع عائدات النفط الذي غاب عن الاتفاقية.
 
وتأتي هذه الانتخابات في وقت أعلن فيه عن توقيع اتفاق مبدئي بين الحكومة السودانية وأقوى حركات التمرد في دارفور "حركة العدل والمساواة" وتوقع البعض بدء مرحلة جديدة بمشاركة دارفور في الانتخابات القادمة.
 
حول هذا القضايا كان هذا الحوار مع الدكتور هاني رسلان رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية ورئيس تحرير ملف الأهرام الاستراتيجي الذي حظر من مخاطر انفصال الجنوب عن الشمال وعواقبه في مطالبة مناطق أخري بحذو نفس الطريق.
 
مزيد من التفاصيل في نص الحوار ..
 
محيط : ما الذي تقرأه في توقيع اتفاق الدوحة بشان دارفور وقبل ذلك تكوين ائتلاف سياسي موحد في السودان من ثماني حركات ؟
اعتقد أن الاتفاقات أو الائتلافات السابقة كانت تقدم وحدة غير كاملة بمعني أن الوحدة الهيكلية التي كانت تتم لم تجمع جميع الفصائل فظل البعض خارجها مثل الفصائل التي يقودها بجر إدريس أبو جردة ويحي ، كما أن حركة العدل والمساواة وهي الأكثر قدرة من الناحية الميدانية والعسكرية كانت خارج الوحدة ، المجتمع الدرفوري لم يدخل في الحوار أيضا ، أما الاتفاق التي تم مع حركة العدل والمساواة فهو الأقوى حيث يعتبر بداية لمرحلة جديدة من تهدئة الأجواء ووقف العنف والتجمع.
 
محيط : مع اقتراب إجراء أول انتخابات تعددية منذ 24 عاما في السودان .. ما أهميتها في الوقت الحالي التي تشهد فيه البلاد صراعات متواصلة لدرجة دفعت مراقبون يصفونها بأنها علي حافة بركان ؟
أولا : الانتخابات بصفة عامة هي احد البنود المنصوص عليها في اتفاقية "نيفاشا 2005 "- التي أنهت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب - والتي قالت انه يجب أن يكون هناك انتخابات في النصف الثاني من المرحلة الانتقالية وهذا الاستحقاق كان المفروض أن يتم في 2008 وتأجل إلي 2009 ثم في 2010 ، والانتخابات ضرورية للإيفاء بنصوص المعاهدة ، وهي مسالة مهمة للعملية السياسية القائمة في السودان لتحويل الصراعات القائمة بين مختلف القوي السياسية في الشمال والجنوب إلي التنافس السلمي عبر أداة الانتخابات ، النقطة الثالثة وهي مهمة بالنسبة للرئيس البشير وحزب المؤتمر الوطني الحاكم فهي تعتبر بمثابة تجديد لشريعة الرئيس وشريعة النظام القائم في مقابل الضغوط الخارجية وخاصة أزمة المحكمة الجنائية الدولية وقرار اعتقال البشير .
 

محيط : أعلن حزب الحركة الشعبية الجنوبي ترشح ياسر عرمان العضو القيادي في الحركة الجنوبية ضد الرئيس الحالي عمر البشير بعد إعلانها في وقت سابق ترشيح سلفاكير.. علام يدل هذا التغيير ؟

بالنسبة لموقف الحركة الشعبية لتحرير السودان فان مشروع السودان الجديد حريص علي وحدة السودان ويطالب بإعادة توزيع الثروة علي أسس جديدة من المساواة وهذه هو الشعار المعلن ولكن في الباطن فهو يعتمد علي القوة الأثنية التي تعرف نفسها بقوي الهامش مثل جنوب السودان وشرق السودان ودارفور وبعد غياب " جون قرنق" عن السياسة اختلفت أولويات الحركة الشعبية وأصبح تركيزها الأساسي في الفترة الأخيرة علي الجنوب فقط وغير معنية بما يحدث في الشمال وإنها تريد الوصول بسلام إلي 2011 حيث استفتاء حق تقرير المصير لجنوب السودان لأنها تتهيأ لفصل جنوب السودان في دولة مستقلة علي هذا الأساس نفهم أن سلفاكير بالتحديد في هذا الموقف لو أراد الترشح علي منصب رئيس الجمهورية في الشمال ضد البشير لن يكون لديه الفرصة للفوز بجنوب السودان ويكون هذا الحق لمرشحين آخرين يشغلون هذا المنصب وبالتالي هذا مخالف لخطة الحركة الأصيل انه لا يريد أن يغادر موقعه لأنه يسعى لان يكون رئيسا للدولة الجديدة المستقلة ، وبالتالي كان يمكن للحركة الشعبية أن ترشح احد من قيادات الصف الثاني مثل نائب سلفاكير أو الأمين العام للحركة الشعبية باقان اموم ، ولكن هؤلاء لم يرغبوا في ترك مواقعهم داخل الحركة باعتبار أن ما يحدث في الشمال ليس مهما وإنما المهم الإمساك بالسلطة في الجنوب خاصة أن التوازنات داخل الحركة الشعبية حرجة وتقوم علي أسس قبلية اثنية ومغادرة أي من هؤلاء القادة لمواقعهم يترتب عليه عدم استطاعته العودة إلي هذا المنصب مرة أخري ، ولذلك وجدت الحركة أن المخرج هو ترشيح احد قادة الصف الثاني وهو عرمان وهو شمالي فإذا نجح كان بها وإذا فشل فأنها لن تخسر شيء .
 
محيط : البعض ينظر لها من منظور ديني ، حيث يتميز الشمال بأنه ذو أغلبية مسلمة والجنوب ذو أغلبية مسيحية وبالتالي فان ترشيح مسيحي في الشمال مصيره الفشل فجاءوا بعرمان ذو الديانة الإسلامية ؟
الدستور السودان قائم علي أساس حقوق المواطنة ولا يميز بين مسلم ومسيحي ، لكن سلفاكير غير راغب في المنافسة في الشمال لان الأهم انفصال الجنوب وليس وهناك جدوى أن ينافس علي منصب هو لن يكون جزءا من هذه الدولة فرئيس السودان سيظل كما هو أما الجنوب سوف ينفصل في دولة مستقلة.
 
محيط : يتفاءل البعض بان الانتخابات السودانية تعد بتحول ديمقراطي لكن قليلون متفائلون بأن يشهد السودان تغييراً في ظل واحد من أكثر النظم الانتخابية تعقيداً في العالم.. وما سر هذا التعقيد ؟
هذا نابع من حرص قانون الانتخابات التي تم إقراره من خلال مفوضية الانتخابات وطبقا للدستور الانتقالي في السودان التي يعتمد في الأساس علي نصوص اتفاقية نيفاشا وبالتالي كان هناك نوع من الحرص علي اخذ رأي جميع أراء الأحزاب وتم الاتفاق علي إجراء جزء بالقائمة الفردية وجزء بالقائمة النسبية وتم الاتفاق علي حصة للمراة وهذا كنوع من تلبية الظروف المختلفة في السودان فهناك فئة من المتعلمين وقطاع واسع من غير المتعلمين وهناك دوائر تتحكم بها القبائل والعشائر ووضع القانون كي يتلاءم مع ظروف السودان المركبة .
 
محيط : من هو الأقرب للفوز في الانتخابات؟
البشير هو صاحب الفرصة والحظ الأكبر في الفوز بمقعد رئاسة الجمهورية ولذلك لان حزب المؤتمر الوطني يحكم السودان منذ عقدين من الزمان وهو يملك السلطة والمال في توزيع الناصب من ناحية ن ومن ناحية أخري فقد استطاع كسب تأييد الكثير من القبائل والعشائر ومسيطر علي أجهزة الأعلام ، واهتم حزب المؤتمر كثيرا بالإعداد لهذه الانتخابات ، وكان لديه دراسات تفصيلة حول الدائر الانتخابية والعوامل المؤثرة فيها ، وقام بانتخاب مرشحيه عبر انتخابات داخلية ، وكان هذا هو محور تخوف المعارضة وترددها في الدخول في الانتخابات .
 

محيط : نعم .. لكن أحزاب المعارضة هددت بمقاطعة الانتخابات بسبب ما اعتبرته عدم توافر الظروف المناسبة لإجرائها وتخوفها من احتمالات التزوير .. كيف تقرا هذا ؟

هناك معرفة بان الرئيس البشير سوف يفوز ، وان حزب المؤتمر الوطني سوف يسيطر علي أغلبية مقاعد البرلمان ومن ثم سيعيد إنتاج نفسه في السلطة ولكن هذه المرة عبر طرق شرعية عبر انتخابات مراقبة دوليا ، لا احد يستطيع التشكيك في نزاهتها ، في حين أن الأحزاب المعارضة الأخرى الرئيسية وكانت كبيرة هي الأخرى ولكن تراجعت بسبب الانقسامات الداخلية والظروف العامة في البلاد مثل حزب الأمة فقد كثير من تأييده في دارفور ، إضافة إلي عدم وصول هذا الأحزاب للسلطة لفترة طويلة وفقدت قدرتها التمويلية والتعبوية وبالتالي تتخوف هذا الأحزاب الدخول في الانتخابات وإنها سوف تحصل علي عدد اقل من المقاعد مما حصلت عليه في أخر انتخابات ديمقراطية عام 1986 ، وبالتالي فان صورة هذه الأحزاب سوف تهتز وهي تريد البقاء علي أساس حجمها القديم وان تحظي بهذا الاهتمام في تحركها السياسي والانتخابات سوف تؤدي إلي انكشاف هذا الوضع ، وهناك تشديد علي أن الإجراءات الانتخابية مثل السجل الانتخابي وغيرها بها كثير من الأخطاء ، وهناك تردد بالفعل .
 
محيط : ماذا عن الطلب الفرنسي وغيره من المطالب الغربية الأخرى بعدم ترشح البشير ؟
الفرنسيين والغربيين بصفة عامة لا يؤيدون ترشيح البشير علي أساس انه مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية وباعتباره من الناحية الدبلوماسية والقانونية غير ملائم ، وان استمراره علي راس السلطة سوف يمثل عائق أمام إنهاء حالة عدم الاستقرار المزمنة في السودان لكن السودان يري أن ما يحدث من قبل الغرب والمحكمة الدولية نوع من المؤامرة علي السودان وانه لاي لقي بالا كثيرا لمثل هذه الأقوال وان الفيصل هو الشعب السوداني ، وانه سوف يدخل الانتخابات وفي حالة فوزه يعتبر ابلغ رد علي المحكمة الدولية وعلي الأطراف الخارجية .
 
محيط : بصفة عامة ، هل ستنجح هذه الانتخابات الذي يشهدها السودان للمرة الأولى خلال 24 عاما في ظل هذه الحالة من عد الاستقرار ؟
الانتخابات لن تتم بشكل امن مائة بالمائة ولكن الحكومة الآن تسيطر في دارفور بنسبة أكثر 90% والحركات المسلحة لا تسيطر علي مساحات يعتد بها من الأرض ، أكثر الحركات المسلحة في دارفور وهي حركة العدل والمساواة وهي تتمركز في داخل الأراضي التشادية ، أما في الجنوب والتي تتم بموافقة الحركة الشعبية لتحرير السودان وهناك بعض المناطق التي تتميز بوجود بعض الاحتكاكات القبلية ولكنها تظل محدودة ، وبصفة عامة يمكن أن تتم الانتخابات بنسبة معقولة من النجاح ولكن يتطلب لهذه الانتخابات كي يكون لها مصداقية وشرعية أن تشارك فيها القوي السياسية الأخرى فإذا حدثت المقاطعة سوف يفوز الحزب الحاكم ويكون الملعب أمامه خاويا .
 
انفصال الجنوب
 
محيط : ما رأيك في التحليلات التي تقول أن السودان علي وشك حرب أهلية وان السلام بين الجنوب والشمال هش ما يلبث أن يتحول إلي حرب ؟
صحيح ، لأن جنوب السودان حصل علي حق تقرير المصير بموجب اتفاق نيفاشا 2005 وهذا الحق عبارة عن اتفاق تعاقدي ملزم ولا يمكن الهروب أو التخلص منه وفي 2011 سوف يختار الجنوبيين إما البقاء في الوحدة أو الانفصال ، والمناخ العام في الجنوب الآن مع الانفصال ، وهذا الانفصال سوف يفرض تحديات جديدة علي السودان وهي

أولا : الدولة الجنوبية غير مستعدة أن تكون مستقلة فهي غير قادرة علي توفير الأمن لمواطنيها وغير قادرة علي النهوض بعملية تنمية تفي بحاجات المواطنين

ثانيا : هناك صراعات قبلية دامية واشتباكات تهدد بتحول الجنوب إلي حرب أهلية جنوبية.

ثالثا : طبيعية العلاقة التي ستكون بين الدولة الشمالية والجنوبية وستكون في الأغلب متوترة وغير تعاونية وخاصة أن هناك ملفات لم يتم البت فيها مثل وضع الجنوبيين في الشمال ووضع الشماليين في الجنوب ، وحول تقسيم البترول ، والديون الخارجية التي تقدر بـ 30 مليار دولار ، الأصول المختلفة وكيفية تقسيمها ، حول قضايا المتعلقة بالمياه ، إضافة التي ترسيم الحدود التي لم يتم إلي الآن ، وتحديد مواقع أبار البترول .

رابعا : عدم الاتفاق علي مناطق التخوم الفاصلة بين الشمال والجنوب وهي النيل الأزرق وجبال النوفا ، والمشاكل المتعلقة بأيبي وهذه المناطق تقع من الناحية الجغرافية في الشمال ولكن من الناحية الثقافية تنمي إلي الجنوب وهي الآن متوترة وقد تكون ساحة حرب أخري بالوكالة بين الشمال والجنوب .

خامسا : الأثر السلبي التي قد يتركه الانفصال علي أزمة دارفور فقد تظهر مطالب تطالب بحق دارفور في تقرير المصير أسوة بالجنوب وهذه المطالب يرفع رايتها اليوم عبدالواحد نور الذي ينفذ أجندة إسرائيل في أزمة دارفور ، وبالتالي الدولة السودانية الموحدة قد تتحول في 2011 إلي دولة شمالية وجنوبية والشمالية قد تتجزأ هي الاخري إلي دولتين بانفصال دارفور .
 
وكل هذه الأمور تجعل الحرب الأهلية قريبة جدا وغير مستبعدة ، بل وتضع السودان علي حافة بركان .
 
محيط : في حالة الانفصال من يتولى السيطرة على عائدات النفط في ظل عدم الاتفاق عليه ، خاصة وان هناك دراسات تقول إن 87% من الآبار تتركز في الشطر الجنوبي، وهو الأمر الذي لن يقبل الشمال به أبدا ؟
هذه النسب من وجهة نظر الحركة الشعبية لأنها تري أن هناك أبار في جنوب السودان والحكومة تراه في الشمال لان خط الحدود لم يتم ترسيمه الآن ، وبالتالي فعند ترسيم الحدود سوف تظهر الكثير من الإشكاليات والخلافات في وجهات النظر ، والمعروف إن اغلب حقول البترول يقع في الجنوب ، وسيعتبرها من حقه بالتالي ، وهنا يخرج الصراع علي النفط التي سيؤدي بدوره إلي حرب أهلية جديدة لا يعلم احد نهايتها ، وهذا ما تريده الدور الغربية تقسيم السودان إلي دويلات ذات نزاعات يصعب بها الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط .
 
محيط : ما تأثير انفصال الجنوب علي مصر .. ولماذا تتصارع الدول الغربية في نفس الوقت علي تفتيت السودان ؟
مصر تفضل بقاء السودان موحدا سواء في الشمال أو الجنوب لان العالم يسعى إلي التوحد والتكتل والتوحد ولكن ما يحدث في السودان الآن هو العكس فالسودان دولة واسعة المساحة مليئة بالموارد لديها فائض من لامياه والأراضي الزراعية وإذا قدر لها الاستقرار ستتحول إلي قوة كبيرة وسوف تكون فاعلة في أفريقيا ولمصر والغرب لا يريد ذلك فهم يسعون إلي تفكيك السودان لكي تمكنهم من تحقيق أهدافهم وهي :
-السيطرة علي كل الثروات فعندما يكون هناك دويلات صغيرة وفي صراعات متواصلة يسهل السيطرة علي ثرواتهم لأنها سوف تصبح مثل دول الطوائف الصغيرة المتحاربة تستعين دائما بالأجنبي ضد الجار أو الشقيق .

-السودان كان يتم النظر إليه علي انه معبر للثقافة العربية والإسلامية إلي داخل القارة الإفريقية وسوف يتم قطع هذا المسار وسوف يتم دولة الجنوب لكي تكون حاجز ضد الثقافة الإسلامية وتغلغلها في أفريقيا .

-الفصل سوف يؤدي إلي إعادة صياغة التوازنات الاستراتيجية في الدول المحيطة في السودان خاصة في إقليمي البحيرات العظمي من ناحية والقرن الإفريقي من ناحية أخري ن وسوف يؤثر علي الأمن في البحر الأحمر ، وسوف يؤثر علي الأمن المباشر لمصر من الناحية الجنوبية ، وسوف يحدث إعادة صياغة المنطقة علي حساب وحدة السودان وعلي حساب الأمن العربي وعلي امن مصر بشكل مباشر .
 

محيط : لو تحدثنا عن الإدارة الأمريكية وتعاملها مع الأزمة السودانية .. هل هناك اختلاف في الطريقة بين إدارة بوش وإدارة اوباما بعد مرور عام علي اعتلاه الرئاسة ؟

في اختلاف في طريقة التعاطي وليس اختلافا جوهريا في الأهداف والمصالح وأسلوب الاقتراب من الأزمة السودانية ، ولكن إدارة اوباما خلال الفترة السابقة شهدت خلافا بخصوص السودان وانقسموا إلي جناحين جناح يقوده "سكوت جريشن" والذي يري ضرورة التعامل مع الحكومة والوصول إلي حلول عبر المفاوضات ، ويرفض فصل السودان ويري أن جنوبه غير مهيأ الآن وانه يجب التعامل مع النظام والمرونة معه ، والجناح الأخر متمثل في وزارة الخارجية ومندوبة أمريكا في مجلس الأمن وبعض المتشددين ويرون ضرورة استخدام القوة والعنف والعصا مع السودان وفرض منطقة حظر طيران جوي علي دارفور وهذا يعني تكرار تجربة العراق في وقت سابق ، والإبقاء العقوبات علي السودان ويشجع فصل جنوب السودان عن شماله .
 
وتم الإعلان نهاية العام الماضي عن استراتيجية بخصوص السودان تتضمن ثلاثة عناصر وهي

-اعتبار ما يجري في دارفور ابادة رغم أن الحرب قد توقفت وانه يجب بذل الجهد لحلها

-العمل علي الاستمرار في تطبيق اتفاقية نيفاشا بما في ذلك حق تقرير المصير للجنوب ، وان الولايات المتحدة سوف تؤيد اختيار الشعب السوداني

- رغبة الولايات في الإبقاء علي السياسات التي تمنع ظهور بؤر إرهابية جديدة في السودان
 
محيط : كيف تري تطورات اتفاقية نيفاشا فيما يتعلق بالاستفتاء الذي سيجري أوائل 2011 ، خاصة في ظل وجود بعض الخلافات علي شروط من سيصوت في هذا الاستفتاء ؟
الخلاف الأساسي كان من قبل الحركة الشعبية تريد أن تكون صناديق التصويت علي الاستفتاء في الجنوب وتكون تحت سيطرتهم لأنها تخشي حدوث تزوير إذا تم عمل مراكز تصويت في الشمال لكن تنازلت عن ذلك ووافقت علي أقامة مراكز تصويت في الشمال لأنه هناك عدد كبير من الجنوبيين في الشمال ويصعب عليهم من الناحية العملية الانتقال إلي الجنوب للتصويت بسبب صعوبة المواصلات كما أن الطرق غير أمنة وبالتالي سوف يمتنعون عن هذا التصويت ، وسوف يكون مراكز اقتراع في الشمال إضافة إلي التجمعات التي يوجد بها جنوبيين مثل مصر وكندا واستراليا الخلاف الثاني كان حول الجنوبيين الموجودين في الشمال الذين نزحوا بعد عام 1956 فهؤلاء لهم الحق في التصويت ، والجنوبيين الذين نزحوا قبل العام 1956 والحركة كانت تشترط أن يعود هؤلاء للتسجيل أنفسهم في الجنوب ثم يعودون للتصويت وكانت مثار خلاف كبير وتم الاستقرار عليها في الصيغة الثانية من قانون الاستفتاء وتمت تداركها بحيث أن كل من ولدوا من الجنوبيين في شمال السودان بدءا من العام 56 فصاعدا سواء مقيما في الجنوب أو الشمال فله حق التصويت في الشمال ، أما من نزح قبل العام 56 فيكون أكثر من 50 سنة ويصعب تأكيد هويته فليس لهم الحق .
وبالتالي فهذه الخلافات تم تداركها ولكن الأزمة في قرار الانفصال نفسه ولأنه عند التصويت علي الفصل فهذا معناه مرحلة جديدة من الصراع والخلاف .
 
أزمة حلايب وشلاتين


محيط : ما اصل الخلاف علي حلايب وشلاتين ولماذا تظهر الأزمة وتختفي .. ولماذا لا نعرض النزاع المشترك على التحكيم الدولي .. خاصة سبق وعرضت مصر نزاعها مع إسرائيل علي طابا للتحكيم الدولي ؟
حلايب وشلاتين مثلث من الأرض تبلغ مساحته حوالي 20 ألف كيلو متر يقع في أقصي الجنوب الشرقي من الحدود المصرية مع السودان ، والنزاع يقوم علي نقطة مبسطة وهي الحدود التي تفصل بين مصر والسودان هي خط العرض 22 طبقا للاتفاقية التي وقعت عام 1899 بين بريطانيا ومصر إبان التحرك لإسقاط الدولة المهدية وإعادة فتح السودان مرة أخري وقبل هذا التاريخ لم تكن حدود رسمية بين مصر والسودان لان الأخيرة اسميا كان يقع تحت السيادة المصرية واللقب الذي كان متداول في مصر لقب ملك مصر والسودان ، وليس هناك أي نقطة للاحتكام إليها غير هذه الاتفاقية والتي تحددها في الخط 22 ، وحلايب وشلاتين يقع بأكمله شمال هذا الخط أي يقع في الأراضي المصرية ، ولكن في وقت الاتفاقية ونظرا لصعوبة المواصلات تم تعين حاكم عام للسودان وكان بريطانيا ولكن يصدر قرار تعينه من حاكم مصر ، وبالتالي فكانت تخضع للسيادة المصرية وفي العام 1904 أصدر ناظر "وزير" الداخلية المصري قرارا بان يدار مثلث حلايب وشلاتين من قبل الحاكم العام المقيم في الخرطوم وهذا القرار لا ينشئ سيادة ولكن ييسر أمور الإدارة ، وعندما استقل السودان في العام 1956 المفترض أن يتم تعيين الحدود وفقا لاتفاقية عام 1899 عند خط 22 لان قرار ناظر الداخلية كان بتيغير خط إداري لا سياسي وعندما تستقل تعود للخط للسياسي .
 
وعام 1958 أثناء حكومة عبد الله خليل من حزب الأمة قام باعتبار حلايب وشلاتين جزءا من أراضي السودان وقام بإنشاء دائرة انتخابية بها وهو ما اعترضت عليه مصر فمنعت أن تكون دائرة انتخابية ، وتحركت قوة سودانية إليها ولم تكن مصر تريد الدخول في حرب ، ولكن توجد سجلات مصرية وهي تحت السيطرة المصرية.
 
بخصوص للجوء إلي التحكيم الدولي ترفض مصر ذلك لان الأسانيد السودانية واهية جدا ، ولا يجب المقارنة بالنزاع عي طابا لان مصر لم تذهب للتحكيم علي طابا ولكن ذهبت للتحكيم علي تحديد مكان المنطقة الحدودية رقم 91 التي تفصل الحدود بين مصر والأراضي الفلسطينية ، والخلاف كان علي تحديد مكان المنطقة أما في حلايب وشلاتين فالتحكيم علي سيادة وهو ما لا تقبله.
ولكن بحكم الإخوة ووحدة وادي النيل يمكن التوصل إلي حلول من خلال اعتبار هذه المنطقة منطقة تنمية مشتركة .
 
محيط : لكن من وراء إثارة هذا الخلاف في الوقت الذي يعاني فيه السودان أزمات متوالية ؟
السودان به صراعات كثيرة وهناك من يسمون أنفسهم بقوي الهامش في الأطراف من أصول غير عربية ويعتبرون أن التعاون مع مصر أو غيرها يصب في مصلحة الوسط النيلي في السودان صاحب الثقافة العربية الإسلامية وبالتالي لا يريدون استمرار العلاقات الطيبة بين مصر والسودان ويستخدمون هذه المشكلة كحصان طروادة لتحقيق أهداف أخري لا تتعلق بحلايب أو أخري.
 
محيط : دور مصر في حل الأزمة السودانية يراه البعض ضئيل جدا بحكم العلاقة التاريخية بين الدولتين .. كيف تقرا هذا ؟
المفترض أن تلعب دورا لجعل القوي السياسية المختلفة والفرقاء علي بناء وفاق داخلي لان الحل النهائي لازمة السودان تتضمن الاستقرار وعودة الآمن الالتفاف حول التنمية والحفاظ علي الوحدة ، ويصب ذلك في مصلحة مصر وحماية أمنها القومي.
 
اعتقال البشير

محيط : إلي أين يسري قرار اعتقال البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية ؟
هناك جدل كبير حول قرار الاعتقال ولكن الثابت يقينا انه قرار سياسي طبقا لتصرفات المدعي العام للمحكمة الجنائية حيث سمح أن يستخدم المنصب لتطبيق أجندة غربية ، ولكن الموقف العربي والرفض السوداني جعل القرار غير فعال وانقلب علي مصداقية المحكمة الجنائية ، والكثير من القادة الأفارقة اعتبر المحكمة تمارس نوع من التميز بحيث لا تدرس سوي القضايا الأفريقية ولا تقدم احد للمحكمة سوي القادة الأفارقة أيضا في حين تترك القادة الصهاينة وغيرهم يذبحون الأطفال ، وغيرهم في العراق وافغانستان وفلسطين .
 
محيط : أخيرا .. ما هي سيناريوهات خروج السودان من الأزمات المتعددة وبدء طريقها نحن الوحدة؟
الخروج من الأزمة لن يكون إلا بأيدي سودانية عبر التخلي عن الصراع واللجوء إلي الحلول السلمية والحلول الوسط وهذه قضية صعبة في الوقت الحالي لان القوي السياسية الآن منقسمة ليس علي أسس سياسية ولكن علي أسس عرقية وتحول إلي صراع اجتماعي مشحون بمشاعر سلبية وضغائن وكراهية تحول دون الوصول إلي تسويات تستطيع الصمود والاستمرار والحل معلق بأيدي السودانيين أنفسهم .
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر : محيط