وكانت في أول مارس فقد تمت مداهمة المنزل بعد الإفراج عني بحوالي خمسة عشر يوما فقط من خروجي من السجن بالرغم من إصابتي بقصور في الدورة الدموية بسبب قصور في الشرايين التاجية ، وذبحة صدرية غير مستقرة ، وتعرضت و منذ الإفراج عني لعلاج طبي مكثف ومتابعة دقيقة ، ولزمت البيت بشكل شبه مستمر ولم أكن قد رجعت بعد لمزاولة عملي بعيادتي الخاصة.
تفاصيل عملية الاعتقال؟
في الواحدة صباحا أيقظني ابني خالد وأخبرني أن امن الدولة خارج الشقة ، وأنهم يضعون أيديهم على العين السحرية ، فقمنا على الفور على أصوات عالية من الطرق الشديد بالأيدي والأرجل على الباب وجرس متواصل ، وقمت بفتح الباب وطلبت من الضابط اصطحابي إلى غرفة مكتبي للتناقش معه بهدوء إلا أنه رفض.
في هذه الأثناء استيقظ ابننا محمد الذي رفض ما يحدث وقال إن والدي مريض وأنكم تهددون حياته فحدثت حالة من الهياج الشديد للضابط الذي أمر بدخول عساكر الأمن المركزي إلى المنزل شاهرين أسلحتهم الآلية في وجوهنا ، و قام بسب زوجتي وأبنائي بألفاظ يعف اللسان عن ذكرها ، واحتجزوني في غرفة مكتبي واحتجزوا زوجتي و أبني محمد في غرفة أخرى ، وانفعلت انفعالا شديدا بسبب قلة أدب الضابط وهو شخص صغير السن يدعى (عبد اللطيف المراسي ) عندها تعرضت لأزمة قلبية حادة و سقطت على الأرض فاحتجزوني مع مخبر من المحلة يسمى ( كمال ) لمدة ساعة ولم يقدموا لي أية إسعافات ولا سمحوا لأهلي بتقديمها لي ، وامتنع المخبر عن السماح لي باستخدام الغطاء رغم برودة الطقس ، وتركوني ملقى على الأرض حتى ازرق جسدي و أوشكت على الموت . في هذه الأثناء كانت زوجتي تصرخ وتطلب رؤيتي أو إحضار الإسعاف فكانوا يرفضون ، واعتدى الضابط علي أهل بيتي بالضرب والسباب الفاحش ، كما قام ضابط مباحث قسم أول ويدعى (هيثم الشامي) بالاعتداء على ابني محمد بالأيدي والأرجل وهددوا أبنائي بالاعتقال معي.
في هذه الأثناء ساد نوع من الارتباك على ضابط أمن الدولة وكان يجري اتصالات على سلم البيت ثم يدخل الشقة لسبنا ثم ينزل سريعاً ليجري اتصالاً آخر ، ويعود وهكذا !!! .
ثم اتصل زوج ابنتي بالإسعاف ، ورفض الضابط إن يقوم ابني بمساعدتي في النزول من الشقة مع زوج أخته وهدده بالاعتقال وكان هناك خمسة عساكر في حالة ذهول حوله ، ولم يساعدوا في إنزالي إلى عربة الإسعاف وهددونا مراراً وحملتهم زوجتي بالمسئولية الكاملة عن أي ضرر قد يصيب حياتي !
ماذا حدث في مركز القلب ؟
نزلنا إلى الشارع أمام المنزل و فوجئنا بعربات الأمن المركزي وعربات ملاكي وعدد كبير من ضباط امن الدولة بينهم العقيد محمد هاني مسئول مكتب أمن الدولة بالمحلة الكبرى ، الذي أصدر أمراً بالسماح بنقلي إلى مركز القلب .
وهناك حدث هرج ومرج فأصيب الأطباء بالهلع وحاولوا إخراج الضباط ظناً أنهم أهلي فأخبروهم أنهم ضباط من أمن الدولة و أنني رهن الاعتقال وطلبوا منهم عمل إسعافات عاجلة لي حتى يتمكنوا من اصطحابي مباشرة أو في الصباح على أقصى تقدير ، لكن الطبيب المعالج رفض وقال أن حالتي حرجه وأنني أحتاج إلى متابعة ، وفى الصباح تم وضعي في العناية المركزة وإعطائي علاج مكثف ووضعني على جهاز التنفس الصناعي والموينتور.
في اليوم التالي جاء رئيس النيابة من القاهرة للتحقيق معي ، وشاهد وضعي الصحي على الطبيعة ، وعرف ما حدث معنا من تجاوزات واهانات وبعد أن غادر بساعة واحدة وقبل وصوله للقاهرة قام ضابط أمن الدولة (أحمد عز) بطرد أهلي من المستشفى ، وقال أن النيابة قررت حبسي 15 يوما و كانت التهمة الجديدة هذه المرة هي دعم أهل غزة بالإضافة إلى التهم الروتينية المعروفة وهي الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين ، واتصل أهلي بالأستاذ عبد المنعم عبد المقصود المحامي فقال أن رئيس النيابة لم يصل القاهرة بعد ولم يصدر أي قرار !!
فلا ندري كيف خرج القرار ، ومن هو مصدره ، وهل هو من القرارات المسبقة ، ومن هو المسئول وما هي مصلحته ؟؟ ومنعوا أهلي من التواصل معي أو إدخال أية أطعمة أو مشروبات.
كما رفضوا إخبار أهلي بحالتي أو وضعي الصحي ، وحتى إدارة المستشفى أصدرت قراراً بمنع دخولهم وهددوهم بنقلي إلى القصر العيني إذا حاولوا الاتصال بي وأصيب أطباء المستشفى بحالة من الرعب والخوف من أمن الدولة !
وحتى أمن المستشفى قاموا بالاعتداء على أهلي بالأوامر مع أمن الدولة.
ومع قرب موعد إجراء عملية قسطرة القلب لي جاء موعد العرض الثاني ونحن نترقب موقف هؤلاء المجرمين معي وبالفعل تم تجديد حبسي 15 يوم أخرى مع ما أنا فيه من حالة صحية خطيرة .
وجاء يوم إجراء عملية القسطرة وبكل تبجح أصر مخبر أمن الدولة يدعى (محمد سند) على دخول غرفة العمليات (معي ) ، وبدون تعقيم ، ليراقبني أثناء إجراء العملية ، وكان ذلك طبعا بناء على أوامر قياداته ، وبالفعل أذعن مدير المركز الطبي لأوامرهم رغم أن هذا يخالف جميع المواثيق والأعراف الطبية إلى أن انتهت العملية وجاء تقرير الأطباء بوجود انسداد في 3 شرايين في القلب وضرورة إجراء عملية زرع شريان على وجه السرعة ، وبدون أي تباطؤ.
ومع هذه التقارير المحذرة من الأطباء وتحويلي من قبل التأمين الصحي لمعهد ناصر لإجراء العملية فلقد تباطأ هؤلاء المجرمين في نقلي إلى المعهد واستمروا في التضييق الشديد على حتى انتهاء 15 يوم أخرى وهو موعد العرض الثالث علي النيابة .
ثم قاموا بنقلي إلى المعهد بعد كل هذا التأخير وبعد أن تدهورت صحتي بشدة ، والأنكى من ذلك أنهم (أمن الدولة) أصروا أن يكونوا معي في الترحيلة وجاء معي منهم المجرم ضابط أمن الدولة (أحمد عز) والمخبر (محمد سند) الذي أصر على أن يكون معي داخل سيارة الإسعاف ، وكذلك أصر على ترحيلي إلى مقر نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس لعرضي على النيابة قبل إجراء العملية إلا أن ضابط الشرطة المسئول عن الترحيلة رفض أوامره (لأول مرة) ، وقال أن خط سيره أن يذهب بي إلى المعهد وليس للنيابة لخطورة الحالة مما اضطر هذا المجرم إلى استدعاء رئيس النيابة إلى المعهد وإصراره أن يؤخر إجراء العملية لمدة ثلاثة ساعات كاملة حتى وصول رئيس النيابة بالرغم من تحذير الأطباء له من جراء هذا التأخير.
وبمجرد وصولي إلى المعهد ووسط ارتباك شديد ومداولات كثيرة بين أمن الدولة بالغربية الممثلة في (أحمد عز) وأمن الدولة بالقاهرة والممثلة في ضابطان من أمن الدولة من شمال القاهرة كان يدعى أحدهما (زين) والآخر(كريم) وبعد تعطيل العملية حتى نهاية هذه المداولات وتحت ضغط وإلحاح كبير من الأطباء سمحوا بدخولي لإجراء العملية ، ثم فوجئت بوكيل النيابة على رأسي وأنا نائم على الترولي أمام باب غرفة العمليات بملابس العمليات . وبالرغم من معاينته لي وأنا على هذه الحالة فلقد عرفت بعدها أنه تم تجديد حبسي لمدة 15 يوم أخرى !!!!
"وكلاكيت ثاني مرة" يتكرر ما حدث بمركز القلب بالمحلة في معهد ناصر وبعد خروجي من غرفة العمليات ، ودخولي غرفة العناية المركزة ومنها لغرفة إقامتي بالمعهد فكان هناك أيضاً تضييق وحصار شديد من هذا الجهاز المجرم ((أمن الدولة)) معي بالمعهد فكانت هناك حراسة مشددة على الغرفة التي كنت بها وكانوا يتناوبون الحراسة علَي ، ومع سوء حالتي الصحية الشديد ، وحاجتي الملحة إلى وجود أحد من أهلي لمساعدتي في الجلوس والنوم وقضاء الحاجة ، كانوا يمنعون دخولهم لي مما زاد من معاناتي ، و كنت أقوم بخدمة نفسي من اليوم الثاني للعملية وكنت ((أربط حبل في نهاية السرير لأساعد به نفسي على الجلوس و النوم والحركة)) وهو ما أثر بالسلب علىَ وأخر تحسن حالتي بشكل كبير .
أما أطباء معهد ناصر وطاقم التمريض وإدارته فكان هناك استياء كبير بينهم ، من هؤلاء المجرمين.
وكانت الغرفة بالمعهد مخصصة لأثنين من المرضى فأحتل هؤلاء المتعنتين الغرفة معي ولم يسمحوا لأحد بالتواجد بها غيرهم . و كان يتناوب علي في كل نوبة حراسة سبعة أفراد ثلاثة منهم داخل الغرفة باستمرار ، لا يكفون عن الكلام والرغي والثرثرة ليل نهار ، مما منع عني النوم وأثنين أمام الغرفة وأثنين أمام العنبر فضلا عن المرشدين الموزعين في كل أنحاء مستشفى معهد ناصر.
وظل هذا الوضع المرير ، وهذه المعاناة الشديدة لي ولأسرتي الذين كانوا يسافروا من وإلى القاهرة يومياً آملين أن يروني ويطمئنوا على حتى ولو من على بعد ، ولو من خلال "حواجز هؤلاء الطغاة" عديمي الرحمة وكانوا في كثير من الأحيان وبعد مشادات كثيرة يرجعون "بخفي حنين" بدون أن يطمئنوا علي أو يستطيعوا حتى رؤيتي .
ولقد عرفت برغبة الأستاذ الدكتور حمدي السيد لزيارتي في معهد ناصر للاطمئنان على حالتي ، وبعد ترحيب إدارة المستشفى بزيارته فوجئ هو برفض جهاز أمن الدولة للزيارة وطلبوا منه أن يحصل على تصريح من النائب العام ، ولقد استاء كثيرا من هذه المهزلة وبعث بخطابات احتجاج لوزيري العدل والداخلية وحقوق الإنسان ولم يأتي لزيارتي في النهاية إلا بعد أن أتى أيضاً بتصريح للزيارة ، ثم دخل لي وسط حشد الأطباء المستقبلين له والمرحبين به ، وحشد الحراسة والأمن والقيود المحيطة بي ومن شدة ذهوله واستغرابه من هذا الموقف سأل زوجتي وهو خارج متهكما مستهزأ : هل قتل مصطفى : حسني مبارك ؟!
ومرت الــ 15 يوم "وساعات اليوم تمر على أنا وأسرتي سنوات" وحالتي الصحية زادت سوءاً وإعياء فلا طعام ولا شراب ولا نوم ولا أحد يقوم على خدمتي وجاء موعد العرض الرابع وأتى لي رئيس النيابة ليأمر بإخلاء سبيلي فوراً بعد أن تدهورت صحتي بشكل خطير جدا .
وجاء موعد إخلاء سبيلي لعودتي لمنزلي ، ولصعوبة انتقالي مباشرة من المستشفى بالقاهرة إلى المنزل بالمحلة الكبرى ، قامت أسرتي باستئجار شقة بجوار المستشفى لأمكث بها بعض الوقت حتى تتحسن صحتي واستطيع الانتقال إلى منزلي ، ولكن المفاجأة الكبيرة كانت بإصرار أمن الدولة بطنطا بقيادة العميد عادل النجار وبتوجيه من المقدم أيمن شاهين لنقلي من المستشفى مباشرة إلى مقر الجهاز بطنطا على بعد حوالي ثمانين كيلو متر من المستشفى وسط حراسة مشددة ، هي سابقة لم تحدث أبدا على امتداد فترة حكم حسن مبارك مع الإخوان ، حيث كان المريض المحبوس إذا صدر له قرار من النيابة بإخلاء سبيله كان يخرج من المستشفى إلى منزلة مباشرة ؟؟؟ ربما كان هذا التصرف الإجرامي القاتل لمجرد الرغبة في التشفي ولمجاملة للضابط أحمد عز والذي كان يتعرض أحيانا للهجوم من أسرتي بسبب تعنته الشديد معي ومعهم أثناء فترة وجودي بمركز القلب بالمحلة الكبرى .
وبمجرد دخولي إلى مقر أمن الدولة بطنطا بسيارة الإسعاف ـ لم أكن أستطيع الوقوف علي قدمي ـ صعد الضابط أيمن شاهين إلى سيارة الإسعاف ولما شاهد حالتي وخشي على أن أصاب بمكروه أو أتعرض للموت من جراء مكوثي عندهم ولو لساعات قليلة وخشيه من تحمله المسئولية ، أمر بإطلاق سراحي ، وفي طريق عودتي إلى منزلي فوجئنا بكمين في مدخل المحلة بقيادة الضابط أحمد عز لمنعي من مواصلة السير إلى المنزل ، وبعد تفاهمات مع قياداته عبر التليفون سمح لسيارة الإسعاف بالمرور لأصل في نهاية المطاف إلى المنزل وسط حالة من الذهول والبكاء وسجدات الشكر لله من أفراد أسرتي وأهلي وجيراني لفقدانهم الأمل من عودتي حيا إلى منزلي . ، ولكنها رحمات الله ومعّيته ودعوات الصالحين تأبى إلا أن تذّل الطغاة المجرمين وتخرجنا من بينهم سالمين والحمد لله رب العالمين.