كانت فجر السبت 15/5/2004 ، حيث تم مداهمة منزلي بهجوم وحشي بربري في حوالي  الساعة الواحدة والنصف صباحا ، بقوة كبيرة على رأسها أحد ضباط أمن الدولة من الغربية ، يدعى (طارق عفيفي) وكان على رأس الجهاز بالغربية ، ضابط يدعى (محمد وضاح).

 كان معي من إخوان الغربية في هذه المرة كلا من  :-
م.سعد عصمت الحسيني   من المحلة الكبرى ويعمل مهندس مدني
أ/ حمزة صبري حمزة     من كفر الزيات - رجل أعمال 
أ/ الدسوقي السيد كليب    من برما مركز طنطا ويمتلك محل مصوغات ومجوهرات
 أ/ محمد إسماعيل سعد    من كفر الزيات ويعمل كيميائي بالتأمين الصحي
أ/ محمود زين العابدين     من أبشواي الملق – قطور- غربية ويعمل إمام وخطيب
أ/ هشام إبراهيم ودح       من زفتى وكيل معهد أزهري
أ/ عصام السباعي هلال    من كفر حجازي المحلة الكبرى ويعمل مدرس أول لغة انجليزية  
أ/ خالد عيد محمد الشامي  من سامول – مركز المحلة الكبرى ويعمل مدير مالي
أ/ احمد محمد الناعم        من الدلجمون- كفر الزيات – رجل أعمال (رحمه الله )

وذلك عدا آخرين من عدد من المحافظات المختلفة .

وبلغ عددنا في هذه المرة ثمانية وخمسون فرداً من الإخوان المسلمين ، وتم في هذه المرة غلق العيادات والشركات الخاصة بنا ، والمكاتب الهندسية والمحال المملوكة لنا ومصادرة محتوياتها من أموال وخلافة.

بداية رحلة بشعة من التعذيب

تم تجميعنا  بمقر مباحث أمن الدولة بطنطا في نفس الليلة ، ثم ترحيلنا من طنطا إلى القاهرة للعرض على نيابة أمن الدولة في صباح نفس اليوم الساعة 9.30 صباحاً وظللنا جميعا محبوسين داخل سيارة الترحيلات منذ صباح يوم الأحد حتى 7.30 مساءً ،  بدون حمام ولا طعام ولا ماء . ثم تم عرضنا علي نيابة أمن الدولة في اليوم التالي ، وكان قرارها حبسنا 15 يوم بتهمة تدريب عناصر من الناس ، ونقلهم إلى مناطق الصراع الساخنة مثل فلسطين والعراق ، وتهمة أخرى هي تمويل جماعة الإخوان .

تم إيداعنا في سجن مزرعة طرة لقضاء مدة الحبس الاحتياطي ، وخلال هذه الفترة وذات مساء أحد الأيام وتحديداً يوم الجمعة 4/6 /2004 تم اقتيادي أنا و كلاً من (أ/ حمزة صبري وأ/ هشام ودح  والأستاذ الدسوقي السيد كليب والدكتور محمد إسماعيل سعد والشيخ محمود زين العابدين علي عطية والأستاذ خالد عيد محمد الشامي)  من السجن فى الساعة الرابعة عصرا بحجة العرض على النيابة يوم الجمعة ، في الفترة المسائية ، وكان رئيس مصلحة السجون آنذاك هو اللواء محمود وجدي ومسئول أمن الدولة في منطقة سجون طرة هو ضابط يدعى باسل وكان ضابط أمن الدولة في السجن في هذا الوقت يدعى ( محمد عشماوي ) و كان مجرما بكل ما تحمل الكلمة من معاني .

وتم ترحيلنا إلى سجن استقبال طره ، والذي عرفناه بعد ذلك  أننا دخلنا السجن بدون تسجيل في كشوفه لا أسماء ولا أرقام  ، ولا أي دليل على وجودنا به ، حتى إذا مات أحدنا من التعذيب لا تقع أي مسئولية جنائية على إدارة السجن .

تم حبسنا في زنزانة انفرادية ، و علمنا من بعض المسجونين أنه سوف يتم ( سحبنا ) إلى مبنى جهاز أمن الدولة في مدينة نصر ( باستيل هذا النظام المجرم ) و لم نعرف ماذا تعني كلمة سحب هذه !!

وفي حوالي الساعة الواحدة صباحا قدمت مجموعة من زبانية جهاز أمن الدولة ، وقاموا بتعصيب أعين الجميع ، وتم وضعنا   في سيارة ميكروباس مخطوفة من الموقف ، حيث ألقوا بنا أسفل الدواسة وتم تغطيتنا ببطاطين قذرة حتى لا يرانا أحد ، و جلس هؤلاء الحراس فوقنا بأحذيتهم  ، حتى كاد أحدنا (محمد إسماعيل ) أن يموت اختناقاً ، ( كان يعالج من أزمة ربو مزمنة ) ، و انطلقت السيارة بشكل جنوني حتى توقفت ،  و الذي عرفناه بعد ذلك أننا ( في مقر أمن الدولة بمدينة نصر )  وفور وصولنا تم تفتيشنا بطريقة مهينة  ، حتى أنهم قاموا  بتفتيش (الفم) وسحبوا كل شئ منا حتي الأدوية والساعات والنظارات الطبية والمصاحف ، وتم تقييد أيدينا من الخلف وألغيت أسماؤنا و استبدل كل منا برقم ، وتم ربط أعيننا برباط من شرائط بطاطين قديمة ذات رائحة قذرة  و تلوا علينا التعليمات و شروط التواجد في هذا المكان و منها عدم التحدث إطلاقا و عدم رفع العصابات من على الأعين وعدم ذكر الاسم  إلاِّ الرقم و إلاِّ فالويل و الثبور و عظائم الأمور !!

 تم اقتيادنا إلى زنازين فردية تحت الأرض حيث كنا نسير منحدرين لمسافات كبيرة و تم حجز كل منَّا في زنزانة انفرادية بدون أغطية و على مصطبة إسمنتية ، الزنزانة عبارة عن مترين في متر بها حمام بلدي و مصطبة و ليس بها تهوية أو إضاءة و غير مسموح فيها برفع العصابات عن العين أو طلب فك القيد أو أي طلب آخر .

 ظللنا ( هكذا ) حتي الصباح محبوسين في حمام قذر معصوبي الأعين ونقضي الحاجة بدون فك الكلابشات ثم بدأت الاستجوابات من بعد الظهر تقريبا ً.

وتم الاستجواب العادي ثم اعادتة مرتين أو ثلاث مرات يوميا ً ، وفي أثناء التحقيق يقوم المحقق بنزع الملابس تماما ً ويطلب منا الاعتراف بالتهم الموجهة إلينا ويقوم بالضرب بالعصي في أماكن متفرقة من الجسم واستخدام الكهرباء في أماكن مختلفة مثل الصدر (حلمة الثدي) وأطراف الأصابع  وعلي الظهر.

طرق جهنمية للتعذيب

ثم يقوم بإيقاف الشخص علي كرسي ثم ترفع كل يد وتربط في حلقة حديدية إلي أعلي ثم تفتح الرجلين وتربط كل رجل في حلقة  حديدية بعد سحب الكرسي فيكون الإنسان معلق من يديه ورجليه مصلوباً كالذبيحة ، وهو مجرد من ملابسة كيوم ولدته أمه؟؟!

وأثناء ذلك يقوم بتعذيبنا بالكهرباء ويهددنا باغتصاب النساء في البيوت عن طريق إرسال أفراد من الجهاز إليهم أو التهديد بإحضارهم إلي مبني الجهاز للتحقيق معهم ويطلب منا أن نعترف بأعمال لا نعرفها علي من كانوا معنا .
ويستمر التعذيب لساعتين أو ثلاثة تقريبا ً ثم يعاد ليلا ً بنفس الطريقة كما تم تهديدنا بالإحالة إلي محاكمة عسكرية ، يكون مدة الحكم فيها عشر سنوات  أو أكثر كما أكدوا لنا  أن نيابة أمن الدولة بل ومحكمة أمن الدولة أيضا ما هي إلا جهات تابعة لهذا الجهاز اللعين تأتمر بأمره وتنفذ مايمليه عليها ولا يملك أحد من رؤساء النيابة أو القضاة إلا أن ينفذوا ما يصدر إليهم من أوامر  ، سواء قرارات الحبس أو الأحكام.

 ولقد نال هذا القسط من التعذيب كل الأفراد السبعة المخطوفين في أمن الدولة أما الدسوقي كليب فأثناء تعذيبه بالكهرباء ، ضربه أحدهم وكسر له ضلعا ً من أضلاع صدره ، كما أن محمود زين العابدين انتقلت عظمة ساعده الأيمن من مكانها وظل يصرخ لان يده قد كسرت ولكن لم يعبأ بهم أحد ؟!

استاكوزا وأبو غريب ؟!

وهي طرق بشعة في التعذيب عندما كان ينادي المحقق علي زميله : أعطه استاكوزا ! فمعني ذلك صعقه بالكهرباء على العضو الذكري أما إذا قال أعطه أبو غريب فمعني ذلك صعقه بالكهرباء على الدبر وهو عريان ؟!

كما تم تهديد الشيخ محمود وهو يعمل إمام وخطيب بنشر صورته وهو (عريان ) تماماً في شوارع قريته بعد أن صوره الضابط / أيمن شاهين ضابط أمن الدولة بطنطا الذي حضر التحقيق يوم الأربعاء 8/6/2004 .

ثم تم ترحيل المجموعة مرة أخري إلي سجن استقبال طرة - بعد أن ظننا أننا لن نعود إلي الحياة-  بنفس الطريقة المهينة التي أحضرونا بها.
 
وفي العرض التالي علي نيابة أمن الدولة العليا اتهمنا كل من الضابط محمد وضاح والضابط أيمن شاهين والضابط محمد أبو المجد من مباحث أمن الدولة بطنطا والذين حضروا التعذيب أثناء التحقيق ( رأيناهم من تحت العصابة) ، بالإضافة إلي ضباط أمن الدولة بمدينة نصر ، وقد أمرت نيابة أمن الدولة بعرضنا علي الطب الشرعي ..

واعترف كبير الأطباء الشرعيين لنا بان الجماعات الإسلامية يأتون إليهم مسلوخين من التعذيب ويخرج التقرير الطبي بأنهم بحالة جيدة، وطبعا خرج تقرير الطب الشرعي بعدم وجود أي إصابات بنا ليبرئ الجلاد وتتهم الذبيحة بالكذب والافتراء؟؟!!!

 وهذا نموذج لما حدث لسبعة أفراد من أبناء الغربية ضمن قضية شملت 58 فردا ً من عدة محافظات أريد بهم التنكيل والتعذيب بتهم ملفقة وتدبير محاكمات عسكرية وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 ولنعد قليلا إلى هذه اللحظات القاسية التي قضيناها (بل قل إن شئت السنون ) داخل باستيل مدينة نصر.
 
 فعندما كان الحارس ينادي على الرقم الذي يخصني كان لابد أن أكون واقفا في التو واللحظة خلف باب الزنزانة ويدي ممدودة وفيها القيد الحديدي عبر شراعة الباب الضيقة لتلقي الطعام الذي هو عبارة عن رغيف خبز عليه قطعة من الجبن أو المربى .

و لم يكن أحد يستطيع النوم فأصوات المعذبين لا تتوقف ليلا ونهارً ، وانتظار الدور في التعذيب يستمر في أي وقت، وحذار أن تسقط العصابة من فوق العين.

و كانت الاستدعاءات تتم ليلاً و نهاراً في حفلات تعذيب وحشية تتنوع أساليبها مثل : ( التعليق – العروسة – الشبح – الكهرباء – الوقوف عرايا لساعات طويلة – التهديد بهتك العرض لنا و لأزواجنا – الضرب – التعليق على الفلكة – التعليق على العروسة – شد العضلات لفترة طويلة .....الخ )

وكان يحضر حفلات التعذيب هذه (كما أسلفت ) بعض ضباط أمن الدولة من الغربية أذكر منهم ( محمد أبو المجد – أيمن شاهين - وطارق عفيفي - ومحمد وضاح - و آخرين ) عرفتهم أثناء التعذيب من خلال اختلاس النظر من تحت العصابة حيث كانت تتحرك قليلا دون أن يشعروا أنها تحركت وهددونا بتلفيق قضايا أخلاقية لنا و لأزواجنا أن لم نعمل معهم جواسيس على الإخوان .

حادثة قتل أحد المساجين على يد زبانية أمن الدولة

وفي إحدى هذه الليالي السوداء داخل مقر جهاز أمن الدولة بمدينة نصر فزعت فزعا شديدا على صوت صراخ مدًوي من الزنزانة التي أمام زنزانتي فاختلست النظر عبر شراعة الباب الحديدي للزنزانة بحذر شديد خشية أن يراني أحد  و إذ بكلاب أمن الدولة يعذبون أحد المسجونين في الزنزانة التي أمامي تعذيبا شديدا تقشعر منه جلود الحيوانات ، و ذلك بضرب رأسه بالحائط الخراساني للزنزانة ، ثم سحبوه على الأرض بعد أن لم يستطيع الوقوف ، و بعد ساعة أعادوه إلى الزنزانة و الدماء تنزف من فمه و أذنه وتركوه على هذه الحالة دون إسعاف، ثم عادوا إليه مره ثانية و حاولوا إيقافه إلاًّ أنه كان قد لفظ أنفاسه الأخيرة ، عرفت ذلك من شكله و من ارتباكهم ، ثم تركوه على أرض الزنزانة حتى جاءوا و حملوه جثة هامدة ليذهبوا به إلى حيث لا أعلم . 

نريد التحقيق فورا في هذه الجرائم من السجن و القتل و التعذيب وكان على رأس الجهاز في هذا الوقت المجرم  اللواء / حسن عبد الرحمن.
 
مكثنا في هذا المكان الكئيب مدة ستة أيام ، بل قل ستة سنوات ، بل قل دهرا كاملا و بعد هذه الأيام رجعنا إلى سجن استقبال طره بنفس الآلية و الوسيلة المهينة التي ذهبنا بها  .

حادثة قتل المهندس أكرم زهيري (رحمه الله)

و في هذه الأثناء كان معنا في ( مجموعة ال58 ) مهندس من الإسكندرية يدعى أكرم زهيري رحمه الله تعالى من المحبوسين اعتباطياً ( احتياطياً ) ، و كان يعاني الكثير من الأمراض المزمنة ، منها الضغط و السكر و تصلب الشرايين و بعض أمراض القلب ، و لم تشفع له كل هذه الأمراض عند مجرمي أمن الدولة ، و لا مجرمي النيابة للإفراج عنه ، و كان يجَدًّد له الحبس معنا كل مرة في النيابة .

و في أحد مرات الترحيل من السجن إلى النيابة أصيب بكسر في عظمة الحوض داخل سيارة الترحيلات التي لم تكن آنذاك تصلح لنقل الحيوانات فضلا عن الإنسان ، و كان مقيدا بالأصفاد الحديدية داخل السيارة التي لم يكن بها مقاعد و لا فتحات تهوية و لا مقابض للتعلق بها و لمّا عاد إلى السجن لم يستطيع النزول إلاًّ على كرسي  من شدة الألم ، و ألقي به و هو على هذا الحال داخل الزنزانة المغلقة  مع بقية إخوانه رغم توسلاته و كل من حوله لإدارة السجن و لضابط أمن الدولة (محمد عشماوي ) لنقله إلى المستشفى إلاًّ أن كل هذه التوسلات باءت بالفشل و بعد يومين من الألم الشديد ،  ورم ساقه فأتوه بطبيب السجن الذي لم يكن متخصصا فأمر بنقله إلى المستشفى و تلكأت إدارة السجن في تنفيذ هذه التوصية يومين آخرين حتى ساءت حالة الأخ المرحوم بشكل كبير و تدهورت صحته لينقل بعدها بسيارة ترحيلات أيضا ، بعد رفض نقله بسيارة إسعاف ، فتدهورت حالته أكثر داخل عربة الترحيلات ، و فور صوله إلى مستشفى المنيل الجامعي لفظ أنفاسه الأخيرة  ، حتى قبل أن يصل إلى حجرة الكشف ،  و صعدت روحه إلى بارئها و يده مكبلة بالأصفاد الحديدية تشكوا إلى بارئها ظلم العباد و طغيان الطغاة و إجرام حسني مبارك و جهاز أمن الدولة ..

 أستشهد أكرم زهيري تاركاً خلفه أرملة و ثلاثة أطفال صغار.( وبالمناسبة فلقد لحقت به إحدى بناته بعد استشهاده بشهور قليلة في حادث ترام أثناء عبورها الطريق بالإسكندرية وهي ذاهبة إلى مدرستها وذلك بسبب الذهول الدائم الذي أصابها بعد فقدان أبيها الغالي) .

إلى من نشكو ضعفنا ، إلى من نرفع صراخ أطفاله الصغار ، إلى من نرفع صوت الثكلى؟
بعد ذلك نسأل : من هو المجرم الحقيقي ؟
 هل هو حسني مبارك ؟
أم هو حبيب العدلي ؟
 أم هو حسن عبد الرحمن وكل ضباط أمن الدولة الذين اشتركوا في هذه الجريمة ؟
أم هو محمود وجدي ؟
 أم هو مأمور سجن مزرعة طره والمجرم نائب المأمور في ذلك الوقت والذي خطط لنقلنا إلى سجن استقبال طره بالتنسيق مع ضابط أمن الدولة في سجن الاستقبال (محسن
أم هو مأمور سجن استقبال طره ؟
أم هو المحامي ألأول لنيابات أمن الدولة آنذاك ؟
أم هو محمد عشماوي ؟ .........الخ
أم هم جميعهم شركاء في هذه الجريمة النكراء ؟

نرجو فتح التحقيق في هذه الملفات كلها  : فدم الشهيد أكرم زهيري في رقبة المستشار النائب العام حتى يحيل كل هؤلاء إلى المحاكمة العادلة ليلقوا الجزاء المناسب ، جراء ما ارتكبوه من إجرام بشع وقهر وتنكيل لا يمت للإنسانية بصلة.