أخرج الإمام أحمد وصححه ابن خزيمة وحسنه المناوى عن أبى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَظَلَّكُمْ شَهْركُمْ هَذَا (يعنى رمضان) بِمَحْلُوفِ رَسُولِ اللَهِ صلى الله عليه وسلم مَا مَرَّ بِالْمُسْلِمِينَ شَهْرٌ قَطّ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْهُ، وَمَا مَرَّ بِالْمُنَافِقِينَ شَهْرٌ قَطّ أَشَرُّ لَهُمْ مِنْهُ، بِمَحْلُوفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ لَيَكْتُبُ أَجْرَهُ وَنَوَافِلَهُ، وَيَكْتُبُ إِصْرَهُ وَشقَاءَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُدْخِلَهُ، وَذَاكَ لأَنّ الْمُؤْمِنَ يُعِدُّ فِيهِ الْقُوةَ مِنَ النَّفَقَةِ لِلْعِبَادَةِ، وَيُعِدُّ فِيهِ الْمُنَافِقُ ابْتِغَاءَ غَفَلاَتِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَوْرَاتِهِمْ، فَهُوَ غُنْمٌ لِلْمُؤْمِنِ، يَغْتَبِنُهُ الْفَاجِرُ »، وفى رواية «وِنْقَمةٌ لِلْفَاجِرِ».
ها هو شهر الخير والبركة والرشد يهل علينا وقد تجهز له صنفان من الخلق كل على حسبه، فأهل الخير والإيمان قد سعدوا به واستبشروا بقدومه وأعدوا أنفسهم ونظموا وخططوا أوقاتهم لتحقيق أكبر استفادة نفسية وروحية منه، فيما اغتم آخرون بقدومه، واهتم بعضهم بالاستعداد لتضييعه وتمييعه والعمل على تفويت منافعه على المؤمنين وتشجيعهم على الغفلة واللهو فى أيامه ولياليه.
يهل علينا هلال رمضان هذا العام ومصر فى وضع جديد، تستقبل عهداً جديداً مفعماً بالحرية والكرامة، مليئاً بالتفاؤل والرجاء، دافعاً إلى التغيير الصادق والبنّاء إلى كل ما هو أفضل لهذا الوطن ولهذه الأمة، مما يستدعى أن نكون جميعاً من الصنف الأول الذى يعتبر الشهر غنيمة لا يستهان بها وفرصة عظيمة للبناء النفسى والروحى والمجتمعى لا ينبغى تفويتها.
وإذا كان ما أصاب الأمة من تخلف وتقهقر مردّه فى أهم جوانبه إلى ما أصاب الأمة من تغير فى مفاهيمها، وفى تطبيق أخلاقها وقِيمها، وفى فساد الأفكار والتصورات لديها «ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيَّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» [الأنفال: 53]، فإن عملية التغيير للأفضل وفقاً لهذا القانون الإلهى والسنة الربانية النافذة لا يمكن أن تكون مجرد عملية مادية فى الخطط والسياسات فحسب، بل لا بد أن يمهد لها ويمدها بالطاقة المستمرة تغييرٌ حقيقى فى الأفكار والنفوس والأرواح «إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ» [الرعد: 11]، ومن أهم البواعث على عملية التغيير تزكيةُ معانى الإيمان بالله فى النفوس، وربطُ الإنسان بالله مالك الملك ومدبر الأمر ومصدر السعادة والخير، من خلال الذكر والقرآن والصلاة والصوم وسائر العبادات.