: محمد منصور

" لقد كنت ـ ولا زلت ـ أقول للإخوان في كل مناسبة: إنكم لن تُغلبوا من قلة عددكم ، ولا من ضعف وسائلكم ، ولا من كثرة خصومكم ، ولا من تألب الأعداء عليكم ، و لو تجمع أهل الأرض جميعًا ما استطاعوا أن ينالوا منكم إلا ما كتب الله عليكم .. ولكنكم تغلبون أشنع الغلب ، وتفقدون كل ما يتصل بالنصر والظفر بسبب : إذا فسدت قلوبكم ، ولم يصلح الله أعمالكم ، أو إذا تفرقت كلمتكم ، واختلفت آراؤكم ، أمَّا ما دمتم على قلب رجل واحد متجه إلى الله تبارك وتعالى ، آخذ في سبيل طاعته ، سائر على نهج مرضاته ، فلا تهنوا أبدًا ، ولا تحزنوا أبدًا وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم "

هكذا صدح حسن البنا ـ رحمه الله ـ في الإخوان ؛ ليعلموا متى تكون الهزيمة؟ و ليعلموا أن العاقبة لأهل الحق ؛ متى اقترنوا بالجدية و العمل الدؤوب ، و مزيد من السعي و الفعالية ؛ و ليحذروا كل الحذر من الشيطان ؛ الذي يدأب على تبريد هذه المعاني في نفوسهم.

و هذا ما نبه إليه د: عبد الوهاب المسيري ـ رحمه الله ـ قائلا : جاء مجلسي الى جوار عجوز من أتباع الشيخ عز الدين القسام رحمه الله ، فقال : كنا نعلم تمام العلم أن أسلحتنا العثمانية عتيقة ، و أننا كلما اشتبكنا مع الصهاينة و الانجليز فإنهم يحصدوننا برصاصهم ، كما فعلوا مع ابننا الشهيد ، و مع هذا كنا ننزل كل ليلة من قرانا كي ننازلهم.

فسألته : لِمَ ؟!

صمت العجوز قليلا ، ثم تحرك كأنه جبل قديم من جبال فلسطين ، و قال : حتى لا ننسى الأرض و البلاد و حتى لا ينسى أحد الوطن ). أ.هـ

 و نقطة أخري ينبه إليها الأستاذ: سيد قطب ـ رحمه الله ـ  أثناء تعقيبه على موقف سيدنا موسي ـ عليه السلام ـ حينما قال لقومه : ( اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) ) الأعراف

( إن النبي موسى ـ عليه السلام ـ يحدثهم بقلب النبي ولغته , ومعرفته بحقيقة ربه و بسنته وقدره ؛ فيوصيهم باحتمال الفتنة والصبر على البلية ، والاستعانة بالله عليها، و يعرفهم بحقيقة الواقع الكوني ؛ فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة لمن يتقون الله ، وما فرعون وقومه إلا نزلاء فيها ، و الله يورثها من يشاء من عباده - وفق سنته وحكمته - فصاحب الأرض ومالكها هو الذي يقرر متى يطردهم منها ، وإن العاقبة للمتقين طال الزمن أم قصر .

إنه ينظر بقلب النبي فيرى سنة الله تجري وفق وعده  للصابرين وللجاحدين ؛ فيدفع قومه دفعاُ إلى الطريق لتجري بهم سنة الله إلى ما يريد ، وهو يعلمهم - منذ البدء - أن استخلاف الله لهم إنما هو ابتلاء لهم ؛ إنه استخلاف للامتحان: ( فينظر كيف تعملون ).

لأن الله ـ سبحانه ـ لم يرد أن يكون حملة دعوته وحماتها من التنابلة الكسالى ، الذين يجلسون في استرخاء ، ثم يتنزل عليهم نصره سهلا هينا بلا عناء ، لمجرد أنهم يقيمون الصلاة ويرتلون القرآن ويتوجهون إلى الله بالدعاء كلما مسهم الأذى و وقع عليهم الاعتداء .

وهناك التربية الوجدانية والدربة العملية ، تلك التي تنشأ من النصر و الهزيمة و الكر و الفر و القوة و الضعف و التقدم و التقهقر و من المشاعر المصاحبة لها من الأمل و الألم و من الفرح و الغم  ومن الاطمئنان و القلق و من الشعور بالضعف و الشعور بالقوة و معها التجمع والفناء في العقيدة و الجماعة و التنسيق بين الاتجاهات في ثنايا المعركة و قبلها وبعدها و كشف نقط الضعف ونقط القوة ، و تدبير الأمور في جميع الحالات ، وكلها ضرورية للأمة التي تحمل الدعوة ، وتقوم عليها وعلى الناس .

من أجل هذا جعل الله دفاعه عن الذين آمنوا ؛ يتم عن طريقهم هم أنفسهم ، و لم يجعله لقية تهبط عليهم من السماء بلا عناء ). أهـ

خلاصة القول أنه حينما تغيب أو تبرد هذه المعاني في قلوب الأحرار تحدث الهزيمة و ستكون الإجابة لمن تعجبوا : ( قل هو من عند أنفسكم ).

 و لأجل هذا مكملييييييييييييييييييييييين