عبدالحكيم الشامي
لاتقل: جمهورية الخوف، بل قل: الخوف جمهوية اسمها مصر، فعندما ترى لافتة "ممنوع الكلام فى السياسة" قد انتشرت فى المصالح الحكومية والشركات والمتاجر الخاصة فاعلم أن الخوف تمكن من القلوب وأن يد الاستبداد وضعت سكينها على رقاب العباد.
عندما يغطى الصمت ركاب الحافلات العامة والميكروباصات والمشاة فى الشوارع، ويمتنعون تماما عن الكلام فى السياسة، فاعلم أن الخوف سيطر تماما على الجموع وحرمهم شجاعة القول، لافى السياسة ولا في غيرها.
عندما يحذر المدراء ومسئولو الأعمال، فى الحكومة والقطاع الخاص، مرؤوسيهم من الكلام فى السياسة، فاعلم بذلك أن الخوف سبق إليهم ويهدد مصالحهم بشكل مباشر.
عندما يتحول المدرسون ومديرو المدارس إلى جواسيس للداخلية وأمن الدولة داخل المدارس ويبلغون عن أبنائهم الطلاب ويتسببون فى حبسهم وتلفيق قضايا لهم، فاعلم أن الخسة والنذالة الناتجة عن إشاعة الخوف قد بلغت مداها.
عندما يتحول جيران السكن وزملاء العمل إلى مخبرين، وعندما تصبح كراهية البعض للبعض- لأي سبب- مسوغا كافيا للنيل منهم عن طريق إبلاغ الجهات الأمنية، فاعلم أن إشاعة الخوف أباحت لهؤلاء وشجعتهم على ارتكاب هذا الفعل الدنئ.
عندما تتحفظ فى الألفاظ أثناء مكالمة تليفونية مع صديق خشية أن يدخل فى دهاليز السياسة لإدراكك أن هناك من يتنصت عليكما، وأن أيا منكما قد يحاسب على كلمة قالها، فاعلم أن الخوف يحول بينك وبين ماتريد أن تقول.
عندما تتردد فى كتابة مفردة فى مقال أو تتحسس ألفاظك عند إبداء رأي، وعندما تتلفت حولك خشية أن يوجد من لايؤتمن على كلامك، فاعلم أن إحساسك بالخوف أصبح يشكل سياجا مانعا لألفاظك وحاكما لتصرفاتك.
عندما تنصح الأم أبناءها بعدم الكلام فى السياسة وعدم إبداء الرأي أوالنزول فى المظاهرات خشية أن يصيبهم مكروه فاعلم أن الخوف تخطى حدود السياسة إلى تهديد كيان المجتمع فى أبسط مكوناته وهو الأسرة، ومن المؤكد أن ما أصاب كثيرا من الأسر من أضرار خلال الشهور الماضية عمق هذا الخوف.
عندما تسمع مجددا من يقول: "واحنا مالنا ياعم..خلينا نشوف أكل عيشنا"، فهذا يؤكد أن الخوف أصبح جمهورية وأن مصر صارت كلها محبوسة الآن.