محمد منصور
إن جزءاً من شعبنا ما زال يخاصمنا دون وعي، و إنْ كان ثمة أسباب يبديها، فإنها مفتعلة و مفتراة؛ لا يحتاج تفنيدها إلى بصر حديد؛ إذ لا يضبطها عقل، ولا يزنها ضمير.
و نظير هذا الموقف ما ذكره الأستاذ "جلال كشك" في كتابه " كلمتي للمغفلين ": ( إن موقف قوم إبراهيم ـ عليه السلام ـ عندما شاهدوا أصنامهم محطمة، و ملقاة على الأرض، مجرد نفايات، فهل شكوا فيها أو كفروا بها، فضلا عن الإيمان بإبراهيم ؟!!!
بالعكس راحوا يجمعون الحطام، و يلصقونه؛ لإعادة تركيب الالهة، و كان همهم الأول و شغلهم الشاغل هو البحث عمن فعل هذا بآلهتنا؛ لا لمكافأته على كشف الحقيقة لهم، بل لحرقه في النار؛ تأكيدا لإيمانهم بالنفايات الملقاة على الأرض، بالأصنام المحطمة، و تأكيدا لإبراهيم أن كل ما بذله لإثبات كذب هذه الآلهة لم يزدهم إلا يقينا بالأصنام الخالدة، التي تآمر على تشويه سمعتها ).
و قد كان هؤلاء هم غطاء الانقلاب، الذي اعتمد عليه، و تذرع بموقفهم إلى فعل الكثير؛ حتى أفلح في خلق أشباح متحركة تعمل لحسابه، و هي تدري أو لا تدري.
و مهما بدت سوءاته أمامهم إلى حد الإساءة الى سمعة البلد و سحب الكثير من رصيد الاحترام له و لمن عاونوه و فقدان الثقة فيهم؛ فإن كثيرا من مؤيدي الانقلاب يظل موقفهم عصياً على الفهم.
حتى صاروا إلى الحد الذي يفوق الحيوانات؛ إذ الانقلاب يتعامل معهم كما يتعامل الإنسان مع الحيوانات؛ لا يهمه أن تتسرب أحاديثه السرية أو يتحدث هو بأسراره أمامها أو أن يتعرى أمامها؛ فهي غير قادرة على الاستفادة من ذلك.
حتى صار المشهد كما وصفه الأستاذ "فهمي هويدي":( جرى تسميم الأجواء؛ بتعميق الكراهية من خلال إعلام الفتنة، و توسل بدغدغة مشاعر الجماهير و إيهامها أنها باتت صاحبة الأمر و النهي في مصير البلاد، و استخدم رأس الانقلاب عناوين طنانة؛ تستدعي التصفيق، و تشحذ الحناجر، في حين أنها نوع قوي المفعول من المخدرات السياسية.
وتفتقت أذهان من يديرون المعركة، على إخراج المواجهة تحت عنوان فضفاض هو الحرب ضد الإرهاب الذي لم يُعرَّف؛ الأمر الذي فتح شهية المؤسسة الأمنية لمزيد من التغول، و أطلق يدها التي دفعت آلاف الأبرياء إلى غياهب السجون، و خلفت ثارات أحدثت جروحا غائرة في بنية المجتمع).
كل هذا و غيره؛ يحتم علينا أن نخوض معركة الوعي جنبا الى جنب معركة الميدان، بأن نفتح حوارا مع أهلنا جميعا؛ لنشر الوعي؛ كي لا نتركهم فريسة بين من أطلقهم الانقلاب؛ ممن يملكون سعة في الضمير لا تفوقها إلا سعة رحمة الله؛ ينهشون العقول حتى وقع في أحابيلهم جم غفير.
( و إذا كان الباطل ـ و الكلام للشيخ الغزالي ـ يبذل جهودا مضنية؛ فإن على حملة الحق أن يكونوا أطول نفسا، و أشد غيرة، و أرسخ قدما؛ و يوم يعرف الشعب الحق سيبادر إلى قبوله و إِنْ تريث إلى حين؛ لأن الاقتناع الحر أساس النجاح؛ و هذا يقتضي جهادا طويلا من العناصر الثلاثة التي أحصاها القرآن في دعوته: الحكمة، و الموعظة الحسنة، و الجدال الهادئ الرفيق، و الزمن جزء من العلاج؛ فليس من العقل أن تبذر اليوم لتحصد اليوم !)
و ليس من الجهد ما يهدر؛ ذلك أننا لا نطغى، و لكننا نحارب الطغيان؛ و لأجل ذلك مكمليييييييين.