محمد منصور
السؤال الذي يمر بخاطر كل ثائر بعد أن مارس أقصى درجات ضبط النفس هو: متى سيسقط الانقلاب؟.. في حين أن السقف الزمني للحظة الحسم غير معلوم، و ليس لنا مفر من استمرار الحراك الثوري؛ لأن الحق الذي نعمل لاستقراره لابد أن يستقر، و الباطل الذي نكدح لبواره لابد أن يبور، و لكن متى ؟.. ليس ذلك إلينا و لا توقيته في مقدورنا.
إذ ليس لنا من الأمر شيء، إلا كما فعل النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ و الصحابة الكرام يوم الخندق، نتابع الحفر و لا نستعجل الريح؛ إذ أمرها إلى الله وحده، و على الثوار أن يعملوا و لذتهم ليست اقتطاف الثمر العاجل؛ و إنما لذتهم في الشعور بتوفيق الله، و الأمل في إرضائه.
ذلك لأن ـ و للكلام للأستاذ الرافعي ـ الفكر في تخفيف العبء الذي تحمله؛ يجعله أثقل عليك مما هو؛ إذ يضيف إليه الهم، و الهم أثقل ما حملت نفس؛ فما دمت في العمل فلا تتوهمنَّ الراحة؛ فإن هذا يوهن القوة، و يخذل النشاط، و يجلب السأم، و إنما روح العمل الصبر، و إنما روح الصبر العزم ).
و لأجل هذا كان من دعاء المجاهدين ( ربنا أفرغ علينا صبرا و ثبت أقدامنا).. انظر بل تأمل كلمة "أفرغ" أي ربما تتصاعد الأحداث و تلتهب لدرجة أن نحتاج إلى أن يُصب علينا الصبر صبا.
و لهذا قال ابن القيم رحمه الله: " إن من الكبائر أن نرد وعد الله "؛ فلتصبر أخي الثائر؛ فما تأخر النصر على الذين ظُلِموا إلا لحكمة.
فلماذا قد يبطئ النصر؟
وأدع الإجابة للشهيد : سيد قطب ـ رحمه الله ـ حيث يقول في ظلاله :
( قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها, ولم يتم بعد تمامها , ولم تحشد بعد طاقاتها , ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات . فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكا لعدم قدرتها على حمايته طويلا !
وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة , وآخر ما تملكه من رصيد , فلا تستبقي عزيزا ولا غالبا , لا تبذله هينا رخيصا في سبيل الله .
وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها , فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر . إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله .
وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله , وهي تعاني وتتألم وتبذل ; ولا تجد لها سندا إلا الله , ولا متوجها إلا إليه وحده في الضراء . وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن به الله . فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله .
وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه , أو تقاتل حمية لذاتها , أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها . والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله , بريئا من المشاعر الأخرى التي تلابسه . وقد سئل رسول الله [ ص ] الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل ليرى . فأيها في سبيل الله . فقال:" من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " .
كما قد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير , يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصا , ويذهب وحده هالكا , لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار.
وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماما . فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصارا من المخدوعين فيه , لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله ; فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة . فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عاريا للناس , ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية !
وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة . فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار . فيظل الصراع قائما حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر , ولاستبقائه !
من أجل هذا كله , ومن أجل غيره مما يعلمه الله , قد يبطئ النصر , فتتضاعف التضحيات , وتتضاعف الآلام . مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية .
والنصر السريع الذي لا يكلف عناء , والذي يتنزل هينا لينا على القاعدين المستريحين , يعطل تلك الطاقات عن الظهور , لأنه لا يحفزها ولا يدعوها )) .أهـ
خلاصة الطرح ـ أيها الثائر ـ أن نضع النقاط على الحروف؛ لنستوعب سنن الله في النصر حتى لا يصدمنا الواقع الحالي في مصر ، بل نفهم واقعنا في ظل حكمة الله فلا نيأس أو نتعجل؛ مدركين معنى القاعدة الفقهية ( من استعجل الشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه ).