محمد الشبراوى
مابين الحديث عن الإستقالة أو الإقالة لحكومة الببلاوى يبقى المشهد المصرى فوق صفيح ساخن يزداد لهيبا بما يجعل الحالة المصرية مفتوحة على شتى الإحتمالات إنعاكسا لحالة الإرتباك والفوضى الشديدة التى يعيشها النظام فى مصر كأحد آثار ما بعد الثالث من يوليو 2013م نتيجة الإنقلاب على الرئيس المنتخب .
فمصر على مدار تسعة أشهر تعانى إنهيارا على كافة الأصعدة بحسب المراقبين للمشهد المصرى نظرا لأن الملف المصرى لا يدار بواسطة سياسيين أو إقتصاديين أو حزبيين أو حتى رجال ثورة ولكن أصبح ملفا أمنيا مخابراتيا بامتياز يخضع لتفاعلات دولية وإقليمية وحسابات مصالح داخلية باتت المحرك للمشهد برمته.
مفاجأة استقالة الببلاوى وتكليف محلب
فى تغريدة له حول إستقالة حكومة الببلاوى فى 22شباط / فبراير الماضى ذكر باتريك كيسنجلى (مراسل الجارديان )أن أحد وزراء حكومة الببلاوى أخبره أنه لم يكن لديه إنذار مسبق بشأن إستقالة الحكومة كما ذكر أيضا أن بعض المسئولين أوضحوا له أن ترشح السيسى للرئاسة لم يكن يحتاج إلى استقالة الحكومة بأكملها .
وبغض النظر عن عنصر المفاجأة فى هذه الإستقالة والتى لم تحير المواطنين العاديين فقط بل تركت المحللين المخضرمين فى حيرة من أمرهم بحسب ماجاء فى تقرير الإيكونومست والتى أشارت أيضا إلى أن بعض وزراء الحكومة المستقيلة أبدوا استغرابهم للرحيل المفاجئ خاصة أنه جاء قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتوقعة والتى ستفضى بطبيعة الحال إلى تعيين حكومة جديدة.
وبعيدا عن تباين وجهات النظر حول استقالة حكومة الببلاوى البالغ من العمر 76 عاما (والتي وصفها المحللون السياسيون بالحكومة العاجزة والتي لم تستطع أن تتخذ قرارا حاسما لأى مشكلة من المشاكل التى تعانيها مصر) فإننى أعتقد أن ماحدث هو إقالة للحكومة وفقا لشواهد الواقع التى سبقت الإعلان عن الإستقالة . حيث أن قرار الإقالة تم اتخاذه منذ اللحظات الأولى لتوجيه النقد والهجوم الممنهج على مدار أربعة شهور من قبل الإعلام الموالى لنظام الإنقلاب فى مصر والذى بلغ ذروته فى الأسابيع السابقة على إعلان الإستقالة فى إطار تحميل الببلاوى وحكومته تبعة الانتكاسات الأمنية والاقتصادية بالبلاد فى محاولة لتبييض الصفحة السوداء لنظام الثالث من يوليو ومحاولة تصفير العداد .
غير أن التساؤال الذى طرح نفسه بقوة لدى جميع المراقبين هو حول توقيت الإقالة والمغزى من ورائه قبل الإنتخابات الرئاسية والذى أعتقد أن إجابته باتت واضحة فى سرعة تشكيل حكومة المهندس إبراهيم محلب مع الإبقاء على عشرين وزيرا من وزارة الببلاوى شهدت وزاراتهم فشلا ذريعا وإنهيارا غير مسبوق بما يؤكد أن صاحب القرار فى المشهد المصرى وصانع السياسات أراد ألا يتجاوز الأمر كونه تغييرا لبعض الوجوه التى كانت محسوبة على جبهات سياسية تؤيد ثورة الخامس والعشرين من يناير مع استمرار نفس السياسيات فى حالة أشبه بلعبة الكراسى الموسيقية وليس أدل على ذلك من إستمرار وزير الداخلية فى منصبة رغم أنه أهم علامات فشل حكومة الببلاوى وأكبر دليل على أنها حكومة إهانة وإفقار وأداة قمع للشعب المصرى تم على يديه أكبر عملية انتهاك للحريات وإسالة دماء وإبادة للمصريين فى تاريخ مصر الحديث .
حكومة محلب والطريق إلى الهاوية
مع إقالة الببلاوى وتشكيل محلب لحكومته بات هناك سؤال ملح لدى الكثيرين فى داخل مصر وخارجها وهو . ماالذى نجح فيه نظام الإنقلاب وحكومته وفشل فيه الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسى وكان سببا فى الإطاحة به ؟
أعتقد ان الإجابة تتجلى بوضوح فى حالة الفشل التى أفرزتها وضعية الإنقلاب فى الثالث من يوليو 2013م نتيجة عدم الإستقرار السياسى والأمنى والإقتصادى والإجتماعى .
وتأتى حكومة المهندس إبراهيم محلب لتمثل إمتدادا لفشل الببلاوى والمنظومة التى أتت به ولكن هذه المرة فشل بوجه جديد لرأس الوزارة جاء ليؤكد نجاح الثورة المضادة ويعلن إعادة نظام مبارك والقضاء على ثورة الخامس والعشرين من يناير . فالرجل الذى وسدت إلية رئاسة الوزراء كان الرجل الثانى فى لجنة سياسات الحزب الوطنى بعد جمال مبارك وأحد أعضاء الأمانة العامة وكان أمينا للجنة المهنيين بالحزب وكان مرتبطا بعلاقات خاصة ووطيدة مع نجلى مبارك ورئيس ديوانه زكريا عزمى ورئيس مجلس الشورى صفوت الشريف ووزير المالية بطرس غالى وقد قدم ضده مجموعة من البلاغات تتهمه بالإستغلال الوظيفى وتضخم الثورة وإهدار المال العام ترتب على أثرها سفره للسعودية فى إطار صفقة مع حكومة هشام قنديل بحسب بعض المصادر لم يعد فيها للبلاد إلا بعد الإطاحة بالرئيس مرسى ليتولى وزارة الإسكان فى حكومة الببلاوى .
وبعيدا عن الملف التاريخى المتخم لرئيس الوزراء الجديد فإن الرجل بحكم كونه من التكنوقراط فإنه وفقا لذلك جاء لمهمة محددة من قبل راسم السياسة المصرية ( قيادة القوات المسلحة ) والتى كان محلب (بحكم وزارته السابقة وموقعه السابق فى المقاولون العرب ) يدخل تحت دائرته أهم المشروعات الإقتصادية للقوات المسلحة والمتعلقة بالإستثمارات العقارية وعمليات الإنشاء والبنية التحتية . ومن ثم فإن الرجل لا علاقة له من قريب أو بعيد بالقرار السياسى ولا يملك أى قدر من التأثير شأنه فى ذلك كسابقه الببلاوى .
وفى أول تصريح لمحلب بعد تكليفه برئاسة الحكومة عبر الرجل عن مهام حكومته الحقيقية حيث قال ( سندعم قوات الأمن بكل ما نستطيع والداخلية على رأس أولوياتى ) وبحسب مانقلته مجلة الأيكونومست عن وزير الداخلية محمد إبراهيم قوله (إن محلب وعد بدعم لوجيستى كامل للحرب على الإرهاب ) بما يعنى من وجهة نظرنا إصرار واضع السياسات المصرية على الإستمرار فى طريق الحل الأمنى ومواصلة الإعتقالات وكبت الحريات والتى يرى سدنة النظام أنها الضامن لتدفق المساعدات من دول الخليج الداعمة للإنقلاب بما لا يدع مجالا لأدنى شك أن مصر تسير فى نفق مظلم لا آخر له وأن الفشل والسقوط قادم لا محالة .
كذلك يدعم وجهة نظرنا عن دلالات الفشل وحتمية السقوط أن إقالة حكومة الببلاوى وتشكيل حكومة محلب يأتى فى إطار صراع بين أجنحة النظام العسكرى للهيمنة والذى تجلى بوضوح بحسب كثير من المراقبين فى تحريك المظاهرات الفئوية وإضرابات أمناء الشرطة وتفجيرات المنشآت الأمنية واستهداف ضباط الشرطة بينما الجانب الآخر يسعى للتهدئة عبر إقالة الحكومة وتعيين أخرى رغبة فى تكملة مايسمى خارطة الطريق فى محاولة لتحقيق أى درجة من الإستقرار حتى ولو كان هشا .
كذلك فإن حكومة محلب تعتبر بحسب المتابعين للشأن المصرى ربيبة دولة الفساد فى مصر .
ومن اللافت للنظر أن رئيس الوزراء الجديد فى قرار من نوع القرارات الإعلامية أصدر تعليماته بعدم استخدام المياه المعدنية فى اجتماعات مجلس الوزراء ( والتى لا يزيد ثمن الكرتونة فيها عن 25 جنيها ) بينما غض الطرف وصم الآذان عما يقارب الثلاثين مليارا من الجنيهات محصلة الفساد والتى أعلن عنها المستشار هشام جنينه رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات والذى تعتبر دائرة مسئولياته السابقة فى الإسكان والمقاولون العرب أحد الدوائر التى أشارت إليها البلاغات المقدمة ضده شخصيا والتقارير الصادرة عن الجهاز .!!!!؟
لذك أعتقد أن سائر المقدمات على أرض الواقع فى المشهد المصرى تؤكد على حتمية السقوط بما يعنى أن أى حكومة قادمة فى ظل الإنقلاب ومنظومته لن تمنع أبدا هذا النظام من سقوط مدو وانكسار حتمى طال الوقت أو قصر .
إن إستراتيجية النظام فى مصر لا تحمل أدنى فكرة لإخراج البلاد من كبوتها وإنقاذها من الإنهيار والذى بات قاب قوسين أو أدنى مع حكومة محلب والتى لن تبقى إلا قليلا فأى مرشح للرئاسة أو للوزارة بحسب خارطة الطريق التى ضلت الطريق لن يزيد الوضع إلا سوءا ولن يعدو كونه واجهة يتم تغيرها عند الطلب بغرض الحفاظ على بقاء المهيمن على النظام بغض النظر عن إنزلاق البلاد إلى هوة الفشل والسقوط حتى أن البعض أصبح يردد الآن كثيرا أين الدولة فى مصر .