محمد منصور :
انتهينا من المقال السباق الى أن حسن البنا عرف واجبه عندما وضع يده على المعطل من القرآن ؛ و انطلق ليوقظ الأمة كلها بقوله : إنكم تقرؤون قرآنا من عند الله 90 % منه معطل، و حدد هدفه جيدا واندفع إليه بكل ما أوتي من قوة و كتب مشروعا واضح المعالم لإيجاد المعطل من القرآن ، استقاه من السيرة النبوية المشروع الأول المعتمد من السماء وفاق الآخرين؛ عندما كتب هذا المشروع و أودعه رسائله و في القلب منها رسالة التعاليم؛ ليكون حجة عليه و على الجماعة و حجة على كل من سيأتي بعده، و أوجد الحل بإنشاء جماعة منظمة؛ تحمل هذا المشروع و تدعو إليه و تمد يدها لكل راغب في المساهمة ولو بأقل القليل .
ولأجل هذا اغتيل حسن البنا، رغما عن تبنيه العمل السلمي لأجل تحقيق هذا الهدف ؛ لأن مشروع رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ لم يعتمد الانقلاب أو الثورة أو الاغتيالات كطريق للتغيير؛ فقد صَلَّى الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ و حول الكعبة أكثر من 360 صنم، في الوقت الذي يعدها القرآن شركا بالله؛ و قد فُرض الحج و لم يطبق إلا في السنة العاشرة من الهجرة، و لم يؤمر بقتال مدة 12 سنة؛ داعيا إلى الصبر و تحمل سنن الله في الدعوات .
و من هنا ركز البنا على أن تكون السيرة النبوية هي الميزان الذي نحتكم اليه عند الاختلاف؛ إذ لا يمكن الاكتفاء بالقرآن وحده ؛ و هذا توجيه رباني : ( و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم و لعلهم يتفكرون ) النحل / 44 و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ألا إني أوتيت القرآن و مثله معه )؛ ولهذا اعتبرت السيرة هي البيان العملي للقرآن و لما بعث عليٌّ ـ رضي الله عنه . عبدَ الله بن عباس للاحتجاج على الخوارج قال له :" لا تخاصمهم بالقرآن ؛ فإن القرآن حمَّال أوجه ـ ذو وجوه ـ تقول ويقولون ، ولكن حاججهم بالسنة ، فانهم لن يجدوا عنها محيصا ".
كذلك لم يغفل البنا عن أن أي فكرة ستظل فكرة لا قيمة لها، حتى يُوجد لها تنظيم يحملها ؛ يجيد أفراده دعوة الأمة إلى الإسلام ؛ لأن أي حكومة تقوم لا يساندها أمة أو شعب يؤمن بنفس الفكرة ؛ حكومة في مهب الريح؛ و إنما لابد أن يكون من ورائها ظهير، هذا الظهير هو الشعب و لذلك فإن الإخوان المسلمون لا يريدون الأمة لتساندهم هم؛ بل لتساند من يقوم بالمشروع الإسلامي .
و هذا بالضبط ما فهمه أعداؤنا؛ فاغتالوا البنا لأجله و ضربت جماعة الإخوان المسلمين بلا هوادة أو رحمة إلى يومنا هذا؛ لأنها فكرة يحملها تنظيم و هم ـ أعداؤنا ـ يريدون الفكرة لا نصير لها و لا تنظيم .
و انطلاقا من هذه النقطة، فليس مطلوبا من الأخ أن يكون من الإخوان المسلمين و فقط، و إنما أن يجيد الدعوة إلى الفكرة الإسلامية، و لو فشلنا ـ لا قدر الله ـ في التسويق لها فسيكون أكبر المشاكل التي نواجهها.
و لهذا اعتمد الإخوان العمل مع المجتمع ، بأن نشاركه المتاح و الموجود من الإسلام مثل : الصلاة و الصيام و الذكر و الحجاب و غيره من شعائر الاسلام الموجودة و ندعوا إليها، و نُذكِّر في الوقت نفسه بالباقي المعطل من الإسلام مثلما قال البنا : ( ندعوا إلى الإسلام و الحكومة جزء منه و الحرية فريضة من فرائضه ) و لنا خطة للاستكمال .
و هذا ما عبر عنه من قبل د / أحمد عارف المتحدث الإعلامي عن الجماعة ـ فك الله أسره و إخوانه جميعا ـ قائلا : ( نحن لا نقدم البديل بل نعود إلى الطرح الأصيل ؛ فاذا كان غيرنا يروج إلى أن الإسلام دين الركعات و التمتمات و التسبيحات ، و نحن نقدس ذلك كله و نجعله وقودا للمعاملات و الماليات و السياسات ؛ فلا نقتات على موائد العالم بل نبني إنسان العقيدة الذي يستفيد و يصنع و يبتكر).
ولأجل هذا درَّس حسن البنا رسالة العقائد بجانب رسالة الجهاد .............. و للحديث بقية .