كشفت منصة عبرية ذات توجه ديني يميني عن قيام مصوّر إسرائيلي وحاخام متخصص في “أبحاث المقابر اليهودية” برحلة سرية إلى داخل الأراضي المصرية، مستخدمَين هويات مزيفة، بزعم توثيق قبور اليهود المصريين والتحقق من حالتها، في تحرك وصفه مراقبون بأنه قد يتجاوز العمل البحثي إلى شبهة اختراق أمني خطير، في واقعة تفتح الباب أمام تساؤلات أمنية وسيادية حساسة.

 

الواقعة، التي نشرتها منصة “Chabad” العبرية، أثارت جدلًا واسعًا، لا سيما في ظل الطبيعة السرية للزيارة، وطريقة دخول وتنقل الشخصين داخل البلاد، إضافة إلى حساسية المواقع التي جرى توثيقها، والتي تقع في قلب العاصمة القاهرة ومدينة الإسكندرية، فضلًا عن مواقع أخرى متفرقة.

 

تفاصيل الرحلة السرية

 

وبحسب ما نشرته المنصة العبرية، فإن الرحلة نفذها المصوّر الإسرائيلي مائير الفِسي، برفقة الحاخام يسرائيل مائير غباي، وهو باحث معروف داخل الأوساط الدينية اليهودية بتتبع المقابر التاريخية للجاليات اليهودية في العالم.

 

وأشارت المنصة إلى أن الرجلين دخلا مصر مستخدمَين هويات غير حقيقية، وتحركا “بحذر شديد” طوال فترة وجودهما، تجنبًا لاكتشاف أمرهما، في ظل ما وصفته المنصة بـ”الحساسية السياسية والأمنية العالية” المرتبطة بمثل هذه الأنشطة داخل مصر.

 

وشملت الجولة عددًا من المقابر اليهودية القديمة في القاهرة والإسكندرية، حيث قاما بتصوير القبور، وتحديد مواقع شخصيات يهودية بارزة في تاريخ الجالية اليهودية المصرية، فضلًا عن رصد حالة المقابر من حيث التدهور أو الصيانة.

 

صور من قلب القاهرة والإسكندرية

 

ونشرت منصة “Chabad” عشرات الصور التي التُقطت خلال الرحلة، أظهرت مقابر قديمة تعرّض بعضها لتلف شديد بفعل الزمن والإهمال، فيما بدت مقابر أخرى في حالة أفضل نتيجة أعمال صيانة وترميم سابقة.

ووفقًا للمنصة، لاحظ الفريق تفاوتًا واضحًا في أوضاع المقابر؛ إذ وُصفت حالة بعضها بأنها “مقلقة وتتطلب تدخلًا عاجلًا”، بينما فوجئ المصور والحاخام بوجود جهود للحفاظ على مواقع أخرى، نُسبت إلى السلطات المحلية المصرية.

 

وأكدت المنصة أن جزءًا من هذه الرحلة جرى توثيقه بالفيديو والصور، وسيتم نشره لاحقًا ضمن مشروع أوسع، يهدف – بحسب الرواية العبرية – إلى “توثيق آثار الجاليات اليهودية في الدول العربية”.

 

أبرز المقابر اليهودية التي شملتها الجولة

 

مقبرة البساتين – القاهرة

 

تُعد مقبرة البساتين واحدة من أقدم وأكبر المقابر اليهودية في مصر، وتقع جنوب القاهرة. وتضم آلاف القبور التي تعود لقرون مضت، من بينها قبور شخصيات بارزة في تاريخ الجالية اليهودية المصرية.

 

وتشير بعض الروايات إلى وجود قبر الفنانة المصرية الراحلة ليلى مراد، التي وُلدت لأسرة يهودية قبل أن تعلن إسلامها، إضافة إلى قبور شخصيات اقتصادية واجتماعية مثل يعقوب ساندويتش، وراشيل شموئيل، التي يُعتقد أن قبرها كان مقصدًا دينيًا لبعض اليهود في فترات سابقة.

 

مقبرة الشاطبي – الإسكندرية

 

وتعرف محليًا باسم “مقبرة اليهود بالشاطبي”، وتضم قبورًا تعود إلى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وتقع في شرق الإسكندرية، وتُدرج ضمن المواقع الأثرية التي تخضع لإشراف الدولة.

 

وضمت المقبرة شخصيات بارزة من رجال المال والتجارة والمصارف، الذين لعبوا دورًا اقتصاديًا مؤثرًا في الإسكندرية خلال فترة ازدهارها الكوزموبوليتاني.

 

مقابر أخرى في المحافظات

 

كما أشار التقرير العبري إلى وجود مقابر يهودية أصغر في محافظات مثل أسوان ودمياط ومرسى مطروح، ارتبطت بوجود تجاري أو دبلوماسي مؤقت للجاليات اليهودية. وأوضح أن بعض هذه المواقع جرى توثيقها سابقًا بواسطة باحثين، بينما لا تزال أخرى شبه مهجورة.

 

بين التوثيق وشبهة التجسس

 

ورغم تقديم الرحلة في الإعلام العبري باعتبارها “توثيقًا تراثيًا”، فإن استخدام هويات مزيفة، والتحرك السري داخل مصر، وتصوير مواقع حساسة دون تنسيق رسمي معلن، يثير علامات استفهام كبرى حول الأهداف الحقيقية للزيارة.

 

ويرى مراقبون أن مثل هذه الأنشطة قد تفتح الباب أمام شبهات تتعلق بجمع معلومات ميدانية، خاصة في ظل السوابق الإسرائيلية المعروفة باستخدام الغطاء البحثي أو الديني لأغراض استخباراتية، وهو ما يجعل الواقعة محل قلق أمني مشروع.

 

اهتمام رسمي من السيسي بالتراث اليهودي

 

وتأتي هذه التطورات في وقت شهدت فيه السنوات الأخيرة اهتمامًا ملحوظًا من الدولة المصرية بالحفاظ على التراث اليهودي، باعتباره جزءًا من التاريخ الديني والثقافي المتنوع للبلاد.

 

وشمل ذلك ترميم عدد من المعابد اليهودية، أبرزها كنيس “إلياهو هانبي” (الشمعة الكبرى) في الإسكندرية عام 2020، إلى جانب أعمال صيانة في مقبرة البساتين، ضمن رؤية رسمية تؤكد احترام التعددية الدينية والتاريخية.

 

غير أن هذا الاهتمام الرسمي لا ينفي – بحسب مختصين – ضرورة إخضاع أي نشاط أجنبي داخل البلاد لضوابط قانونية وأمنية واضحة، خصوصًا حين يتعلق الأمر بمواقع حساسة وتاريخية.