في جلسة أخرى من جلسات التنظير للقمع، يناقش مجلس الشيوخ برئاسة المستشار عصام الدين فريد تقريراً يشرّع للدولة الفاشلة أن تمعن في قهر المواطنين بدلاً من محاسبة نفسها.
فبدلاً من معالجة أزمة الكهرباء المزمنة التي تسببت فيها سياسات حكومة الانقلاب الفاشلة، تختار السلطة حلاً سهلاً: سجن الفقراء وغرامات مدمرة تصل إلى مليوني جنيه.
هذا القانون الجديد ليس لحماية "حقوق الدولة" كما تدعي، بل لحماية فشل النظام وفساده من الفضح، ولإرهاق المواطنين بعقوبات لا تتناسب مع قدراتهم في أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد.
ازدواجية المعايير: قمع الفقراء وإفلات الفاسدين
تفرض حكومة الانقلاب عقوبات بالسجن لمدة لا تقل عن سنة وغرامات تبدأ من 100 ألف جنيه على المواطن العادي الذي يوصل كهرباء بشكل غير قانوني، وتصل العقوبة إلى السجن لسنتين وغرامة مليوني جنيه إذا تضمن التدخل في المعدات.
لكن السؤال الملح: أين العقوبات على المسؤولين الفاسدين الذين سرقوا مليارات الجنيهات من قطاع الكهرباء عبر الصفقات المشبوهة والمحولات المعطلة وشبكات النقل المتهالكة؟
الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي التي يعاني منها المواطنون ليست بسبب "سرقة" فردية، بل نتيجة فساد ممنهج وإهمال متعمد. فالمحطات تعمل بأقل من طاقتها، والشبكات لا تُصان، والمحولات تُسرق وتُباع في السوق السوداء بعلم المسؤولين.
لكن القانون الجديد يتجاهل تماماً الجرائم المنظمة التي ترتكبها شركات ومقاولون مقربون من السلطة، ويركز فقط على الفرد العادي الذي يبحث عن ضوء في ظلام الدولة الفاشلة. هذا ليس عدلاً، بل هو إرهاب قضائي يحمي الفاسد ويعاقب المظلوم.
جرائم البقاء: عندما يصبح السرقة ضرورة وليس خياراً
في ظل ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء بنسبة تجاوزت 300% خلال سنوات الانقلاب، وفي ظل انهيار القدرة الشرائية للمواطنين، لم يعد بإمكان الفقراء دفع تكاليف الإنارة الأساسية. فالحد الأدنى للأجور لا يكفي لشراء الطعام، فكيف يُطالب المواطن بدفع آلاف الجنيهات شهرياً لشركة كهرباء فاشلة لا تقدم خدمة مستقرة؟
الغرامات التي يفرضها القانون الجديد تتراوح بين 100 ألف جنيه ومليوني جنيه، وهي مبالغ خيالية بالنسبة لأسرة تعيش على دخل لا يتجاوز بضعة آلاف شهرياً. هذه العقوبات ليست عقاباً على جريمة، بل حكم بالإعدام المالي على الفقراء.
بينما تُنفق الدولة مليارات الجنيهات على بناء القصور الرئاسية وشراء الأسلحة ودعم الشركات العسكرية، ترفع يدها عن تقديم خدمة أساسية للمواطن، ثم تُجرّمه عندما يحاول تأمين بقاء أسرته. السرقة هنا ليست جريمة، بل هي رد فعل طبيعي على فشل الدولة في تأدية واجباتها الأساسية.
"مصالحة" باطلة: دفع الفدية لنظام فاشل
أضاف التعديل مادة تسمح بالتصالح مقابل سداد قيمة الاستهلاك أو مضاعفتها، مع انقضاء الدعوى الجنائية. هذه "المصالحة" ليست سوى ابتزاز رسمي، حيث تفرض الدولة على المواطن دفع فدية للإفلات من السجن. فبدلاً من إصلاح نظام الكهرباء الفاشل، تُجبر الدولة ضحاياها على دفع ثمن جريمة ارتكبتها هي أصلاً بإهمالها.
كما يستهدف القانون الموظفين الذين يسهلون التوصيل غير القانوني أو يمتنعون عن تقديم الخدمة دون سند قانوني. لكنه يتجاهل أن معظم الموظفين يضطرون لذلك تح ضغط من المواطنين الذين لا يجدون أي طريقة قانونية للحصول على حقهم في الكهرباء. القانون يُجريم البسطاء ويترك النظام الفاسد الذي خلق هذه الأزمة من الأساس. إنه ليس قانون كهرباء، بل قانون لحماية فشل حكومة الانقلاب وإرهاق الشعب بمزيد من القهر والعقوبات.

