انطلقت اليوم جولة الإعادة في مسرحية الانتخابات البرلمانية الهزلية، لتعيد إنتاج نفس المشاهد الفجة التي ميزت جولاتها السابقة.
فبدلاً من التنافس الشريف، عادت "الطوابير المصطنعة" لتتصدر المشهد، في محاولة يائسة من أذرع النظام الإعلامية لصناعة "شرعية زائفة" عبر عدسات الكاميرا، بينما الواقع الميداني يضج بشراء الأصوات، والتلاعب بالنتائج، والبطاقات الدوارة.
إنها انتخابات تُدار بعقلية "المقاولة"، حيث المقاعد محسومة مسبقاً لمن يدفع أكثر أو لمن يرضى عنه النظام، وسط غياب تام لأي معايير نزاهة أو شفافية، ما دفع حتى المرشحين للانسحاب أو الطعن في نتائج "مطبخ" الهيئة الوطنية للانتخابات.
طوابير "الكومبارس": عندما يكذب الفيديو نفسه
في فضيحة إعلامية مدوية، حاولت الأذرع الإعلامية للانقلاب (إكسترا نيوز واليوم السابع) ترويج كذبة "تزايد الإقبال" عبر فيديوهات مفبركة. ففي إمبابة، وقفت مجموعة من "الكومبارس" في طابور ثابت لا يتحرك لمدة دقيقتين ونصف أمام الكاميرات، دون أن يدخل ناخب واحد أو يخرج من اللجنة!
هذا المشهد العبثي الذي حاولت الشركة المتحدة تسويقه كدليل على المشاركة، تحول إلى دليل إدانة يكشف إفلاس النظام الذي لم يعد يجد ناخبين حقيقيين، فلجأ إلى "استئجار" طوابير للتصوير فقط، في استخفاف مفضوح بعقول المصريين.
انسحابات وطعون.. شهادات من قلب "المطبخ"
لم تقتصر الفضيحة على "الشو الإعلامي"، بل امتدت لتضرب شرعية العملية الانتخابية في مقتل. انسحاب النائبة السابقة نشوى الديب من سباق إمبابة بعد ساعة واحدة من التصويت، واعترافها بأن "الانتخابات محسومة مسبقاً" وأن هناك "غياباً تاماً للنزاهة وتكافؤ الفرص"، هو شهادة وفاة رسمية لهذه الانتخابات.
تزامن ذلك مع سيل من الطعون القضائية (110 طعون في يوم واحد) تكشف عن تزوير ممنهج: تلاعب في إدخال البيانات للحاسب الآلي لزيادة أصوات مرشحي السلطة، منع المندوبين من استلام محاضر الفرز، والاعتداء على وكلاء المرشحين المعارضين ومسح أدلة التزوير من هواتفهم، كما حدث مع مرشحات أحزاب المحافظين والدستور والإصلاح والنهضة.
"الداخلية" تعترف: سوق النخاسة الانتخابي
في مشهد يكشف حجم الفساد، تحولت وزارة الداخلية نفسها إلى "راصد" للانتهاكات، حيث أصدرت 15 بياناً في ساعات قليلة تؤكد فيها ضبط وقائع رشاوى انتخابية وتوزيع أموال وكروت دعاية في البحيرة وسوهاج.
ورغم أن هذه البيانات قد تبدو محاولة لغسل ماء الوجه، إلا أنها تؤكد المؤكد: الانتخابات تحولت إلى "سوق نخاسة" تُشترى فيه الأصوات علناً أمام اللجان، وتُدار فيه العملية بـ"البطاقة الدوارة" والمال السياسي، بعيداً عن أي إرادة شعبية حقيقية.
حتى القضاء لم يستطع تجاهل هذه الفضائح، فأصدرت المحكمة الإدارية العليا أحكاماً نهائية بإلغاء نتائج 30 دائرة، في صفعة قانونية تؤكد أن ما جرى لم يكن انتخابات، بل عملية تزوير واسعة النطاق تستوجب المحاسبة لا الاحتفال.

