في مشهد يعكس تصاعدًا مقلقًا في أنماط العنف السياسي الموجَّه ضد النساء، تبرز قضية الناشطة الشابة سلسبيل الغرباوي (29 عامًا) كأحد أكثر النماذج دلالة على حجم الانتهاكات التي يمكن أن تتعرض لها النساء على خلفية المشاركة العامة أو النشاط الحقوقي. فالقضية، الممتدة على مدى أكثر من عشر سنوات، تحولت إلى رمز لمعاناة النساء داخل المنظومة الأمنية والقضائية، وما يترتب على ذلك من آثار نفسية واجتماعية وقانونية.

بدأت فصول القصة حين كانت سلسبيل في السابعة عشرة من عمرها فقط، عندما شاركت في تظاهرة داخل جامعة الأزهر بتاريخ 30 ديسمبر 2013. عقب ذلك، ألقي القبض عليها وأُخلي سبيلها بكفالة في فبراير 2014، لتخرج إلى الحياة العامة وهي تحمل أولى علامات الصدام المبكر مع الأجهزة الأمنية. لكن تلك البداية كانت مجرد مقدمة لرحلة طويلة من الألم.

 

تفاقمت مأساة سلسبيل في عام 2018 بوفاة والدها داخل سجن العقرب، أحد أكثر السجون إثارة للجدل بسبب التقارير الواسعة حول ظروف الاحتجاز القاسية داخله. وفاة الأب لم تكن مجرد خسارة عائلية، بل شكلت صدمة نفسية إضافية جاءت وسط سلسلة من الضغوط القانونية والاجتماعية التي كانت تواجهها.

 

وفي ديسمبر 2023، عادت قضية سلسبيل إلى الواجهة مرة أخرى، بعدما أُلقي القبض عليها في مطار القاهرة الدولي بتاريخ 17 ديسمبر. وبعد فترة من الاحتجاز تخللتها انتهاكات خطيرة – بحسب شهادات حقوقية – صُدر بحقها حكم يقضي بسجنها لمدة أربع سنوات كاملة. وتصف منظمات حقوقية ظروف احتجازها بأنها شديدة القسوة، حيث تعرضت لاختفاء قسري، واعتداءات جسدية، وإهانات لفظية، وتهديدات بالاغتصاب، وهي ممارسات تُعد انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي، ومعايير حقوق الإنسان، وحظر التعذيب بكل أشكاله.

 

لم تقف الضغوط عند حدود السجن، إذ اتخذت جامعة الأزهر قرارًا بفصلها من دراستها، في خطوة كانت لها دلالات واسعة على العلاقة المتوترة بين المؤسسات التعليمية والطالبات المشاركات في الشأن العام. هذا القرار، الذي اعتبره حقوقيون جزءًا من سياسة ممنهجة لتقليص مساحة المشاركة الطلابية، فاقم من حجم الخسائر التعليمية والمهنية التي لحقت بالشابة.

 

وفي بيان حديث، أكدت منظمة عدالة أن قضية سلسبيل ليست حالة منفصلة، بل تأتي ضمن نمط متكرر يشمل اعتقالات تعسفية، وإخفاء قسري، وضغوطًا نفسية، وتهديدات ذات طابع جنسي، إلى جانب قيود واسعة على التعليم والسفر والعمل. وتشدد المنظمة على أن هذه الممارسات تمثل نموذجًا واضحًا للعنف السياسي ضد المرأة، كما ورد في الأدبيات والاتفاقيات الدولية.

 

وتقول المنظمة إن هذه الانتهاكات تتعارض مباشرة مع التزامات مصر الدولية، وعلى رأسها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يضمن الحق في الحرية، والتعليم، والكرامة، والمشاركة السياسية دون تهديد أو انتقام.

 

وطالبت المنظمة السلطات المصرية باتخاذ خطوات عاجلة، تشمل: وقف جميع أشكال الاستهداف القائم على النوع الاجتماعي بحق الناشطات، وتوفير ضمانات حماية شاملة للمحتجزات من التعذيب والتحرش والتهديدات الجنسية، والإفراج الفوري عن سلسبيل الغرباوي وجميع النساء المحتجزات على خلفيات سياسية، وفتح تحقيقات مستقلة ومحايدة لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات التي طالتها وطالت غيرها.

 

كما دعت المنظمة المجتمع الدولي إلى متابعة تطورات القضية وضمان عدم إفلات مرتكبي الانتهاكات من المسؤولية، معتبرة أن ما تتعرض له سلسبيل يعد مؤشرًا على اتساع نطاق العنف السياسي ضد النساء، وضرورة اتخاذ خطوات جدية لحماية حقوق المرأة وصون كرامتها.

 

https://www.facebook.com/JHRNGO/posts/1162646835992859?ref=embed_post