في تقرير صادم يكشف حجم الكارثة التي يعيشها سوق العمل المصري تحت حكم الانقلاب، أصدر البنك الدولي وثيقة مدمّرة تُسقط كل ادعاءات النظام بـ"التنمية" و"خلق فرص العمل". الأرقام لا ترحم: 1.3 مليون شاب وشابة يدخلون سوق العمل سنوياً في مصر، بينما لا يخلق الاقتصاد المنهار سوى نصف مليون وظيفة فقط. الفجوة مروّعة، والمستقبل أكثر قتامة، في ظل نظام حوّل مصر إلى "مزاد عالمي" لبيع الأصول بدلاً من بناء اقتصاد منتج يستوعب طاقات الشباب.
فجوة قاتلة: 800 ألف عاطل جديد سنوياً
كشف تقرير البنك الدولي أن الاقتصاد المصري يواجه أزمة بنيوية خانقة في سوق العمل، حيث تدخل 1.3 مليون يد عاملة شابة إلى السوق سنوياً، لكن الاقتصاد المتداعي لا ينتج سوى 500 ألف وظيفة فقط، ما يعني أن 800 ألف شاب وشابة يُضافون سنوياً إلى قوائم العاطلين أو يُدفعون نحو العمالة الهشة وغير الرسمية التي لا توفر حماية اجتماعية ولا دخلاً مستقراً.
الأخطر في التقرير هو تحذيره من أن مصر تقف أمام "واحدة من أكبر فجوات التوظيف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، وأن هذا التفاوت الهائل بين العرض والطلب في سوق العمل يضع "ضغوطاً مستمرة على الاقتصاد، ويؤثر على قدرته على النمو بشكل مستدام". بعبارة أوضح: النظام الحاكم يدمّر مستقبل جيل كامل من الشباب، وهو غير قادر ولا راغب في إنتاج وظائف حقيقية لهم.
وأشار البنك إلى أن "هذا الاختلال ليس مجرد خلل اقتصادي، بل قضية وطنية تمس الاستقرار الاجتماعي ومستقبل التنمية"، في إشارة واضحة إلى أن استمرار هذا الوضع يهدد بانفجار اجتماعي، لأن شباباً بلا عمل يعني يأساً متراكماً وغضباً قابلاً للاشتعال في أي لحظة.
"التوظيف الكامل" يرفع الناتج 36%.. لكن السيسي يفضّل بيع المصانع
في أكثر فقرات التقرير إدانة لسياسات النظام، كشف البنك الدولي أن تحقيق "التوظيف الكامل للشباب" يمكن أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 36%، بينما يمكن لسدّ فجوة التوظيف بين الجنسين (دمج النساء في سوق العمل) أن يضيف نسبة قد تصل إلى 68% إلى الناتج المحلي. هذه أرقام فلكية تكشف حجم "الثروة الضائعة" والطاقات المهدرة تحت حكم قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي.
لكن بدلاً من الاستثمار في بناء اقتصاد منتج يستوعب هذه الطاقات، اختار النظام طريق "البيع السريع": بيع الموانئ للإمارات، بيع المستشفيات، بيع حقوق التعدين لأستراليا، بيع الأراضي في رأس الحكمة. كل شيء معروض في المزاد، إلا خلق وظائف حقيقية للمصريين. النتيجة: اقتصاد ريعي هش يعتمد على "حقن الدولار" المؤقتة، وليس على إنتاج سلع وخدمات يمكن تصديرها أو استيعاب العمالة فيها.
القطاع الخاص "مُحاصَر" والدولة تهيمن على كل شيء
رغم أن التقرير أشار إلى أن القطاع الخاص في مصر ينتج حوالي 75% من الناتج المحلي الإجمالي ويوفر وظائف لأكثر من 80% من القوى العاملة، إلا أن "دوره لا يزال محدوداً بفعل عوائق هيكلية تقيد نموه". وفي مقدمة هذه العوائق: هيمنة 561 مؤسسة مملوكة للدولة (معظمها تابع للجيش) تعمل في 18 قطاعاً اقتصادياً، ما "يحد من المنافسة ويبطئ وتيرة الابتكار".
كما أن نسبة الائتمان الموجه للقطاع الخاص لا تتجاوز 30% من الناتج المحلي، وهي "نسبة تقل كثيراً عن المتوسط في الدول متوسطة الدخل"، لأن البنوك تُفضّل الإقراض الآمن للحكومة والجيش وشركاته، بدلاً من دعم رواد الأعمال والمشروعات الصغيرة التي تخلق الوظائف الحقيقية.
البنك الدولي نفسه اضطر للاعتراف بأن "وجود 561 مؤسسة مملوكة للدولة يحد من المنافسة"، في إشارة دبلوماسية إلى أن "اقتصاد الجيش" يخنق القطاع الخاص ويمنعه من التوسع وخلق الوظائف. كيف يُتوقع من شاب مصري أن يفتح مصنعاً أو شركة، بينما يجد نفسه في منافسة غير عادلة مع إمبراطورية اقتصادية عسكرية تحتكر الأراضي والتراخيص والعقود الحكومية؟
"نمو 6% سنوياً" شرط لاستيعاب الشباب.. والسيسي يحقق 4% بالكاد!
أوضح التقرير أن تحقيق معدل نمو اقتصادي يفوق 6% سنوياً بين عامي 2026 و2050 يمكن أن يوفر نحو 2.3 مليون فرصة عمل كل عام، "ما يكفي لتغطية احتياجات الداخلين الجدد إلى سوق العمل وامتصاص جزء من العمالة الباحثة عن فرص أفضل". لكن الواقع مختلف تماماً: الاقتصاد المصري يحقق بالكاد معدلات نمو بين 4% و4.5% (حسب تقديرات البنك الدولي نفسه)، وهي نسب غير كافية حتى لاستيعاب الداخلين الجدد فقط، فما بالك بمعالجة تراكمات البطالة السابقة؟
السبب بسيط: اقتصاد قائم على الاستيراد وليس الإنتاج، على المشروعات الخرسانية الضخمة التي لا تُشغّل إلا عمالة مؤقتة وليس وظائف دائمة، على بيع الأصول بدلاً من تشغيلها، وعلى الاقتراض الخارجي لسداد ديون قديمة بدلاً من الاستثمار في قطاعات إنتاجية تُصدّر وتخلق قيمة مضافة حقيقية.
شباب بلا مستقبل في بلد يُباع بالمزاد
إن ما كشفه تقرير البنك الدولي ليس مجرد "أرقام جافة"، بل هو حُكم إدانة صريح لنظام فشل في أبسط واجباته: توفير فرص عمل كريمة لشعبه. 1.3 مليون شاب وشابة يدخلون سوق العمل سنوياً، ليجدوا 500 ألف وظيفة فقط في انتظارهم، بينما يُشغل النظام نفسه ببيع مستشفيات الشعب للإمارات، وبيع ثرواته المعدنية لأستراليا، وبناء قصور رئاسية جديدة بمليارات الدولارات.
إن الجريمة الحقيقية ليست في الأرقام المخيفة التي كشفها التقرير، بل في "الفرص الضائعة": 36% زيادة محتملة في الناتج إذا تم توظيف الشباب، و68% إضافية إذا دُمجت النساء في سوق العمل. هذه ثروة وطنية هائلة يُهدرها نظام همّه الوحيد البقاء في السلطة، حتى لو كان ذلك على أنقاض اقتصاد مُدمّر وجيل كامل من الشباب محروم من حقه في العمل والحياة الكريمة.

