بينما تسعى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة المهندس عبد الحميد الدبيبة جاهدة للحفاظ على ما تبقى من استقرار هش وتوحيد المؤسسات الليبية، يواصل "أمير الحرب" خليفة حفتر ونجله المدلل "صدام" العبث بمقدرات الوطن وسيادته.

 

في مشهد يكشف عن انتهازية سياسية لا حدود لها، تتكشف خيوط مؤامرة جديدة تُحاك في الظلام، أبطالها "عائلة الرجمة" التي تسعى لتوريث الحكم عبر بيع ثروات ليبيا في المزاد العلني لأنقرة، وإشعال الفتنة في طرابلس عبر تحريك الشارع واستغلال القبائل، في محاولة بائسة لضرب الشرعية الوحيدة المتبقية في الغرب الليبي.

 

"صفقة العار": التوريث مقابل الغاز والحدود

 

لم تكن الزيارات المكوكية الثلاث التي قام بها صدام حفتر إلى تركيا (أبريل، يوليو، ونوفمبر 2025) مجرد تحركات دبلوماسية، بل كانت فصولاً متتالية لـ"خيانة عظمى". تشير المعلومات المؤكدة إلى أن الوريث الطامح عرض على الجانب التركي "صفقة شيطانية": الاعتراف به حاكماً فعلياً وخليفة لوالده، مقابل تنازلات جيواستراتيجية تمس السيادة الوطنية في الصميم.

 

عرض صدام على أنقرة توسيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية لتشمل مناطق اقتصادية جديدة، مانحاً الأتراك حقوقاً حصرية للتنقيب عن الغاز في مياه المتوسط، وهي ثروات ملك للأجيال القادمة وليست إرثاً لعائلة حفتر تتصرف فيه كيفما تشاء. هذه "الرشوة السياسية" والاقتصادية تهدف لشراء صمت دولي وغطاء إقليمي لعملية التوريث القسري التي يرفضها الليبيون، مما يحول الشرق الليبي إلى "مستعمرة نفوذ" مقابل كرسي السلطة.

 

مظاهرات "الجمعة": استخدام القبائل وقوداً للفتنة

 

وبالتوازي مع بيع الوطن في الخارج، يحرك حفتر أدواته في الداخل لضرب الاستقرار في طرابلس. الدعوات المشبوهة للتظاهر غداً الجمعة 28 نوفمبر، تحت ستار "حراك صرخة وطن" وغيره من المسميات الوهمية، ليست سوى "كلمة حق أريد بها باطل".

 

يسعى حفتر، عبر ضخ الأموال وشراء ذمم بعض وجهاء القبائل (خاصة في محيط طرابلس)، إلى تحشيد الشارع ضد حكومة الدبيبة. الهدف ليس تحسين الأوضاع المعيشية كما يزعمون، بل خلق حالة من الفوضى والفراغ الأمني تتيح لميليشياته وخلاياه النائمة الانقضاض على العاصمة. إنه استغلال رخيص لمعاناة المواطن البسيط، وتحويل لأبناء القبائل إلى "وقود" في معركة شخصية لعائلة لا ترى في ليبيا سوى "غنيمة حرب".

 

الدبيبة: حائط الصد الأخير أمام مشروع العسكرة

 

في المقابل، تقف حكومة الدبيبة كحائط صد أخير أمام مشروع عسكرة الدولة وتوريثها. ورغم كل التحديات، تظل حكومة طرابلس هي الممثل الشرعي المعترف به دولياً، والضامن الوحيد لمنع تقسيم البلاد أو تحويلها إلى "ملكية عسكرية" وراثية.

 

محاولات شيطنة الدبيبة وتحميله مسؤولية الأزمات المفتعلة (كأزمة المصرف المركزي وإغلاق النفط الذي يمارسه حفتر نفسه) باتت مكشوفة للجميع. فمن يغلق حقول النفط ويقطع قوت الليبيين هو من يتباكى اليوم على الأوضاع المعيشية، ومن يبيع الغاز سراً في أنقرة هو من يتهم الحكومة بالتفريط في السيادة.

 

قلق إقليمي: مصر والجزائر تستشعران الخطر

 

لم تمر هذه التحركات المشبوهة دون أن تثير حفيظة دول الجوار. الاجتماعات المصرية الجزائرية المكثفة مؤخراً تعكس قلقاً عميقاً من "الانفراد الحفتري" ومغامرات "صدام" غير المحسوبة. القاهرة والجزائر تدركان جيداً أن سقوط طرابلس في يد "مشروع التوريث" يعني تحويل ليبيا إلى بؤرة صراع دائم وتهديد للأمن القومي الإقليمي.

 

الرسالة القادمة من دول الجوار واضحة: "لا للحلول العسكرية، ولا لفرض أجندات خارجية". وهو موقف يدعم ضمنياً استقرار حكومة الوحدة الوطنية ويرفض الانقلاب عليها، مدركين أن بديل "الدبيبة" في الوقت الراهن هو الفوضى الشاملة أو عودة الديكتاتورية العسكرية في أبشع صورها.

 

الخاتمة: ليبيا ليست "عزبة" لآل حفتر

 

إن ما يجري هو معركة فاصلة بين مشروعين: مشروع "الدولة المدنية" الذي تمثله حكومة الوحدة الوطنية رغم كل عثراتها، ومشروع "الدولة العائلية" الذي يقوده حفتر وأبناؤه. الشعب الليبي، الذي ثار ضد الطغيان، لن يقبل أن يستبدل ديكتاتوراً بآخر، ولن يسمح بأن تُباع سيادته وثرواته في غرف الفنادق المظلمة لتمهيد الطريق أمام "القذافي الجديد". وعلى أحرار ليبيا في طرابلس وكل المدن أن ينتبهوا لهذا المخطط الخبيث، وأن يرفضوا الانجرار خلف دعوات الفتنة التي لا تخدم سوى أعداء الوطن والطامعين في كرسيه.