في خطوة جديدة تؤكد أن الحكومة الحالية لا ترى في المواطن المصري سوى "عقبة" أمام طموحات المستثمر الأجنبي، وقعت وزارة العمل بروتوكول تعاون كارثيًا مع الاتحاد المصري للغرف السياحية، يهدف ظاهريًا لـ"تنظيم عمل الأجانب"، بينما يخفي في طياته تسهيلات غير مسبوقة لتمكين العمالة الأجنبية من مفاصل القطاع السياحي، أحد أهم مصادر الدخل القومي، وذلك على حساب مئات الآلاف من خريجي السياحة والفنادق المصريين الذين يعانون البطالة والتهميش.

 

"ميكنة" الاحتلال الوظيفي: تسهيلات للأجنبي وتعقيدات للمصري

 

البروتوكول الجديد، الذي يسعى لـ"ميكنة" إجراءات استخراج تصاريح العمل للأجانب عبر منصة رقمية موحدة، يمثل "ضوءًا أخضر" لرجال الأعمال لاستبدال العمالة الوطنية بالأجنبية تحت ذريعة "الخبرة" و"الكفاءة". فبينما يواجه الشاب المصري "دوامة" البيروقراطية والواسطة للحصول على وظيفة براتب زهيد، تفرش الحكومة "السجادة الحمراء" للعامل الأجنبي، موفرة له منصة إلكترونية تنهي إجراءاته في دقائق، وكأن الدولة أصبحت "مكتب توظيف" لخدمة الأجانب على أرض مصر.

 

إن الحديث عن "تحديد المهن المسموح بها للأجانب" هو ذر للرماد في العيون؛ فالتجارب السابقة أثبتت أن هذه الضوابط حبر على ورق، وأن أصحاب الفنادق والمنتجعات يفضلون العمالة الأجنبية (خاصة في الوظائف القيادية والفنية) بحجة إتقان اللغات، متجاهلين الكفاءات المصرية التي لا تجد من يدعمها أو يطور مهاراتها.

 

بيع "سوق العمل" لمن يدفع بالدولار

 

هذا التوجه الحكومي لا ينفصل عن سياسة "الجباية" التي تحكم العقلية الاقتصادية للنظام. فتسهيل تصاريح العمل للأجانب ليس هدفه تطوير السياحة، بل هدفه "تحصيل الرسوم" بالعملة الصعبة، حتى لو كان الثمن هو تشريد العامل المصري. البروتوكول الجديد يتيح لوزارة العمل تحصيل رسوم باهظة من العمالة الأجنبية، مما يحول سوق العمل إلى "سلعة" تباع لمن يدفع أكثر، ويجعل الدولة شريكًا في جريمة الإحلال الوظيفي التي تجري في صمت داخل الغردقة وشرم الشيخ والساحل الشمالي، حيث بات المصري "غريبًا" في وطنه، يعمل في وظائف الخدمات الدنيا، بينما الأجنبي هو "المدير" و"الخبير".

 

غياب الحماية للعمالة الوطنية: النقابات "خيال مآتة"

 

في المقابل، أين هي إجراءات حماية العامل المصري؟ البروتوكول خلا تمامًا من أي ضمانات حقيقية تُلزم المستثمرين بنسب تشغيل عادلة للمصريين أو برامج تدريب إحلالية. النقابات العمالية، التي تم تدجينها وتفريغها من مضمونها، وقفت موقف المتفرج وهي ترى الحكومة توقع وثيقة "بيع" وظائف القطاع السياحي.

 

الحديث عن "التوازن بين احتياجات المنشآت وحماية فرص العمالة الوطنية" هو شعار زائف، فالواقع يؤكد أن كفة الميزان تميل دائمًا لصالح "رأس المال". فقانون العمل الجديد نفسه يسهل فصل العامل المصري، بينما يمنح هذا البروتوكول حصانة وامتيازات للعامل الأجنبي، مما يخلق طبقة من "العمالة المميزة" تتمتع بحقوق لا يحلم بها ابن البلد.

 

الخلاصة: حكومة "السماسرة" لا تبني وطنًا

 

ما يحدث في قطاع السياحة هو نموذج مصغر لما يحدث في الاقتصاد المصري ككل: بيع الأصول، تأجير الموانئ، والآن "تأجير الوظائف". الحكومة الحالية تتصرف بمنطق "السمسار" الذي لا يهمه سوى العمولة (الرسوم والضرائب)، ولا تعنيها الآثار الاجتماعية الكارثية لسياساتها. إن فتح الباب للعمالة الأجنبية في وقت ترتفع فيه معدلات البطالة بين الشباب المصري هو "خيانة" للأمانة، ودليل جديد على أن هذا النظام لا يعمل لمصلحة شعبه، بل لمصلحة شبكات المصالح التي تدير البلاد كأنها "شركة خاصة" وليست وطنًا للجميع.