أعلن المستشار أحمد بنداري، رئيس غرفة العمليات المركزية بالهيئة الوطنية للانتخابات، أن الهيئة تلقت 86 شكوى فقط في 34 دائرة انتخابية شملت 58 لجنة فرعية خلال اليوم الأول من المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025. من بين هذه الشكاوى، تقدم بها 8 سيدات و78 رجلاً، وتنوعت بين 28 شكوى عن ازدحام وتكدس، و14 عن توجيه ناخبين، و8 عن تجميع وتصويت جماعي، و4 شكاوى فقط عن رشاوى انتخابية.

 

هذه الأرقام السخيفة التي تحاول الهيئة تقديمها كدليل على "نزاهة" العملية الانتخابية، تتعارض تماماً مع مئات الفيديوهات والشهادات الموثقة التي كشفت تزويراً منظماً وشراء أصوات علنياً وعنفاً واعتقالات لمن يفضح الفساد. فكيف يمكن لهيئة تدّعي "المراقبة" أن تتلقى 4 شكاوى فقط عن رشاوى انتخابية، بينما وثّق المواطنون بالفيديو شراء أصوات بمبالغ تتراوح بين 300 جنيه وألف جنيه للصوت في محافظات عديدة؟

 

الهيئة تعترف بالفضائح وتقلل من شأنها

 

رغم محاولة الهيئة التقليل من خطورة المخالفات، إلا أن بنداري اضطر للاعتراف بضبط حالات صارخة: ضبط ثلاثة رجال وسيدة في الغربية بحوزتهم 17 ألف جنيه يوزعونها على الناخبين بواقع 150 جنيهاً للصوت لصالح مرشحين مستقلين ومرشح حزبي. كما تم ضبط شخص آخر بحوزته 17 ألف و600 جنيه أمام مدرسة عمر بن العاص بالمحلة لتمكين الناخبين من التصويت لصالح أحد المرشحين.

 

هذه الحالات المضبوطة ليست استثناءات بل غيض من فيض في بحر من التزوير والرشاوى الانتخابية التي غطت المحافظات المصرية. فلو كانت الهيئة جادة في مراقبة الانتخابات، لماذا لم تضبط الآلاف من حالات شراء الأصوات التي وثقها المواطنون بالفيديو في السويس والجيزة والقاهرة وغيرها؟ ولماذا اكتفت بـ4 شكاوى فقط عن رشاوى بينما الواقع يصرخ بآلاف الحالات؟

 

عنف ومشاجرات تكشف انهيار العملية

 

أقرّ بنداري بوقوع 3 مشادات كلامية ومشاجرات، من بينها مشاجرة أمام لجنة رقم 13 في زفتى بالغربية أوقفت التصويت لمدة 10 دقائق. كما وقعت مشاجرة بين مرشحين في لجنة 23 بالإسماعيلية أسفرت عن إصابات وترويع للناخبين. هذا العنف الذي تحاول الهيئة تصويره كـ"حوادث فردية" يعكس انهيار العملية الانتخابية برمتها وتحولها إلى صراع بلطجة ومصالح بعيداً عن أي معنى للديمقراطية.

 

وفي فارسكور بدمياط، اقتحم مرشح برفقة 12 من أنصاره مركز الشرطة محاولين تحرير محضر بوجود بلطجية تستخدمهم الأجهزة الأمنية لتزوير الانتخابات، فكانت النتيجة اعتقالهم جميعاً بتهمة "إثارة الفوضى". هذا المشهد يكشف أن الهيئة ليست طرفاً محايداً، بل شريكة في تزوير الانتخابات وقمع من يفضح الفساد.

 

تجاهل منظم لآلاف المخالفات الموثقة

 

بينما تتحدث الهيئة عن 86 شكوى فقط، رصدت منظمات حقوقية ومراقبون ميدانيون مئات المخالفات الصارخة: شراء أصوات منظم في الجيزة والبحيرة والفيوم والأقصر وأسوان، حشد جماعي للناخبين باستخدام جمعيات خيرية مقابل كوبونات تُستبدل بمبالغ مالية وكراتين مواد غذائية، منع مرشحين ومندوبيهم من دخول اللجان، عدم توفير ستائر تحجب التصويت، دعاية داخل اللجان.

 

المرشحة سلوى همام وثقت بالفيديو عمليات تسويد بطاقات وتزوير في حدائق القبة، وتعرضت للاعتداء بالضرب عندما حاولت فضح التزوير. لماذا لم تحقق الهيئة في هذه الواقعة الخطيرة؟ ولماذا تجاهلت مئات الفيديوهات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر شراء أصوات علني وتجميع ناخبين وتوزيع أموال أمام اللجان؟

 

هيئة تابعة للسلطة التنفيذية

 

الحقيقة المرة أن الهيئة الوطنية للانتخابات ليست جهة مستقلة تراقب نزاهة العملية، بل هي أداة في يد السلطة التنفيذية لشرعنة التزوير وتجميل الصورة. عندما تصاعدت الشكاوى في المرحلة الأولى، تمسكت الهيئة لمدة أسبوع كامل بأن "النتائج نزيهة" حتى نشر السيسي منشوراً يطالب بـ"التدقيق"، فتراجعت الهيئة فوراً وألغت نتائج 19 دائرة. هذا المشهد يؤكد أن الهيئة لا تتلقى أوامرها من القانون بل من القصر الرئاسي.

 

لو كانت الهيئة جادة في ضمان نزاهة الانتخابات، لماذا لم تستبعد المرشحين المتورطين في شراء الأصوات؟ ولماذا لم تلغِ نتائج اللجان التي شهدت تزويراً موثقاً بالفيديو؟ ولماذا تكتفي بـ"تحرير محاضر" بينما التزوير مستمر؟ الإجابة بسيطة: لأن التزوير ليس خللاً في النظام، بل هو النظام نفسه.

 

الخلاصة: مسرحية رقابة على مسرحية انتخابات

 

86 شكوى فقط في انتخابات شهدت تزويراً واسع النطاق وشراء أصوات منظم وعنف واعتقالات، رقم يثير السخرية أكثر من الثقة. الهيئة الوطنية للانتخابات التي تتجاهل آلاف المخالفات الموثقة وتكتفي بـ4 شكاوى عن رشاوى انتخابية في بلد يشهد بيع الأصوات علناً، ليست هيئة رقابية بل أداة تزوير وشرعنة لمسرحية انتخابية هزلية. والنتيجة المضمونة: برلمان مزور سيمرر تعديلات دستورية تسمح للسيسي بالبقاء في السلطة حتى الموت، في انتهاك صارخ لإرادة الشعب وأبسط مبادئ الديمقراطية.