في فصل جديد من فصول الظلم الممنهج الذي تمارسه سلطة الانقلاب ضد خيرة شباب هذا الوطن، يعيش أكثر من 140 إماماً مأساة إدارية وإنسانية مكتملة الأركان. فبعد أن اجتازوا ماراثون الاختبارات الشاقة لمسابقة الأوقاف لعام 2022، ونجحوا بجدارة في الامتحانات التحريرية والشفوية، وتجاوزوا "فلاتر" الأمن الوطني والتنظيم والإدارة، استيقظوا على كابوس استبعادهم بـ"جرة قلم" من تقرير طبي غامض صادر عن "مستشفى الدعاة"، ليتحول حلم التعيين إلى سراب، ومستقبلهم إلى ورقة في مهب ريح الفساد والمحسوبية.
فضيحة "مستشفى الدعاة": الطب في خدمة "الإقصاء"
ما حدث ليس إجراءً طبياً روتينياً، بل هو توظيف سياسي للصحة لتصفية حسابات أو تمرير "كشوف بركة" جديدة.
نجاح ثم استبعاد: كيف يُعقل أن ينجح 140 إماماً في كل الاختبارات الدقيقة، ثم يكتشف مستشفى الدعاة فجأة أنهم جميعاً "غير لائقين"؟ هذا التناقض الصارخ يثير شكوكاً مشروعة حول تحول المستشفى من جهة علاجية إلى "بوابة خلفية" لاستبعاد غير المرغوب فيهم أمنياً أو إدارياً دون إبداء أسباب حقيقية.
غموض مريب: ترفض الجهات الطبية الإفصاح عن الأسباب الحقيقية للرفض، وتكتفي بعبارات مطاطة، في حين يلتزم "الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة" (الذي يفترض أنه جهة محايدة) الصمت المطبق، تاركاً الأئمة فريسة للضياع.
وزير الأوقاف "المنقلب": وعود زائفة وهروب من المسؤولية
بدلاً من أن ينتصر وزير الأوقاف، أسامة الأزهري، لحق هؤلاء الأئمة الذين يمثلون واجهة الوزارة، اختار الحل الأسهل: "بيع الوهم".
الحق لا يستجدي: صرح الوزير بأنه "سيبحث عن مخرج" أو "فرصة في مسابقة جديدة"، وهو تصريح يكشف عن عجز إداري وتواطؤ مع الظلم. فالحق لا يحتاج إلى "مخرج" بل يحتاج إلى "قرار"، وإعادة الناجحين لمسابقة جديدة هو اعتراف ضمني بفساد الإجراءات السابقة وإهانة لكرامتهم.
تنصل وتنكيل: في الوقت الذي يزعم فيه الوزير حرصه على الأئمة، يقوم بنقل وتأديب آخرين لمجرد السفر دون إذن، مما يؤكد أن الوزارة تدار بمنطق "الثكنة العسكرية" لا المؤسسة الدعوية، وأن الهدف هو السيطرة والتدجين لا الكفاءة.
مؤسسات "تتقاذف" البشر: فساد ينخر في العظام
تكشف الأزمة عن ترهل مؤسسات الدولة وغياب أي آلية للرقابة أو المحاسبة.
دوامة الاتهامات: الأوقاف تلقي بالكرة في ملعب التنظيم والإدارة، والتنظيم والإدارة يختبئ خلف التقارير الطبية، ومستشفى الدعاة يغلق أبوابه، والضحية هم 140 أسرة مصرية دُمرت أحلامها.
رسالة خطيرة: ما يحدث هو رسالة لكل شباب مصر: "لا مكان للكفاءة في دولة المحسوبية". فالنجاح في المسابقات الرسمية لم يعد ضماناً للتعيين، بل قد يكون بداية لرحلة عذاب لا تنتهي إلا بالرضوخ للأمر الواقع أو البحث عن واسطة "تقيلة".
دولة "اللا عدالة"
إن قضية "أئمة 2022" ليست مجرد مشكلة توظيف، بل هي "وصمة عار" على جبين نظام يدعي بناء "الجمهورية الجديدة" بينما يهدم أبسط قواعد العدالة والشفافية. استمرار هذا التعنت ورفض تنفيذ قرارات التعيين هو جريمة إدارية تستوجب المحاكمة، ودليل قاطع على أن هذه السلطة لا تحترم قانوناً ولا تقيم وزناً لمستقبل أبنائها، وأن "مؤسساتها" ليست سوى ديكورات تخفي وراءها فساداً ينخر في جسد الوطن.

