في خطوة تكشف حقيقة النظام المصري وازدواجية خطابه تجاه القضية الفلسطينية، قامت إدارة كلية الإعلام بجامعة القاهرة بفصل الطالب حسام محمود، المتحدث الإعلامي لـ"أسطول الصمود المصري" الساعي لكسر الحصار عن غزة، في إجراء تعسفي فاضح يكشف حقيقة السياسة القمعية التي تمارسها السلطات المصرية ضد كل من يجرؤ على التضامن الحقيقي مع الشعب الفلسطيني المحاصر.

 

هذا الفصل ليس مجرد قرار إداري، بل هو جزء من حملة ممنهجة لإسكات الأصوات الحرة وتصفية المعارضين تحت ذرائع بيروقراطية واهية، في وقت يواصل فيه النظام الترويج لرواية زائفة عن دوره "المشرف" في دعم القضية الفلسطينية.

 

فصل تعسفي بلا سابق إنذار: جريمة ترتكب في وضح النهار

 

فوجئ حسام محمود، طالب الفرقة الثانية بكلية الإعلام، في 29 سبتمبر 2024 بقرار فصله النهائي من الجامعة بحجة واهية هي "عدم استكمال الساعات المطلوبة للدراسة"، رغم أن السجلات الرسمية والموقع الإلكتروني للكلية يثبتان بما لا يدع مجالاً للشك أن الطالب قد استوفى جميع الساعات الدراسية المطلوبة وأدى امتحاناته بصورة طبيعية.

 

هذا القرار الجائر جاء دون أي إخطار مسبق أو تحذير، في انتهاك صارخ لأبسط الحقوق الأكاديمية وفي تجاوز فاضح للوائح الجامعية التي تدعي السلطات احترامها.

 

الأخطر من ذلك، أن إدارة الكلية نفسها اعترفت لاحقاً بأن القرار كان نتيجة "خطأ إداري"، بل وأوصت في اجتماع داخلي بتاريخ 19 أكتوبر بإعادة قيد الطالب "حفاظاً على مستقبله"، ما يكشف ضعف الأساس القانوني للقرار وتهافته التام.

 

لكن رغم هذا الاعتراف الرسمي بالخطأ، استمرت المماطلة والتسويف، وظل القرار معلقاً بانتظار "تصديق مجلس الجامعة" الذي لم يصدر حتى اليوم، في ممارسة بيروقراطية قمعية تهدف إلى تدمير مستقبل الطالب الأكاديمي.

 

استهداف سياسي منظم: التضامن مع غزة جريمة يعاقب عليها

 

لا يمكن فهم قرار الفصل التعسفي بمعزل عن النشاط السياسي والتضامني للطالب حسام محمود، فهو المتحدث الإعلامي لـ"أسطول الصمود المصري" الساعي لكسر الحصار عن غزة، وهو نشاط بات يشكل مصدر قلق واضح للسلطات التي اتخذت خطوات متتابعة لقمعه، أبرزها القبض على ثلاثة من أعضاء اللجنة التحضيرية للأسطول قبل إخلاء سبيلهم بكفالات مالية.

 

كما أن حسام عضو نشط في الحملة الشعبية المصرية لمقاطعة إسرائيل (BDS Egypt)، وقد حاول المشاركة في انتخابات اتحاد الطلاب التي شهدت تضييقاً واضحاً على المتنافسين المستقلين.

 

قضية حسام محمود ليست استثناءً، بل هي حلقة جديدة في مسلسل ممنهج لاستهداف كل من يعبّر عن تعاطفه مع غزة داخل مصر، حيث يواصل النظام المصري ترويج رواية "الدور المشرف" في الحرب، بينما تكشف الوقائع عن سياسات حصار وخنق للقطاع، وهدم للأنفاق، وإغلاق متكرر للمعابر، وتحويل المفاوضات إلى مجرد "قاعة تصريحات" بينما يجري تأجير القرار المصري في الملفات الإقليمية.

 

استهداف الطلاب المتضامنين مع فلسطين أصبح سياسة ثابتة، حيث الجامعات مغلقة أمام النشاط الحر، وعدد من الطلاب لا يزالون محتجزين منذ عامين بسبب تعبيرهم عن التضامن، في محاولة لصناعة الخوف وتحويل العمل الطلابي إلى تهديد.

 

مماطلة إدارية إجرامية: سنة دراسية على وشك الضياع

 

رغم تقديم حسام لتظلم رسمي في 30 سبتمبر، وتلقيه اتصالاً في 28 أكتوبر من شخص قدم نفسه على أنه من إدارة الجامعة أكد له أن "الأمر انتهى وأن قيده أعيد"، إلا أنه عند ذهابه للكلية لم يجد سوى مزيد من الوعود الكاذبة غير المنفذة.

 

هذه المماطلة المتعمدة أدت إلى حرمان الطالب من أداء امتحانات الميدتيرم التي انعقدت بين 9 و20 نوفمبر، ما يعني خسارة الفصل الدراسي كاملاً، وبالتالي ضياع فرصة اختيار التخصص، وهو شرط أساسي للتخرج.

 

استمرار المماطلة قد يؤدي إلى ضياع عامين من مستقبل الطالب التعليمي، لا بسبب تقصير شخصي، بل بسبب إجراء إداري مشوب بالشبهات السياسية يهدف إلى معاقبته على موقفه الشجاع من القضية الفلسطينية.

 

هذا الإجراء الإجرامي لا يقتصر ضرره على حسام فقط، بل يرسل رسالة ترهيب لجميع الطلاب بأن أي نشاط سياسي أو تضامني يمكن أن يعرضهم للإقصاء والفصل التعسفي، ما يعزز مناخ الخوف والردع داخل الجامعات ويقوض الثقة بين الطلاب والإدارة.

 

تحرك قانوني وحقوقي: المطالبة بإنصاف فوري

 

في 12 نوفمبر، تقدم محامي الطالب، ممدوح جمال، بإنذار رسمي لرئيس جامعة القاهرة وعميدة كلية الإعلام ووكيلة شؤون الطلاب، للمطالبة بالتصديق الفوري على إعادة القيد، وتشكيل لجنة خاصة لامتحانات الميدتيرم حفاظاً على مستقبل الطالب.

 

كما أدانت الحملة الشعبية المصرية لمقاطعة إسرائيل (BDS Egypt) القرار التعسفي، مؤكدة أنه جزء من سياسة قمعية ممنهجة ضد المتضامنين مع فلسطين.

 

من جانبه، أعلن مكتب الشباب والطلاب في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي إدانته الشديدة للقرار، مطالباً بإعادة قيد الطالب فوراً، وتمكينه من أداء جميع امتحانات منتصف الفصل الدراسي دون أي حجب أو تأجيل، ودعا إلى تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق مع المسؤولين عن تعطيل قيده والإضرار بمستقبله ومحاسبتهم.

 

كما أصدر مكتب طلاب حركة الاشتراكيون الثوريون بياناً يؤكد تضامنهم الكامل مع حسام ويطالب بإعادة قيده فوراً وتحميل إدارة الجامعة مسؤولية ما لحق بالطالب من ضرر، مؤكدين أن الدفاع عنه جزء من معركة أوسع لحماية حرية الطلاب والمتضامنين مع فلسطين.

 

خاتمة: قمع ممنهج يكشف حقيقة النظام

 

قضية فصل الطالب حسام محمود ليست مجرد "خطأ إداري" كما تدعي السلطات، بل هي حلقة في مسلسل طويل من القمع الممنهج ضد كل من يجرؤ على التضامن الحقيقي مع الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة.

 

إنها تكشف بوضوح الازدواجية الفاضحة للنظام المصري الذي يروج لرواية "الدور المشرف" في دعم القضية الفلسطينية، بينما يمارس في الواقع سياسات قمعية ضد المتضامنين مع غزة، ويحول الجامعات إلى فضاءات مغلقة يُعاقب فيها الطلاب على آرائهم ومواقفهم السياسية.

 

إن استمرار هذه الممارسات القمعية يقوض مستقبل التعليم في مصر، ويحرم الجامعات من دورها الطبيعي كفضاءات للحوار الحر والنقاش المفتوح، ويحولها إلى أدوات لإسكات الأصوات المعارضة وتكريس الخوف.

 

المطلوب اليوم ليس فقط إعادة قيد حسام محمود، بل محاسبة كل المسؤولين عن هذه الجريمة الأكاديمية، ووقف سياسة الاستهداف الممنهج للطلاب المتضامنين مع فلسطين، وحماية الحريات الأكاديمية والطلابية من التدخلات الأمنية والسياسية التعسفية.