في تصريح مفاجئ وحاد، كشف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عن حجم التورط الغربي، وتحديدًا من دول "الرباعية"، في دعم قوات الدعم السريع في السودان، مشيرًا إلى أن هذا الدعم كان مشروطًا بالتزامات لم تُحترم. لكن اللافت في التصريح لم يكن فقط كشف العلاقات المعتمة مع هذه المليشيات، بل ما لم يُقال بوضوح: الدور الأخطر الذي لعبته دولة الإمارات في تمويل وتسليح وإدارة هذا النزاع الدموي. الإمارات لم تكن مجرد شريك متردد، بل كانت الراعي الأساسي لمشروع تفتيت السودان.

 

أبو ظبي: الممول الخفي لمذابح الدعم السريع

 

على مدار السنوات الماضية، تحوّلت الإمارات من دولة تصدّر الشعارات البرّاقة عن "الاستقرار" و"مكافحة الإرهاب" إلى لاعب عبثي يتدخل في الصراعات الإقليمية من بوابة تمويل الحروب بالوكالة. السودان ليس استثناءً، بل هو النموذج الأوضح على هذا السلوك.

 

ففي خضم الحرب السودانية الجارية، تدفقت الأسلحة والذخائر على مليشيات الدعم السريع عبر وسطاء إماراتيين، ومطارات في غرب السودان وليبيا وتشاد، وكلها قنوات موثقة من قبل تقارير أممية ومنظمات دولية.

 

ما قاله روبيو ليس سوى رأس جبل الجليد، فدولة الإمارات، بحسب تحقيقات عدة، وفّرت الغطاء المالي والدبلوماسي لقوات الدعم السريع، رغم إدراكها الكامل للفظائع التي ترتكبها، من اغتصاب جماعي إلى تطهير عرقي وتهجير قسري، خاصة في دارفور.

 

الدم مقابل الذهب: المصالح قبل المبادئ

 

لم يكن دعم أبو ظبي لمليشيات حميدتي نابعًا من فراغ. قوات الدعم السريع تسيطر على مناجم الذهب في السودان، وهو ما يفتح أبوابًا خلفية أمام الإمارات للاستفادة من هذا المورد الحيوي عبر شبكات تهريب غير قانونية، تمر من دارفور إلى أسواق الذهب في دبي، حيث يُعاد "غسل" الذهب ليصبح شرعيًا في الأسواق العالمية.

 

بعبارة أوضح: كل طلقة أطلقتها مليشيات الدعم السريع ضد الأبرياء كانت ممولة من صفقات قذرة، غُلفت بالذهب ونُقلت عبر طائرات إماراتية.

 

الإمارات تُفخّخ السلام وتحتقر الاتفاقيات

 

بينما تدّعي الإمارات دعم جهود السلام والحوار في السودان، كانت في الواقع تقوّض أي مبادرة دولية أو أفريقية للحل السياسي. روبيو قال إن قادة الدعم السريع لم يلتزموا بالاتفاقيات، لكنه تجاهل أن أحد الأسباب الأساسية لعدم الالتزام هو شعور حميدتي بالحصانة والدعم المطلق من أبو ظبي.

 

فكيف يمكن لطرف أن يجلس على طاولة مفاوضات وهو يعلم أن داعميه سيعوّضونه عن أي خسارة عسكرية أو سياسية؟ هذا ما جعل مبادرات التهدئة تفشل تباعًا، من جولة جدة إلى مفاوضات أديس أبابا.

 

المطلوب: محاسبة لا مجاملة

 

بات واضحًا أن استمرار الصمت الدولي عن دور الإمارات في إشعال الحروب وتمويل المليشيات لم يعد ممكنًا. لا يمكن لواشنطن أن تدّعي دعمها للديمقراطية والاستقرار في إفريقيا بينما تغض الطرف عن شريك "استراتيجي" يذكي النيران بالمال والسلاح.

 

إذا كانت تصريحات ماركو روبيو صادقة، فإن أول اختبار لهذا الموقف هو فرض عقوبات حقيقية على الجهات الإماراتية التي تدعم قوات الدعم السريع، سواء أكانت مؤسسات رسمية أو شركات خاصة مرتبطة بجهاز الدولة.

 

خاتمة: لا سلام في السودان ما دامت أبو ظبي تعبث به

 

لن يعرف السودان الاستقرار طالما أن أموال أبو ظبي تتدفق إلى أيدي المجرمين، وطالما أن المواقف الدولية تتراوح بين المجاملة والنفاق. ما حدث ويحدث في السودان هو جريمة بشراكة إقليمية ودولية، والإمارات لم تعد في خانة المتفرج، بل هي في قلب الجريمة.

 

الشارع السوداني يعرف، والتاريخ يسجل، وما لم تتحرّك الإرادة الدولية، فإن دماء دارفور والخرطوم لن تجف، لأن من يشعل الحريق لا يزال طليقًا، بل ويجلس في قصور مكيفة يتحدث عن السلام.