مع انتهاء اليوم الأول للمرحلة الأولى مما يسميه نظام عبد الفتاح السيسي بـ“انتخابات مجلس النواب”، شهدت اللجان مقاطعة شعبية واسعة، وسط اتهامات متزايدة بتحويل العملية الانتخابية إلى مجرد عرض شكلي لإعادة تدوير الوجوه الموالية للنظام العسكري.
وبينما تواصل أجهزة الأمن تطويق اللجان وفرض السيطرة الأمنية الكاملة على مجريات التصويت، تتحدث مصادر حقوقية عن عزوف تام من الناخبين، وتوقعات متزايدة بحدوث عمليات تزوير وتصويت بالوكالة لتعويض ضعف الإقبال الشعبي.
اللجان الانتخابية.. خالية من الناخبين ومليئة بالعسكر
شهدت اللجان في محافظات المرحلة الأولى مشهدًا كاشفًا لحجم الانفصال بين النظام والمواطنين؛ فالمقاعد فارغة وصناديق الاقتراع بلا طوابير، بينما تملأ محيط اللجان قوات الأمن المركزي ومدرعات الشرطة في استعراض مفضوح للقوة.
ورغم محاولات وسائل الإعلام الحكومية تصوير المشهد على أنه “عرس ديمقراطي”، إلا أن الصور المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت مراكز اقتراع خالية بالكامل، في مشهد يعكس فقدان المواطنين الثقة في أي عملية انتخابية تُدار تحت حكم السيسي، بعد أن تحولت كل مؤسسات الدولة إلى أذرع للسلطة التنفيذية.
“الهيئة الوطنية”.. واجهة قانونية لتجميل القمع
الهيئة الوطنية للانتخابات، التي يترأسها القاضي حازم بدوي، أصدرت القرار رقم 60 لسنة 2025 لتنظيم العملية الانتخابية، محددة 10893 لجنة على مستوى الجمهورية. غير أن مراقبين أكدوا أن الهيئة لم تعد سوى غطاء قانوني لإدارة انتخابات محسومة سلفًا لصالح مرشحي الأجهزة الأمنية.
فالهيئة التي تزعم الشفافية والحياد، هي ذاتها التي أشرفت على الانتخابات الرئاسية الماضية التي انتهت بفوز السيسي بنسبة تجاوزت 97%، وسط غياب أي معارضة حقيقية.
تنافس وهمي وأسماء مكررة
تُجرى المرحلة الأولى في 14 محافظة من بينها الجيزة والفيوم والمنيا وأسيوط وسوهاج والإسكندرية والبحيرة، بمشاركة 1281 مرشحًا بالنظام الفردي، إلى جانب قوائم حزبية شكلية، أبرزها “قائمة من أجل مصر” التي تضم وجوهًا موالية للنظام من حزب “مستقبل وطن” المدعوم من الأجهزة الأمنية.
ويؤكد مراقبون أن المنافسة في معظم الدوائر صورية، وأن غالبية المرشحين يمثلون أذرع السلطة التنفيذية أو رجال الأعمال المقربين منها، بينما جرى إقصاء الأصوات المعارضة عبر التهديدات الأمنية أو استبعادهم إداريًا بحجج واهية.
حملة دعائية بنكهة أمنية
في الوقت الذي يفرض فيه النظام قيودًا مشددة على حرية التعبير، بدأت الخميس الماضي حملات الدعاية للمرحلة الثانية في 13 محافظة من بينها القاهرة والمنوفية والشرقية. إلا أن المشهد الدعائي لم يختلف كثيرًا عن سابقاته؛ إذ تملأ صور السيسي والرموز الأمنية الجدران أكثر من صور المرشحين أنفسهم، في رسالة واضحة أن النظام هو المرشح الوحيد الحقيقي.
أما الهيئة الوطنية، فزعمت في بيانها أنها “لم ترصد أي مخالفات دعائية”، وهو تصريح أثار سخرية النشطاء، الذين تساءلوا: كيف يمكن لهيئة تابعة للنظام أن ترصد مخالفات ضد رجاله؟
اللجان الأمنية بدل اللجان الانتخابية
بدلًا من توفير بيئة ديمقراطية، أحكمت أجهزة الأمن سيطرتها على محيط اللجان، ومنعت المصورين المستقلين من التغطية، وهددت المراقبين المحليين بعدم نشر تقاريرهم قبل الحصول على موافقة أمنية.
وأكد شهود عيان أن بعض القرى والمدن شهدت نقل موظفين وطلبة بسيارات حكومية إلى اللجان لإجبارهم على التصويت، بينما تم رصد عمليات تصويت بالوكالة داخل بعض اللجان بمعرفة موظفين إداريين محسوبين على المحافظين.
“نواب السيسي”.. مجلس مطيع لا يمثل الشعب
يرى محللون أن هذه الانتخابات ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة “المجالس المطيعة” التي صنعها النظام منذ انقلاب 2013، لتكريس حكم الفرد وتمرير القوانين التي تخدم مصالح الدائرة الضيقة المحيطة بالسيسي.
فمجلس النواب القادم لن يختلف عن سابقيه الذين صوتوا بالإجماع على التنازل عن تيران وصنافير، ومددوا فترة الرئاسة، ومرروا قوانين الجباية والضرائب التي أرهقت المواطن المصري.
انتخابات بلا روح.. ومواطن بلا أمل
في ظل انسداد الأفق السياسي، وغياب الأحزاب المستقلة، وقمع الحريات العامة، تبدو هذه الانتخابات مجرد إعادة إنتاج لمشهد التزييف نفسه الذي اعتاده المصريون في عهد السيسي.
فالمواطن الذي يعاني من الغلاء والبطالة وانهيار الخدمات العامة، لم يعد يرى جدوى من التصويت في مسرحية نتيجتها معلومة سلفًا، وممثلها الرئيسي يجلس في القصر الرئاسي، بينما تتوزع الأدوار بين قضاة تابعين، وأمن يفرض، وإعلام يبرر.
وفي النهاية فإنه مرة أخرى، تُعاد المأساة تحت مسمى “الانتخابات”، بينما تغيب الديمقراطية الحقيقية ويُقصى الشعب عن المشاركة الفعلية في تقرير مصيره. وبينما يواصل النظام بناء ديكور برلماني لتجميل وجهه في الخارج، يظل المصري في الداخل يراقب من بعيد مشهد اللجان الفارغة، متسائلًا: إلى متى سيستمر هذا العبث باسم الديمقراطية؟

