أصدرت محافظتا القاهرة والجيزة قرارات بحظر سير السكوتر الكهربائي في الشوارع العامة، مع تعليمات بالضبط والمصادرة وتنفيذ حملات يومية تطال البالغين والأطفال، وتفتح الباب أمام غرامات وإغلاق لأنشطة البيع والتأجير. جاءت الخطوة بدعوى ارتفاع الحوادث وسلوكيات القيادة الخطرة، لكنها أثارت احتجاجات من التجار وخبراء النقل الذين يرون فيها عقابًا جماعيًا يُقصي وسيلة ميكرو-موبيليتي نظيفة واقتصادية بدل تنظيم استخدامها وترخيصها الآمن.
ما الذي قررته المحافظتان؟
حظرت محافظة القاهرة سير السكوتر الكهربائي—«الموضَّح صورته» في الإعلانات الرسمية—داخل جميع الشوارع والمحاور الرئيسية والفرعية، مع تنسيق يومي مع المرور لضبطه والتحفظ عليه وإحالته للنيابة. كما ألزمت الأحياء بحصر المحال التي تبيع أو تؤجر السكوتر لاتخاذ إجراءات قانونية وفق قانون المحال العامة وإرسال تقارير يومية وأسبوعية للمحافظ. يشمل التنفيذ مصادرة السكوتر المخالف وفرض مقابل إيواء ورفع قد يصل إلى 1500 جنيه للمركبة حتى إتمام الإجراءات، على نهج سبق تطبيقه مع «التوك توك». في الجيزة، أكدت نائبة المحافظ أن الحظر جاء استجابة لشكاوى المواطنين من السرعات العالية وتكرار الحوادث، مع توجيهات بضبط السكوترات ووقف التأجير غير المرخص، ضمن حملات ممتدة منذ شهور استهدفت قيادتها بواسطة الأطفال.
حجج الحكومة والأمن المروري
ترتكز السردية الرسمية على أن هذا النوع من المركبات «خارج التقنين» ولا تنطبق عليه مواصفات الترخيص الحالية، ما يصعّب ضبط استهلاكه في الفضاء العام. ويؤكد مسؤولون مروريون أن تعدد الإصابات والسلوكيات الخطِرة، إلى جانب نماذج تحمل أكثر من راكب في طرق مزدحمة، يبرر حظرًا واسعًا لحماية الأرواح. وتُطرح كذلك إشكالية عدم الالتزام بخوذات الحماية وقواعد الطريق، ولا سيّما في فئة القُصّر.
أين تكمن الإشكالية في المقاربة؟
يستبدل الحظر الشامل غياب التنظيم بعقوبة جماعية تطال جميع المستخدمين والتجار، بدل إنشاء إطار ترخيص وفحص فني وتأمين وإلزام خوذات ومسارات محددة وسن استعمال. كما تُربك صياغة قرار القاهرة السوق عبر تعميم صورة نموذج «محظور» ثم توسيع التطبيق عمليًا ليشمل فئات أوسع، ما يفتح الباب لاجتهادات ميدانية قد تطال سكوترات للبالغين تُستخدم للتنقل أو العمل. وتغذّي الضبابية القانونية تضاربًا بين الإعلانات الرسمية والتغطيات الإعلامية، فيتحمل الأهالي والعمال الكلفة بينما تتعزز سلطة التفتيش بلا معايير دقيقة.
الخسائر الاقتصادية على التجار والعاملين
إلزام الأحياء بحصر محال البيع والتأجير وبدء إجراءات قد تنتهي بالغلق والغرامات يعني عمليًا إعدام مخزون سلعي وتجميد رؤوس أموال تراكمت خلال عامين من ازدهار الطلب. يتأثر قطاع التأجير اللحظي وخدمات التوصيل الخفيفة التي اعتمدت السكوتر لتقليل التكلفة، ما يفاقم الركود في تجزئة الإلكترونيات الخفيفة ويهدد وظائف في المبيعات والصيانة والضمانات. ينعكس ذلك مباشرة على الإيجارات ورواتب العاملين، ويقوّض فرص ريادة الأعمال المحلية في الميكرو-موبيليتي.
ازدواجية الإشارة الرسمية وتضارب التصنيفات
رغم نشر توصيف بصري للنموذج المحظور، توسّع التطبيق عمليًا ليشمل «السكوتر الكهربائي» بعمومه. سبق لمسؤولين في الجيزة التفريق بين «Kick e-scooter» والسكوتر الشبيه بالموتوسيكل، لكن موجة القرارات الحالية خلطت الفئات مجددًا على الأرض. هذا التضارب يعكس غياب سياسة نقل دقيقة وشفافة، ويغلق نافذة إدماج وسيلة نظيفة في منظومة حضرية مختنقة أصلًا.
بدائل تنظيمية تجاهلتها الحكومة
كان يمكن تبنّي ترخيص فئوي لسكوتر البالغين بلوحات مصغّرة وتأمين مدني، وتحديد سرعة قصوى داخل الأحياء، وإلزام الخوذة والسترة العاكسة، وتقييد العمر الأدنى. كما يمكن تمييز واضح بين «لعبة للأطفال» و«مركبة خفيفة للبالغين». ويُقترح تخطيط مسارات قصيرة مشتركة في محاور مختارة وتجريب مناطق «ساندبوكس» تنظيميًا لستة أشهر، مع عقوبات على المخالف لا على السوق بأكمله. بهذه الحزمة، يمكن خفض الحوادث وحماية الوظائف في آن.
خلاصة وتوصيات
يعكس الحظر منهج «المنع قبل التنظيم» الذي راكم إخفاقات مع «التوك توك»، ويعيد إنتاجها مع وسيلة أنظف وأقل كلفة. المطلوب فورًا: تجميد التنفيذ الشامل؛ إصدار لائحة تنظيم مؤقتة لسكوتر البالغين؛ برنامج تحويل للباعة للتوافق مع المواصفات؛ وتعويض جزئي للخسائر الناجمة عن قرارات مفاجئة. كما ينبغي تحديث قانون المرور لاستيعاب الميكرو-موبيليتي بمعايير سلامة وتقنية واضحة. من دون ذلك، سيُنظر للحظر كأداة جبائية وقمعية لا كسياسة سلامة عامة، وستُهدر فرصة لوسيلة نقل اقتصادية ونظيفة يمكن أن تدعم تنقلات قصيرة وتخفف الازدحام والتلوث.

