لا يتوقف قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي عن المضي في سياسة بيع الأصول والأراضي في مصر لمستثمرين، غير عابئ بالتحذيرات والغضب المتزايد من هيمنة العرب والأجانب على مساحات شاسعة في المناطق الساحلية، وذلك في محاولة لسد العجز الذي تعانيه خزانة الدولة بسبب التوسع في مشاريع الطرق وغيرها ما يراه منتقدون خللاً في تحديد الأولويات. 

 

كان أكثر تلك الصفقات إثارة للجدل هي صفقة بيع أرض رأس الحكمة بالساحل الشمالي، التي وصفتها مصطفى مدبولي رئيس حكومة الانقلاب عند توقيع عقودها في فبراير 2024 بأنها "أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر"، وذلك مقابل 35 مليار دولار بواقع 24 مليار دولار سيولة والتنازل عن 11 مليار دولار من الودائع الخاصة بالإمارات لدى البنك المركزي. 

 

إنقاذ الجنيه من الانهيار

 

واستهدفت الصفقة في المقام الأول إنقاذ الجنيه المصري من الانهيار أمام الدولار بعد أن وصل في السوق الموازية إلى أكثر من 70 جنيهًا، وسط مخاوف من حدوث اضطرابات في البلاد حال حدوث انهيار للاقتصاد المصري، بخاصة مع تزايد حالة السخط والغضب المكتوم نتيجة ارتفاع التضخم إلى مستويات لا مثيل لها، وهو ما كان له تداعيات سيئة على الأوضاع المعيشية للمصريين، بعد أن وارتفعت الأسعار بشكل مبالغ فيه ووصل كيلو اللحم في المدن إلى 500 جنية للمرة الأولي مرة في تاريخ البلاد.

 

وبالتالي فقد كانت صفقة اقتصادية ذات أبعاد سياسية، واعتبرها خبراء بمثابة "حل عاجل" لمواجهة الفجوة الدولارية وأداة مهمة تحتاجها الحكومة لإحداث التوازن بين السعر الحقيقي للجنيه والسعر المتداول للدولار في "السوق الموازية" نتيجة المضاربات.

 

إيرادات قناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج

 

كان السبب وراء تلك الأزمة المتفاقمة حدوث نقص حاد في العملات الأجنبية بسبب تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة تقترب من 50 في المائة في أعقاب هجمات الحوثيين على بعض سفن الشحن في البحر الأحمر.

 

علاوة على تراجع تحويلات المصريين في الخارج بنسبة 22 في المائة، وفق بيانات حكومية، مما أدى إلى تفاقم المخاوف من تزايد الضغوط على العملات الأجنبية، وبالتالي زيادة معدلات التضخم التي سجلت معدلات قياسية.

 

وتلعب تحويلات المصريين بالخارج دورًا محوريًا على الدوام وشكّلت ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد المصري، حيث احتلت مصر المرتبة الأولى بين الدول منخفضة ومتوسطة الدخل في أفريقيا والعالم العربي والخامسة عالميًا من حيث إجمالي قيمة تحويلات العاملين بالخارج.

 

وبلغت تحويلات المصريين في الخارج ما يقرب من 22 بالمائة من التدفقات النقدية الأجنبية لمصر البالغة 99 مليار دولار في 2022-2023، وهو ما يزيد على ضعف نسبة إجمالي التدفقات النقدية الأجنبية من الاستثمارات المباشرة؛ وأكثر من عائدات قناة السويس (نحو 9 بالمائة)؛ وأكثر من عوائد النقد الأجنبي من السياحة، التي ساهمت بنحو 14 بالمائة. 

 

لذا، فقد كانت صفقة رأس الحكمة محاولة آنذاك لإنقاذ نظام الحكم من أزمات شعبية متوقعة حال استمرار ارتفاع الدولار أمام الجنيه، في ظل تآكل القيمة الشرائية للجنيه، وكان اللجوء إلى الإمارات الحليف الرئيس للسيسي محاولة لإنقاذ المركب قبل أن يغرق به، وهو أمر تخشى الدولة الخليجية من  تداعياته، بعد أن أسهمت بقوة في مخططات الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة 25 يناير 2011.

 

صفقة علم الروم 

 

على ما يبدو، فإن سياسة بيع هذه الأراضي المميزة على الساحل الشمالي باتت الحل الأسهل لنظام السيسي لإنقاذ الاقتصاد المصري المتداعي، فبعد نحو 20 شهرًا من إبرام صفقة رأس الحكمة، عقد شراكة استثمارية مع قطر لتنمية مشروع بمنطقتي "سملا" و"علم الروم" في الساحل الشمالي، باستثمارات تصل إلى 30 مليار دولار.

 

وقال عبد الله بن حمد بن عبد الله العطية وزير البلدية رئيس مجلس إدارة شركة الديار القطرية للاستثمار العقاري، إن مشروع علم الروم أحد أكبر المشاريع في المنطقة، إذ تصل استثماراته إلى 29.7 مليار دولار ويضم فنادق ووحدات سكنية ومرافق خدمية ما يجعله من أبرز المشاريع في مصر والمنطقة ككل.

 

وأثارت الصفقة ردود فعل واسعة إذ اعتبرها مراقبون تعكس فشل حكومة في إدارة موارد البلاد، ومحاولة للخروج من الأزمات المتتالية. 

 

ورأى الكاتب جمال سلطان، أن "استمرار لجوء النظام العسكري في مصر إلى بيع سواحل مصر المميزة لشركات خليجية لاستثمارها هو اعتراف ضمني بالعجز والفشل، وتفضيل شهوة الثراء الشخصي "السمسرة" على مصالح الوطن، بيع أجمل أراضي الوطن المميزة للأجانب هو أرخص وأخس أداء لأي حكومة".

 

 


وقال السياسي المعارض عمرو عبدالهادي، إنه سيتم دفع 3.5 مليار دولار لصالح صندوق تحيا انتصار مقابل 4900 فدان، على أن يستثمر مبلغ ٣٠ مليار دولار في منطقة علم الروم. مع ذلك رأى أنه "لا فلوس قطر ولا رضى ترمب هيمد في عمر السيسي ساعه وبكره مصر هتفرح"، على حد قوله.