مشهدان صادمان انتشرا خلال الساعات الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، يلخصان المأساة التي تعيشها مصر تحت نظام فقد السيطرة على شوارعه، وتحوّل أجهزته الأمنية إلى متفرّج على الانهيار الأخلاقي والاجتماعي.

الأول من منطقة الحصري بمدينة 6 أكتوبر، ويظهر فيه سائق ميكروباص يتناول المخدرات علناً داخل الموقف أمام الركاب والمارة ثم يقود سيارته كما لو أن شيئاً لم يحدث.

والثاني من حي فيصل بالجيزة، حيث يظهر شاب يتعاطى مادة الشابو في منتصف الشارع بلا أي تدخل من الشرطة أو المارة.

https://www.facebook.com/reel/1267689678074649

https://x.com/RassdNewsN/status/1968589430161018884?utm_source

هاتان الواقعتان ليستا مجرد حوادث فردية، بل هما مرآة مكبرة لواقع متعفن، تتراجع فيه الدولة أمام الفوضى، وتغضّ فيه الشرطة بصرها عن الجرائم اليومية التي تهدد حياة ملايين المصريين، سواء كانوا متعاطين أو ضحايا محتملين في شوارع بلا قانون.

 

الفوضى كعنوان لمرحلة

لم يعد التعاطي في الخفاء. لقد تحوّل إلى مشهد يومي في العلن، في مواقف المواصلات وأمام المدارس والمقاهي، وكأن القانون غائب، أو كأن الدولة نفسها هي من قررت أن تتعايش مع الخراب.

فيديو الحصري كان كافياً ليشعل موجة غضب على مواقع التواصل، إذ ظهر السائق يمسك بالأنبوب ويستنشق المخدر أمام الركاب بلا خوف من ملاحقة أو عقوبة.

أما في فيصل، فقد جلس الشاب على الرصيف في وضح النهار، يجهّز جرعته من “الشابو” ويبدأ في التعاطي، في مشهد لم يعد غريباً في بلد فقد أدوات الردع والرقابة.

هذه الفوضى لا يمكن تفسيرها فقط كـ “ضعف أمني”، بل كسياسة صمت منظمة، تُبقي المواطن في حالة خوف وقلق دائم، وتُشغله عن الأزمات الكبرى بواقعٍ من الانحلال والفوضى الأخلاقية.

حين يرى الناس المخدرات تُتعاطى في الشوارع، فإنهم يدركون أن لا أحد يحميهم، وأن الدولة لم تعد سوى اسم على اللافتة.

 

الدولة التي اختارت الصمت

ما يثير الدهشة أن هذه المشاهد تمرّ دون تعليق رسمي، ودون إعلان عن أي تحقيق أو إجراء. لا بيان من وزارة الداخلية، ولا ظهور لمسؤول يوضح كيف تُترك المواقف العامة مرتعاً للمدمنين والسائقين المتعاطين الذين يحملون حياة الركاب على أكتافهم وهم تحت تأثير السموم.

هذا الصمت ليس حياداً، بل تواطؤ. فالنظام الذي يعتقل الصحفيين والنشطاء لأنهّم كتبوا منشوراً ينتقده، هو نفسه الذي يتجاهل سائقاً مخموراً يسير في الشوارع. النظام الذي يداهم بيت طالب لأنه شارك في مظاهرة سلمية، لا يحرّك ساكناً أمام مجرم يتعاطى في الشارع.

إنها سياسة “غضّ الطرف” التي تحولت إلى أداة حكم. فكلما تدهورت القيم وعمّ الفساد، زاد الخوف في نفوس الناس، وزادت تبعيتهم. النظام يعرف جيداً أن المواطن الغارق في الإدمان أو الرعب من الإدمان، لن يسأل عن العدالة أو الحرية أو لقمة العيش.

 

من الأمن إلى الرعب الاجتماعي

ما يحدث اليوم ليس مجرد غياب أمني، بل انهيار ممنهج للمنظومة الاجتماعية. فحين يفقد المواطن ثقته بأن الشارع آمن، يتحول إلى كائن قَلِق لا يفكر إلا في النجاة.

يصبح الجار عدواً، والسائق قاتلاً محتملاً، والشاب في الشارع قنبلة موقوتة.

هذه الحالة من الرعب الجماعي تخدم السلطة التي تريد مجتمعاً خائفاً لا يناقش، منهكاً لا يحتج، مدمناً لا يثور.

المخدرات هنا ليست مجرد مادة ممنوعة، بل أداة تدمير بطيء لوعي الناس. فالإدمان، سواء في شكل “الشابو” القاتل أو الحبوب المنتشرة في الأسواق، صار جزءاً من منظومة الانهيار العام التي يغذيها الفقر والتهميش والبطالة، وتُديرها عصابات تتعايش مع الفساد الرسمي وتستفيد منه.

وفي النهاية فإن فيديو الحصري وفيديو فيصل ليسا حادثتين عابرتين، بل جرس إنذار مدوٍّ لسقوط الدولة أمام فوضى الأخلاق والمخدرات. نظامٌ يقمع الكلمة ويترك السم في الشارع لا يحارب الجريمة، بل يرعاها. الأمن الذي يُحكم قبضته على صدور الناس، يغيب حين يتعلق الأمر بحماية أرواحهم.

المشهد بات أوضح من أي وقت مضى: في “جمهورية الخوف”، المخدرات علنية، والقمع صامت، والعدالة غائبة، والدولة لا تحارب الإدمان لأنها ببساطة تستفيد من فوضاه.