أعلنت مديرية التربية والتعليم بمحافظة كفر الشيخ منح 38 مدرسة في مدينة دسوق إجازة لمدة أسبوع كامل بمناسبة مولد العارف بالله إبراهيم الدسوقي، أحد أبرز أولياء الله الصالحين في التراث الصوفي المصري. القرار أثار حالة واسعة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من اعتبره تكريمًا للتراث الديني الشعبي واحتفاءً بأحد رموز التصوف، وبين من رأى فيه تشجيعًا على “البدع والجهالات” في زمن يفترض فيه أن تتجه الجهود نحو التعليم والعلم والإنتاج لا إلى تعطيل المدارس لأسباب دينية لا تمتّ إلى العصر بصلة.

 

الاحتفال الذي يعطل التعليم

 

في كل عام يشهد مولد السيد إبراهيم الدسوقي احتفالاً شعبيًا ضخمًا يتوافد إليه عشرات الآلاف من الزائرين من مختلف محافظات مصر. وتتحول مدينة دسوق إلى ساحة مكتظة بالسرادقات والباعة المتجولين وحفلات الذكر والخيام الصوفية. لكن هذا العام اتخذت السلطات قرارًا بإغلاق المدارس طوال أسبوع المولد، بحجة الزحام الشديد وصعوبة تأمين الطلاب والمعلمين.

 

ويرى خبراء أن القرار يكشف خللاً في أولويات الدولة، فبدلاً من تنظيم المولد بطريقة لا تؤثر على الدراسة، يتم تعطيل العملية التعليمية بالكامل، وكأن التعليم هو الحلقة الأضعف في مواجهة مظاهر الخرافات والبدع. ويؤكد أولياء أمور كثيرون أن الإجازة الطويلة تُفقد الطلاب ارتباطهم بالمناهج وتؤثر على انتظام العملية التعليمية، خاصة في ظل ضعف التحصيل الدراسي في المدارس الحكومية.

 

سخرية وانتقاد

 

فور إعلان الإجازة، اشتعلت صفحات "فيسبوك" و"إكس" (تويتر سابقًا) بآلاف التعليقات الساخرة والناقدة. كتب أحد المستخدمين: "بدل ما نحتفل بالعلم، بنعطل المدارس عشان المولد!"، فيما اعتبر آخرون أن ما يحدث “تكريس للتخلف وتشجيع للبدع والخرافات”.

 

فسخر محمد حنفي " واحنا في اسكندرية عايزين كمان اجازة زيهم، شهرين لمولد سيدي جابر والمرسي ابو العباس، دول برضة أولياء واصلين".

 

 

وأشار تيتو : " وسيدي عبد القادر وسيدي العجمي ..وسيدي العريان كل خميس وجمعه في الاسبوع. تعليم البلاله.".

 

 

ولفتت نها " عصفورة جديدة هل فقدت وسائل الالهاء المعتادة تأثيرها على الشعب فلجأت المخابرات لوسيلة مستهلكة الموالد بقيادة وزير الارقاف و على جمعة تتعطل الدراسة و المصالح للاحتفال بالموالد الا يكفى توهان الناس بالاسعار و الازمات حتى يلجأ النظام للالهاء بالموالد حكم العسكر".

 

 

وقالت روزي " من أبرز سمات اليهود أنهم يُفسدون دين غيرهم لأنهم يعلمون أن إقامة الدين الصحيح فيه حياة الشعوب وآخرتها ،ولهذا حرفوا الإنجيل والتوراة ويريدون أن يحرفوا ديننا والسيسي منهم ولهذا يفعل كل ما يسعه فعله ليدمر مصر وشعبها لإنشاء إسرائيل الكبرى وهزيمة المسلمين.".

 

 

وتهكمت ام سهيلة " ايوه بقي الأوامر جات بنشر الدجل والموالد ونرجع بقي للعقيدة المختلة ،آه يا بلد رايحة علي فين".
 

 

أبعاد دينية وثقافية متشابكة

 

يُعدّ السيد إبراهيم الدسوقي واحدًا من أبرز رموز التصوف في مصر، وتُنسب إليه الطريقة الدسوقية، وله مريدون وأتباع في أنحاء متعددة من البلاد. ويرى علماء الدين أن الاحتفال بالمولد في حد ذاته ليس محرّمًا، طالما خلا من المظاهر المخالفة للشريعة، إلا أن ما يصاحب بعض الموالد من طقوس وممارسات غير منضبطة يثير حفيظة التيار السلفي الذي يصفها بـ"البدع".

 

الخبير في الدراسات الإسلامية الدكتور عبد الحميد القط رأى أن “المشكلة ليست في المولد ذاته، بل في تحويله إلى طقس شعبي تغلب عليه المظاهر التجارية والموسيقية أكثر من الروح الدينية”. وأضاف أن “تعطيل المدارس لمثل هذه المناسبات يرسّخ صورة سلبية عن العلاقة بين الدين والعلم، ويعزز ثقافة الاتكالية بدلًا من العمل والاجتهاد”.

 

الاقتصاد الشعبي والاستفادة المادية

 

من ناحية أخرى، أشار الباحث الاجتماعي محمد كمال إلى أن “مولد الدسوقي يمثل موسمًا اقتصاديًا سنويًا لآلاف الباعة والعاملين في الحرف الصغيرة، إذ تتحول دسوق إلى سوق ضخمة تمتد من مداخل المدينة حتى محيط المسجد الدسوقي، وتدرّ ملايين الجنيهات”. غير أنه أكد أن “الاستفادة الاقتصادية لا تعني تعطيل المصالح العامة أو إيقاف التعليم، فالتنمية الحقيقية لا تكون في بيع الحلوى والتمائم بل في الاستثمار في الإنسان والمعرفة”.

 

صوت العقل بين الخرافة والتراث

 

الناقد والمفكر سامح فوزي علّق قائلاً إن “الاحتفالات الشعبية جزء من الهوية المصرية، لكنها حين تُستخدم لتبرير التخلف أو تُستغل سياسيًا تتحول إلى عبء على المجتمع”. ودعا فوزي إلى ضرورة “فصل المناسبات الدينية عن الحياة العامة وإعادة الاعتبار للمدرسة باعتبارها منبرًا للوعي والعقل لا ضحية لزحام الموالد”.

 

يبقى مولد السيد الدسوقي رمزًا للانحراف عن المسار الديني الحنيف وعن مسار التنمية، وتظل الحقيقة أن الأمم لا تنهض إلا بالعلم، وأن الجري وراء الخرافات لا يعني إقصاء العقل، وأن الاحتفال الحقيقي بولي من أولياء الله هو في إحياء قيمه الأخلاقية لا في تعطيل المدارس وإحياء مظاهر الخرافة والموالد ان صح الاجماع على صلاحه.