ليالٍ خانقة يعيشها سكان مدينة دمياط الجديدة منذ أشهر طويلة، بعدما تحوّل دخان مكامير الفحم المنتشرة على أطراف المدينة إلى كابوس يومي يهدد صحتهم ويفسد بيئتهم، دون أن تلوح في الأفق أي بوادر لحل جذري من قِبل الجهات التنفيذية أو المعنية بالبيئة.
فمع كل غروب شمس، تبدأ سحب كثيفة من الدخان الأسود تتسلل إلى سماء المدينة، لتغطي الأحياء السكنية وتحوّل هواء البحر النقي إلى غازات خانقة مشبعة بالسناج والمواد السامة، في مشهدٍ يتكرر ليلًا كقدرٍ مفروض على الأهالي.
أزمة متصاعدة بلا حلول
تتزايد شكاوى السكان يومًا بعد يوم من استمرار هذه الكارثة البيئية، حيث تغيب الرقابة ويُترك المواطنون يواجهون الخطر وحدهم. يقول محمد عمر، أحد سكان حي النرجس: “نعيش تحت سُحب من الدخان كل ليلة. أطفالنا يسعلون طوال الليل وكبار السن يختنقون، قدمنا شكاوى عدة لكن لا حياة لمن تنادي، يبدو أن صحة الناس آخر اهتمامات المسؤولين”.
ويؤكد أن الخطر لم يعد مجرد إزعاج مؤقت، بل أصبح تهديدًا مباشرًا للصحة العامة، مشيرًا إلى أن بعض الأسر فكرت جديًا في ترك منازلها والانتقال إلى مناطق أخرى بحثًا عن هواء نظيف.
أما مجدي السيد، وهو من سكان المنطقة القريبة من طريق دمياط الجديدة–جمصة، فيصف المشهد بقوله: “مع كل مغيب شمس تُغطى سماء دمياط الجديدة بسُحب كثيفة من الدخان الأسود المنبعث من مكامير الفحم، فتتحول المدينة إلى سجنٍ مغلق، نضطر لإغلاق النوافذ بإحكام حتى في الحر الشديد، ومع ذلك تتسرب الروائح الخانقة إلى داخل البيوت”.
ويضيف أن ما يزيد المعاناة هو صمت المسؤولين، في وقت تتزايد فيه حالات المرض بين الأطفال والمسنين بسبب التلوث المتصاعد ليلًا.
كارثة صحية تلوح في الأفق
ويحذر الدكتور محمد (أخصائي أمراض الصدر والحساسية) من خطورة الوضع، قائلًا: “الدخان الناتج عن حرق الأخشاب والفحم بطريقة بدائية يحتوي على جزيئات دقيقة وسناج يسبب التهابات حادة في الشعب الهوائية، ويؤدي إلى تفاقم أمراض الربو والحساسية، خاصة بين الأطفال وكبار السن. وقد رصدنا بالفعل زيادة واضحة في عدد حالات ضيق التنفس ونوبات الربو خلال الأسابيع الماضية”.
وأوضح الطبيب أن استمرار هذا الوضع دون تدخل عاجل ينذر بكارثة صحية حقيقية، داعيًا إلى وقف هذه الأنشطة فورًا أو إلزام أصحاب المكامير باستخدام فلاتر متطورة تحد من الانبعاثات الضارة.
معاناة أسرية يومية
وفي مشهد إنساني مؤلم، تروي سحر عيسى، وهي أم لطفل يبلغ خمس سنوات، معاناتها اليومية مع الدخان قائلة: “كل ليلة يتحول نوم ابني إلى كابوس، يستيقظ وهو يختنق من الدخان الذي يملأ الغرفة رغم أننا نغلق النوافذ بإحكام، اضطررنا إلى استخدام أجهزة ترطيب وتنقية الهواء في المنزل لكن دون جدوى.”
تضيف الأم بمرارة أن صحة الأطفال تُدفع ثمنًا للإهمال، متسائلة: “هل ننتظر كارثة حتى يتحرك المسؤولون؟”.
دعوات بيئية واستغاثات للمسؤولين
من جانبهم، دعا نشطاء بيئيون وممثلون عن المجتمع المدني في دمياط إلى تطبيق القانون البيئي بصرامة على المخالفين، وضرورة نقل مكامير الفحم إلى مناطق صناعية معزولة بعيدًا عن التجمعات السكنية.
وأشاروا إلى أن هذه الأنشطة لا يمكن أن تستمر في قلب منطقة مأهولة بالسكان، وأن “صحة المواطنين يجب أن تكون أولوية لا تقبل المساومة”.
ويؤكد محمود عبد الفتاح، ناشط بيئي في دمياط، أن استمرار عمل هذه المكامير دون رقابة يعكس خللاً إداريًا خطيرًا، ويقول: “لدينا قوانين واضحة تجرّم التلوث البيئي، لكن المشكلة في التنفيذ. المحافظ غائب، والأجهزة المعنية تتجاهل شكاوى المواطنين وكأننا نتحدث في الفراغ”.
https://www2.0zz0.com/2025/10/25/14/613734240.jpg
https://www2.0zz0.com/2025/10/25/14/656163376.jpg
https://www2.0zz0.com/2025/10/25/14/138120808.jpg

