في صباح الجمعة، 17 أكتوبر 2025، استيقظت مصر على مأساة جديدة تُضاف إلى سجل طويل من الكوارث المرورية، بعدما حوّل حادث مروّع على طريق شبرا - بنها الحر احتفالات نهاية الأسبوع إلى مأتم، وأسفر عن مصرع ثلاثة أشخاص وإصابة أربعة آخرين من أسرة واحدة.
حادث مأساوي جديد يفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات مؤلمة حول حقيقة "إنجازات" الحكومة في تطوير الطرق، وهل هذه المشاريع تخدم المواطن فعلًا أم أنها مجرد استعراض للأرقام على حساب الأرواح.
رحلة لم تكتمل... وأسرة تباد في لحظات
وقعت الكارثة بعد بوابات تحصيل الرسوم مباشرة في الاتجاه المؤدي إلى الطريق الدائري، حين اختلت عجلة القيادة في يد سائق سيارة ملاكي تقل أسرة من محافظة البحيرة متجهة إلى القاهرة، فارتطمت السيارة بقوة بالرصيف الجانبي لتتحول في ثوانٍ إلى كومة من الحديد.
هرعت سيارات الإسعاف إلى المكان، لكن المشهد كان يفوق الوصف؛ ثلاثة جثث هامدة، وأربعة مصابين في حالة حرجة نُقلوا إلى مستشفى قليوب التخصصي.
وأسفر الحادث عن مصرع:
- ربيع محمود ربيع (38 عامًا)
- فارس محمود ربيع (13 عامًا)
- منار خليفة (28 عامًا)
فيما يرقد خالد ربيع (11 عامًا) مصابًا بنزيف في المخ، وكنزي (7 سنوات) في غيبوبة تامة على أجهزة التنفس الصناعي، بينما أصيبت رحاب رفاعي عبد العال (38 عامًا) بجروح متعددة، وصبح محمد السيد (23 عامًا) يُشتبه في إصابته بكسر في الفقرات العنقية.
الطريق الذي بُني ليُنقذ... فصار يُهلك
يُقدَّم طريق شبرا - بنها الحر منذ افتتاحه على أنه أحد "إنجازات الجمهورية الجديدة" في البنية التحتية، مشروع يُفترض أنه صُمّم لتقليل زمن الرحلات ودعم التجارة.
لكن الواقع على الأرض — وتكرار الحوادث المميتة عليه — يكشف أن هذا الطريق لم يتحول إلى نموذج للأمان، بل إلى شريان خطر مفتوح على احتمالات الموت.
المعاينة المبدئية أرجعت الحادث إلى "السرعة الزائدة"، وهي العبارة الجاهزة التي تُستخدم لتبرئة القصور الرسمي.
فهل يكفي تحميل السائق المسؤولية في بلد تُترك فيه الطرق دون رادارات فعالة، ولا وجود حقيقي لدوريات المرور، ولا رقابة على الالتزام بالسرعات المقررة؟
ثم كيف تُمنح السيارات حرية الانطلاق في طريق "حر" دون تجهيز بنية أمان تمنع تحول أي خطأ بشري إلى كارثة جماعية؟
الأسئلة لا تتوقف عند حدود السلوك الفردي، بل تمتد إلى تصميم الطريق نفسه. فهل الحواجز والأرصفة صُممت لامتصاص الصدمات وتقليل الخسائر كما هو متبع عالميًا، أم أنها جدران صمّاء تقتل في لحظة؟
العالم المتقدم تجاوز منذ زمن فكرة أن "الطريق ليس مسؤولًا"، بل جعل من تصميم الطرق أداة لإنقاذ الأرواح وتفادي الأخطاء البشرية. أما في مصر، فما زال الأسفلت يُفرش على عجل ليُضاف إلى قائمة الإنجازات الإعلامية، دون أن يُسأل أحد عن سلامة مستخدميه.
سياسة "الأسفلت أولًا... والإنسان أخيرًا"
تتجلى في هذا الحادث المؤلم سياسة حكومية اختزلت مفهوم التطوير في الرصف والخرسانة، دون أن تضع الإنسان في قلب المعادلة.
فبينما تتباهى البيانات الرسمية بآلاف الكيلومترات من الطرق الجديدة، يظل الاستثمار في أنظمة الأمان، وتدريب السائقين، وتطوير الإسعاف والطوارئ في ذيل الأولويات.
وحين تقع الكارثة، يكون رد الفعل الوحيد هو تحميل السائق المسؤولية وكأن الدولة مجرد متفرج، لا طرف أساسي في منظومة النقل والسلامة.
حادث أسرة ربيع ليس مجرد خبر عابر في صفحات الحوادث، بل مرآة لنهج كامل يرى في الأسفلت إنجازًا قائمًا بذاته، لا وسيلة لخدمة المواطن.
طفلة في غيبوبة وطفل ينزف في المخ وامرأة تصارع الموت — تلك ليست "أرقامًا"، بل نتائج مباشرة لسياسة تُهمل الإنسان وتقدّس الشكل على حساب الجوهر.
المشكلة ليست في تطوير الطرق، بل في العقلية التي تدير هذا التطوير. عقلية تعتبر الإنسان مجرد رقم في إحصائيات الحوادث، وتعتبر "الإنجاز" هو مجرد خرسانة وأسفلت.
لقد حان الوقت لتغيير هذه المعادلة، لتصبح سلامة المواطن هي المعيار الحقيقي لنجاح أي مشروع، وليتم قياس "الإنجاز" بعدد الأرواح التي تم إنقاذها، لا بعدد الكيلومترات التي تم رصفها. وإلى أن يحدث ذلك، ستبقى طرق مصر، الجديدة منها والقديمة، شاهدة على مآسٍ كان يمكن تفاديها.