شهد جنوب لبنان مساء الخميس تصعيداً عسكرياً واسعاً، بعدما شنّ سلاح الجو الإسرائيلي سلسلة غارات متزامنة على مناطق عدة في محافظتي النبطية والجنوب، مستهدفاً مواقع وصفها بـ"البُنى التحتية التابعة لحزب الله"، من بينها مقلع إسمنت وجمعية "أخضر بلا حدود".
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام أن القصف الإسرائيلي طال مناطق واسعة بين بلدتي الزرارية وأنصار، حيث نفّذ الطيران الإسرائيلي ما يشبه "حزاماً نارياً كثيفاً"، أعقبه قصف متواصل على المنطقة الواقعة بين أنصار وسيناي.
وسمعت أصداء الانفجارات في مدينة صيدا وضواحيها، وسط حالة من الذعر في صفوف السكان.
 

وزارة الصحة: ستة جرحى في حصيلة أولية
أعلن مركز عمليات الطوارئ في وزارة الصحة العامة اللبنانية أن الغارات الإسرائيلية أدت إلى إصابة ستة مواطنين بجروح، توزّعوا بين جريح واحد في بلدة بنعفول (قضاء صيدا)، وخمسة جرحى في بلدة أنصار (قضاء النبطية).

وأكدت مصادر طبية أن سيارات الإسعاف واجهت صعوبة في الوصول إلى بعض المناطق بسبب كثافة النيران واستمرار التحليق الإسرائيلي المنخفض. وأشارت تقارير ميدانية إلى أن عدد الغارات تجاوز 15 غارة خلال دقيقة واحدة فقط، في مشهد غير مسبوق منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي.

 

رواية إسرائيلية: استهداف مواقع لإعادة إعمار بنى حزب الله
في المقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان رسمي أن الغارات استهدفت بُنى تحتية لحزب الله وجمعية "أخضر بلا حدود" في جنوب لبنان، زاعماً أن الحزب استخدم هذه المنشآت كغطاء مدني لإعادة بناء منشآت دُمّرت خلال الحرب الأخيرة.

وكتب المتحدث باسم الجيش، أفيخاي أدرعي، عبر منصة "إكس": "جيش الدفاع هاجم بُنى تحتية لحزب الله وجمعية ‘أخضر بلا حدود’ في جنوب لبنان. أغارت طائرات حربية على مقلعٍ في منطقة مزرعة السيناي كان يُستخدم لإنتاج الإسمنت بهدف إعادة بناء منشآت دُمّرت خلال حرب ‘السيوف الحديدية’ وخاصة عملية ‘سهام الشمال’".

وزعم أدرعي أن هذه الأنشطة "تمت تحت غطاء مدني لتأهيل بنى عسكرية مهدمة"، مؤكداً أن الجيش سيواصل "منع حزب الله من إعادة بناء قدراته في الجنوب".
كما ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن الغارات استخدمت فيها قنابل موجهة من طراز GBU، واستهدفت مصنعاً للإسمنت يُعتقد أن الحزب كان يستخدمه "لتعزيز بنيته التحتية اللوجستية".
 

رئيس الجمهورية اللبنانية يدين العدوان ويصفه بالخرق الجسيم
في أول رد رسمي، أصدر رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزف عون بياناً دان فيه "الاعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت بلدات عدة في الجنوب وطالت منشآت مدنية"، معتبراً أن العدوان المتكرّر "يأتي ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير البنى الإنتاجية وعرقلة التعافي الاقتصادي واستهداف الاستقرار الوطني تحت ذرائع أمنية زائفة".

وأضاف عون أن السلوك الإسرائيلي يشكّل "خرقاً فاضحاً للقرار الدولي 1701 وللاتفاق على وقف الأعمال العدائية لعام 2024"، مؤكداً أن إسرائيل "تواصل استخدام القوة خارج أي إطار شرعي أو تفويض دولي"، وداعياً المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم "يضع حداً لهذه الانتهاكات المدانة".
 

اتفاق هشّ تحت النار
وتأتي هذه الغارات بعد أقل من عام على اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 27 نوفمبر 2024، برعاية أمريكية وفرنسية، والذي نصّ على تراجع حزب الله إلى شمال نهر الليطاني (على مسافة نحو 30 كيلومتراً من الحدود) وتفكيك بنيته العسكرية في تلك المنطقة، مقابل وقف العمليات الإسرائيلية وانسحاب القوات من النقاط المتقدمة.
إلا أن المعطيات الميدانية تظهر أن إسرائيل لم تلتزم بالكامل بالاتفاق، إذ أبقت على قواتها في خمس تلال استراتيجية داخل الأراضي اللبنانية، ما أثار تحفظات بيروت واعتبرته خرقاً مباشراً لبنود التفاهم.
 

تصعيد ينذر بعودة المواجهة
يرى محللون عسكريون أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة تمثل أخطر تصعيد منذ توقيع الاتفاق، وقد تعيد المنطقة إلى حافة مواجهة مفتوحة، خاصة في ظل استمرار التحليق المكثف للطيران الإسرائيلي فوق الجنوب، وارتفاع نبرة الخطاب السياسي في تل أبيب التي تتحدث عن "حق استباقي في الرد".

ويحذر الخبراء من أن تكرار الاعتداءات على المنشآت المدنية سيقوّض أي فرصة لتهدئة مستدامة، ويدفع لبنان إلى مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، فيما يواجه اقتصاده تحديات غير مسبوقة.
وبينما تلتزم المقاومة اللبنانية الصمت الميداني حتى الآن، تشير المعطيات إلى أن أي رد محتمل قد يفتح الباب أمام جولة جديدة من التصعيد، ما لم تتدخل الأطراف الدولية الضامنة لوقف النار لإعادة ضبط الوضع ومنع انزلاقه نحو مواجهة شاملة.