من المفارقات التي شهدتها صفقة تبادل الأسرى، أن المقاومة سلمت الكيان الصهيوني رفاة أحد الفلسطينيين، الذي تبين أنه كان أحد العملاء، ولقى حتفه عندما كان يقوم بتمشيط أحد الأنفاق بغزة.

 

في المقابل، تمسكت "حماس" بإطلاق سراح أسير يهودي من الطائفة السومرية ضمن قوائم الأسرى بسجون الاحتلال، بعد أن أمضى 21 عامًا فيها، ورفض سلطات الاحتلال مرارًا الإفراج عنه، لكونه "رمزًا خطيرًا".

 

المعتقل الوحيد من الطائفة السومرية

إنه نادر صدقة، الذي سلطت وسائل الإعلام الضوء عليه، عقب الإفراج عنه وترحيله إلى مصر، لكونه يمثل نموذجًا فريدًا ينسف سردية الاحتلال حول "التعايش مع الأقلبيات"، فهو العضو الوحيد من الطائفة السومرية الذي اعتقله الاحتلال بعد أن نشط في مقاومته عقب اندلاع انتفاضة الأقصى في عام 2000.

 

وُلد صدقة في عام 1977 في سفح جبل جرزيم بمدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية للطائفة السامرية (والتي يتراوح عدد أفرادها حوالي 841 شخصًا).

 

تلقّى تعليمه في مدارس نابلس قبل الالتحاق بجامعة النجاح الوطنية حيث درس التاريخ والآثار. وأثناء دراسته، انخرط في النشاط الطلابي من خلال "جبهة العمل الطلابي التقدمية" التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

 

وعُرف كقارئ نهم "لا يترك الكتاب من يده"، كما يقول والده بفخر. وأيضًا كفنان في الخط العربي، جعل والده يصفه بأنه صاحب "يدين تلتفّان بالذهب".

 

وكان يقوم بكتابة اللافتات للتنظيمات الفلسطينية، ويوزع البيانات إلى أن "حمل السلاح مع أبرز أبناء جيله في نابلس، كالشهيدين يامن فرج وجهاد العالول". وقد أثر فيه استشهاد الأخير كثيرًا، الأمر الذي جعله يضاعف نشاطه، وينخرط في صفوف المقاومة.

 

 

انتفاضة الأقصى

فمع اندلاع انتفاضة الأقصى، هجر صدقة الدراسة وانضم إلى كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، الجناح المسلح للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأصبح أحد قادة الحركة المسلحين.

 

ونُسب إليه المشاركة في عمليات مُسلحة ضد أهداف للاحتلال، من أبرزها عملية في مدينة بتاح تكفا (قرية ملبس) عام 2003 التي قتل فيها أربعة من جنود الاحتلال. وتولّى قيادة الكتائب في نابلس. 

 

وبعد مطاردة استمرت نحو عامين، اعتقله جيش الاحتلال في أغسطس 2004 عقب عملية عسكرية في مخيم العين، وحُكم عليه بالسجن ستة مؤبدات و45 عامًا، بعد توجيه 35 تهمة ضده، من بينها التخطيط لهجمات ضد مواقع عسكرية صهيونية.

 

وخلال محاكمته، رفض صدقة للقاضي في قاعة المحكمة. وحين أصدر الأخير حكمًا على نادر بالسجن أربع مؤبدات، قابله بالشتائم، ليصدر القاضي الحكم بسجنه ستة مؤبّدات و45 عامًا.

 

رفض الإفراج عنه

وعلى الرغم من محاولة الفصائل الفلسطينية تحريره، إلا  أن سلطات الاحتلال كانت ترفض تحريره في صفقة تبادل أسرى، بسبب ديانته، حتى أُطلق سراحه في 14 أكتوبر 2025 في صفقة تبادل أسرى بين حماس والكيان الصهيوني، مع شرط إبعاد لمصر.

 

وعرف صدقة بنشاطه داخل السجن، وشارك في معظم الإضرابات الجماعية، وعُرف بقدرته على التفاوض مع إدارة السجون مستخدما إتقانه للعبرية، واكتسب بين الأسرى لقب "المفكر" لثقافته العميقة وصلابته الفكرية.

 

وعزل في زنزانة انفرادية، بعد اتهامه بتلقّي رسالة داخلية من الأسير أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية.

 

وقبل اعتقال صدقة، اعتقلت قوات الاحتلال، شابًا سامريًا آخر هو كريم اسحق عمران الكاهن، بتهمة نقل منفّذ عملية استشهادية. ورفضت وساطات شخصيات سامرية للإفراج عنه. لذلك، فإنه للم يكن لدى والده أي أمل في الإفراج عن ابنه، لكونها كما يقول "أرادت الانتقام من ابنه ليكون عبرة لأي سامري".

 

ومع الإفراج عنه في اتفاق تبادل الأسرى، واجهت عائلة صدقة تهديدات من سلطات الاحتلال، تهديدات في حال أقامت أي مظاهر احتفال أو أدلت بتصريحات إعلامية، مما دفع والدته إلى الامتناع عن الحديث، مؤكدة أن الاحتلال حذرهم بشكل مباشر من إجراء أي مقابلات تتعلق بابنهم المحرر، تحت طائلة العقاب.