أثارت حلقة من برنامج "الحكاية" للإعلامي عمرو أديب، استضاف فيها الكاتبين الصحفيين مجدي الجلاد وعماد الدين حسين، عاصفة من الجدل والغضب على منصات التواصل الاجتماعي في مصر. لم يكن السبب موضوعًا سياسيًا عاديًا، بل كان حديثًا صريحًا وغير مسبوق على شاشة محسوبة على النظام، كشف بوضوح عن كواليس توزيع مقاعد مجلس النواب القادم، مؤكدًا الشكوك السائدة بأن الانتخابات تحولت إلى عملية توزيع محسومة مسبقًا، لا مجال فيها لمنافسة حقيقية.

 

جاءت التصريحات، التي وصفها متابعون بـ"الزلة" أو "الاعتراف الصريح"، لتؤكد أن المشهد السياسي المصري مُصمم بعناية لضمان نتائج محددة، مما يفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها ويحول البرلمان إلى مجرد واجهة شكلية لتمرير سياسات السلطة التنفيذية.

 

 

"الأرقام من الكنترول": فوز معلن قبل الاقتراع

 

كانت اللحظة الأكثر كشفًا في الحلقة عندما قدم مجدي الجلاد أرقامًا دقيقة لتوزيع المقاعد النيابية القادمة على الأحزاب الرئيسية، وكأنه يقرأ من وثيقة رسمية. توقع الجلاد فوز حزب "مستقبل وطن" بـ 125 مقعدًا، و"حماة الوطن" بـ 50 مقعدًا، و"الجبهة الوطنية" بما يتراوح بين 27 و30 مقعدًا، و"الشعب الجمهوري" بين 12 و14 مقعدًا.

 

هذه الأرقام المحددة دفعت عمرو أديب نفسه للتعليق بسخرية لاذعة قائلًا: "ده أنت جايبها من الكنترول"، في إشارة إلى أن النتائج مُعدة سلفًا في "غرفة التحكم" الخاصة بالدولة العميقة. هذا التعليق، الذي جاء من إعلامي بارز، كان بمثابة تأكيد ضمني على أن ما يقوله الجلاد ليس مجرد تحليل، بل تسريب لواقع يتم ترتيبه خلف الكواليس.

 

آليات هندسة البرلمان: قوائم مغلقة وتدخل "جهات سيادية"

 

لم يتوقف الحديث عند مجرد التنبؤات، بل امتد ليشرح الآليات التي يتم من خلالها التحكم في تركيبة المجلس. أوضح الكاتب عماد الدين حسين أن المنافسة الحقيقية ستكون محدودة للغاية، حيث ستقتصر على حوالي 20% فقط من المقاعد الفردية، مما يعني أن الغالبية العظمى من المقاعد، بما فيها مقاعد القوائم، قد تم حسمها بالفعل.

 

وأشار مجدي الجلاد إلى أن "الجهات السيادية" وبعض الأحزاب الكبرى شاركت في عملية اختيار المرشحين، بل واستبعدت نوابًا حاليين بناءً على تقارير أمنية رصدت "تجاوزات" لهم. وتأكد هذا الطرح بالحديث عن استبعاد 19 رئيس لجنة برلمانية من أصل 25 من خوض الانتخابات القادمة، في خطوة بدت كعملية "فلترة" وتطهير للمجلس من أي أصوات قد تكون غير منضبطة أو غير مضمونة الولاء بشكل كامل. وعندما سأل أديب بشكل مباشر "من الذي يملك قرار استبعاد هذا العدد من رؤساء اللجان؟"، جاءت الإجابات غامضة، مما عزز الانطباع بوجود قوة خفية تدير المشهد.

 

تسريب الناجحين ليس بجديد

 

وعلق الكاتب الصحفي جمال سلطان على تلك المهزلة : " بمناسبة انتخابات مجلس النواب، برلمان العسكر، التي تجري بعد أسابيع في مصر، يحكي المرحوم ثروت عكاشة ، وكان وزيرا للثقافة في حقبة عبد الناصر، ومقربا منه، كما كان من "الضباط الأحرار" الذين قاموا بانقلاب يوليو 1952، يحكي في مذكراته ، أنه لما اقترح عليه بعضهم المشاركة في انتخابات البرلمان بعد النكسة سنة 1969 تحفظ لـ "معرفته كيف تدار الانتخابات"، حسب نص كلامه في المذكرات ، مضيفا أنه وصلت إليه ورقة مسربة قبل الانتخابات بأيام من مكتب قيادي في الاتحاد الاشتراكي (حزب السلطة وقتها) تحدد أسماء الأشخاص المقرر فوزهم في دائرة قسم قصر النيل في القاهرة بالترتيب ، مضيفا : بعد أسابيع جاءت النتيجة المعلنة مطابقة حرفيا لما ورد في الورقة، وبنفس الترتيب !!. انتخابات العسكر".


 

 

سياق سياسي أوسع: "تأميم" الحياة الحزبية

 

تأتي هذه الاعترافات التلفزيونية لتصب في سياق تحليل أوسع لهيمنة السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية على الحياة السياسية في مصر. يرى محللون أن ما يحدث هو جزء من استراتيجية "تأميم المجال الحزبي"، حيث يتم إفراغ الأحزاب من أي استقلالية حقيقية وتحويلها إلى مجرد واجهات سياسية تابعة للنظام.

 

يشير تقرير للمعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أن النظام يسعى لضمان السيطرة الكاملة على أدوات الحكم وتحصين نفسه من أي معارضة منظمة عبر إسناد المناصب القيادية في الأحزاب لشخصيات عسكرية سابقة، مما يجعل هذه الأحزاب امتدادًا للمؤسسة العسكرية أكثر من كونها كيانات مدنية مستقلة. وبهذا، لا يعود البرلمان ساحة للتعبير عن الإرادة الشعبية، بل يصبح أداة لترسيخ سلطة النظام القائم وتوسيع نفوذه في كافة مفاصل الدولة.

 

لقد حولت حلقة "الحكاية" الهواجس والتحليلات السياسية إلى حقيقة شبه رسمية معلنة على الملأ. فالحديث الصريح عن حصص الأحزاب، وتدخل الجهات السيادية، والفوز المحسوم مسبقًا، لم يترك مجالًا للشك في أن الانتخابات البرلمانية القادمة ستكون أقرب إلى عملية تعيين منها إلى منافسة ديمقراطية. الغضب الذي أثارته الحلقة لم يكن موجهًا فقط ضد الضيفين أو المذيع، بل كان تعبيرًا عن إحباط عميق من واقع سياسي مغلق، حيث تبدو إرادة الناخبين هي الحلقة الأضعف في معادلة السلطة.