في خطوة تعكس عمق التبعية لشروط صندوق النقد الدولي، تتجه حكومة مصطفى مدبولي إلى رفع أسعار الوقود خلال الأشهر المقبلة، رغم إعلانها الرسمي عن تأجيل القرار حتى يناير 2026، ورغم تراجع أسعار النفط عالميًا إلى أدنى مستوياتها منذ عامين.

هذا التوجه أثار موجة انتقادات حادة من خبراء الاقتصاد الذين يرون أن الحكومة لم تعد تضع مصلحة المواطن ضمن أولوياتها، وأن ما يُسمى بـ"الإصلاح الهيكلي" تحول إلى عبء دائم على المجتمع المصري.
أسعار النفط تتراجع.. والأسعار المحلية ترتفع

في 12 أكتوبر 2025، سجلت أسعار النفط العالمية استقرارًا عند مستويات منخفضة نسبيًا؛ إذ بلغ سعر خام برنت 62.73 دولارًا للبرميل، وخام غرب تكساس 61.93 دولارًا، بينما سجل خام أوبك 67.09 دولارًا.

هذه الأرقام تقل بنحو 20 دولارًا عن السعر الذي اعتمدته الحكومة المصرية في موازنتها العامة (80 دولارًا للبرميل)، ما يجعل الإصرار على رفع الأسعار محل تساؤل منطقي: لماذا ترتفع تكلفة الوقود محليًا بينما تنخفض عالميًا؟

في المقابل، حافظت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية على الأسعار الحالية منذ أبريل الماضي، وهي:

- بنزين 95: 19 جنيهًا للتر

- بنزين 92: 17.25 جنيهًا للتر

- بنزين 80: 15.75 جنيهًا للتر

- السولار: 15.5 جنيهًا للتر

إلا أن التوقعات الحكومية تشير إلى زيادات تدريجية جديدة قبل نهاية 2025، ما يعني استمرار دوامة الغلاء رغم كل المؤشرات العالمية المعاكسة.

 

خبراء: الحكومة تنفذ تعليمات لا تخدم المواطن

يرى اقتصاديون أن الإصرار الحكومي على رفع الأسعار لا يرتبط بأسعار النفط، بل بشروط صندوق النقد الدولي الذي يضغط باتجاه رفع الدعم الكامل عن المحروقات كشرط للحصول على القروض الجديدة.

ويصف عبد الرحمن عمر، الباحث الاقتصادي ومقدم برنامج "إيه الحكاية"، القرار بأنه "استجابة لإملاءات الصندوق وليس لاعتبارات السوق"، موضحًا أن الهدف من رفع الأسعار هو جمع نحو 55 مليار جنيه سنويًا من جيوب المصريين، ضمن خطة لزيادة القرض الممنوح لمصر إلى 8 مليارات دولار.

ويضيف عمر: "صندوق النقد هو من يحكم مصر اقتصاديًا الآن، وليس الحكومة"، محذرًا من أن القرار سيفجر موجة تضخم جديدة، ويؤدي إلى تآكل مدخرات المصريين وانهيار إضافي في قيمة الجنيه.

أما الدكتور محمد الشوادفي، أستاذ الاقتصاد، فيؤكد أن الزيادات المرتقبة ليست سوى تنفيذ لاتفاقيات مسبقة بين الحكومة والصندوق، تهدف إلى إنهاء الدعم نهائيًا وتحرير الأسعار بالكامل.

ويقول الشوادفي إن "الحكومة تتعامل مع المواطن كمصدر تمويل، لا كشريك في التنمية"، مشددًا على أن الحل الحقيقي للأزمة الاقتصادية يكمن في "تحفيز الإنتاج المحلي، وتوطين الصناعة، وجذب الاستثمارات الفعلية لا القروض المؤقتة".

 

أعباء جديدة على الفقراء والطبقة الوسطى

من جانبه، يحذر الدكتور جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة، من الآثار الاجتماعية الكارثية لرفع الدعم الكامل عن الوقود.

ويقول القليوبي إن القرار سيشعل موجة غلاء شاملة، تبدأ بزيادة تكاليف النقل والإنتاج الزراعي والصناعي، وتنعكس على أسعار الغذاء والدواء والخدمات الأساسية، مؤكدًا أن "الطبقات المتوسطة والفقيرة ستدفع الثمن الأكبر"، في وقت يعاني فيه المواطن أصلاً من ارتفاع أسعار السلع وانخفاض الأجور.

ويرى مراقبون أن هذه الخطوة ستزيد من نسب الفقر التي تجاوزت 33% رسميًا، فضلًا عن توسع الاقتصاد غير الرسمي وارتفاع معدلات البطالة، ما يعني أن "الإصلاح" لم يعد سوى اسم يُخفي وراءه مزيدًا من التقشف والجباية.

 

التزامات دولية.. ومستقبل غامض

في تصريحات سابقة، أكد مصطفى مدبولي أن حكومته ماضية في "تحريك أسعار الوقود تدريجيًا حتى نهاية 2025"، مشيرًا إلى أن الدعم سيقتصر بعد ذلك على السولار والبوتاجاز فقط.

هذه التصريحات تأتي تنفيذًا مباشرًا لاتفاقات القرض مع صندوق النقد، الذي جعل من تحرير أسعار الطاقة شرطًا إلزاميًا لأي تمويل جديد.

لكنّ خبراء الاقتصاد يرون أن هذه السياسات تفاقم الأزمة بدل حلها، إذ تؤدي إلى تآكل القوة الشرائية، وتراجع الإنتاج المحلي، وازدياد الاعتماد على القروض الخارجية.

وفي وقت كان المصريون يأملون أن ينعكس انخفاض أسعار النفط عالميًا على حياتهم اليومية، يجدون أنفسهم أمام زيادات جديدة في الأسعار، تُبررها الحكومة بأنها "إصلاحات هيكلية"، بينما يراها المواطنون خضوعًا مهينًا لإملاءات دولية تجعلهم يدفعون ثمن أزمة لم يصنعوها.