بينما تصر حكومة السيسي على بث بيانات متفائلة حول السيطرة على التضخم و«انخفاض الأسعار تدريجياً»، تكشف الأرقام الميدانية من الأسواق عن حقيقة مختلفة تماماً. فخلال تسعة أشهر فقط، بين يناير 2024 وأكتوبر 2025، تضاعفت أسعار معظم أصناف الخضراوات والفاكهة بنسب تتراوح بين 85% و105%، ما يعني عملياً أن سلة الطعام اليومية للأسر المصرية أصبحت حلماً بعيد المنال، وأن تصريحات المسؤولين عن “استقرار الأسعار” لا تعدو كونها حملة تجميل لواقع الجوع المتصاعد.

 

أرقام الأسواق تفضح رواية الحكومة

وفق مقارنة تقريبية لأسعار يوم 9 أكتوبر 2025 مع بداية يناير 2024، ارتفع سعر الطماطم من 8.5 جنيه إلى 17 جنيهاً، أي بنسبة 100% كاملة، بينما قفز سعر البطاطس من 5 إلى 9.5 جنيه بزيادة 90%. أما البصل، فصعد من 6 إلى 11.5 جنيه بنسبة 92%، وارتفع الخيار من 7 إلى 13.5 جنيه بنسبة 93%، فيما سجلت الكوسة زيادة قدرها 87% لتصل إلى 14 جنيهاً للكيلو.

ولم تسلم الأصناف الأخرى من موجة الغلاء، إذ ارتفع سعر الفاصوليا من 10 إلى 20.5 جنيه بنسبة 105%، والجزر من 4.5 إلى 8.5 جنيه بنسبة 89%، والفلفل الأخضر من 12 إلى 22 جنيهاً بنسبة 83%. أما في سوق الفاكهة، فالأمر لا يقل سوءاً؛ إذ تضاعف سعر الموز من 12 إلى 23.5 جنيه (+96%)، والعنب من 15 إلى 28 جنيهاً (+87%)، والبرتقال من 10.5 إلى 19.5 جنيه (+86%)، والتفاح من 13 إلى 24 جنيهاً (+85%).

هذه الأرقام الموثقة من شهادات التجار والمستهلكين وبيانات الأسواق المحلية تُكذّب صراحة تصريحات الحكومة التي تزعم أن معدل التضخم «تحت السيطرة»، وأن الأسعار «تشهد استقراراً نسبياً». فالمواطن البسيط الذي كان يشتري كيلو طماطم بخمسة أو ستة جنيهات أصبح اليوم يدفع ما يقارب ضعف المبلغ، ولا يجد تفسيراً سوى أن الحكومة فقدت الاتصال بواقع الناس أو تتعمد تضليلهم عبر أرقام “مُخدّرة” تصدرها مؤسسات رسمية تابعة لها.

 

من تضخيم الإنجازات إلى تسريب الأوهام

تسعى الحكومة منذ سنوات إلى تسويق ما تسميه “الإنجاز الاقتصادي”، عبر مؤشرات رقمية لا تعكس حياة المصريين اليومية. فبينما يعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن معدلات تضخم تقل عن 40% في بعض التقارير، تظهر الأرقام الحقيقية من الأسواق أن الزيادات في أسعار الغذاء وحدها تجاوزت ضعف هذا المعدل، ما يعني أن البيانات الرسمية لم تعد سوى أداة سياسية لتغطية فشل السياسات الاقتصادية.

وفي الوقت الذي تُضخ فيه المليارات في مشروعات البذخ والعاصمة الإدارية، تتآكل قدرة المواطنين على شراء الغذاء الأساسي. التضخم لم يعد رقماً في نشرة حكومية، بل أصبح وجبة ناقصة على موائد المصريين. فأمهات يقللن كميات الطعام، وأطفال يذهبون للمدارس دون فاكهة، وأسَرٌ تستبدل اللحوم بالبقوليات ثم تقلل حتى من الأخيرة. إنها معركة بقاء يومية يخوضها المواطن العادي وحده، بينما المسؤولون يتحدثون عن “تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي”.

 

أسباب الانفجار السعري

الارتفاع الكبير في الأسعار يعود إلى سلسلة من الأسباب المتشابكة:

- ارتفاع تكاليف النقل والطاقة بعد زيادة أسعار الوقود.

- تراجع قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، ما رفع كلفة استيراد الأسمدة والبذور ومدخلات الإنتاج.

- غياب الرقابة الفعلية على الأسواق، وترك التجار يتحكمون بالأسعار دون رادع.

- اختناق في عمليات التبريد والتخزين أدى إلى تلف كميات كبيرة من المحاصيل.

- غياب سياسات دعم حقيقية للمزارعين الذين يواجهون تكاليف باهظة دون حماية حكومية.

هذه العوامل مجتمعة جعلت أسعار الخضراوات والفاكهة تتضاعف، في حين لا تزال الأجور شبه ثابتة، مما دفع ملايين المصريين تحت خط الفقر الغذائي، وفق تقديرات خبراء الاقتصاد.

 

المواطن يدفع الثمن وحده

إن تضاعف أسعار الخضراوات والفاكهة — التي تشكل مكوّناً أساسياً في استهلاك الأسرة — يعني ببساطة أن الفقراء باتوا عاجزين عن شراء الغذاء الطازج. بينما تتحدث الحكومة عن “برامج حماية اجتماعية”، لا يجد المواطن سوى وعود مؤجلة، وأرقام منمقة، وخطاب رسمي بعيد عن الواقع.

لقد تحولت أكاذيب “السيطرة على التضخم” إلى إهانة يومية للناس الذين يرون الحقيقة في أيديهم وفي موائدهم الفارغة. فالتقارير الحكومية التي تُسرب بيانات وهمية عن الأسعار لم تعد تقنع أحداً؛ فالجميع يعلم أن الغلاء أصبح سلاحاً يطحن الفقراء، وأن “الإصلاح الاقتصادي” المزعوم لم ينتج سوى الجوع والديون.

وفي النهاية فتضاعف أسعار الخضراوات والفاكهة بنسبة تتراوح بين 85 و105% خلال عام واحد ليس ظاهرة عابرة، بل مؤشر على فشل إداري واقتصادي شامل. وبينما تتفنن الحكومة في تجميل الأرقام وتضليل الرأي العام، تتآكل المائدة المصرية يوماً بعد يوم. الحقيقة أن المصريين لا يعانون من “تضخم مؤقت” كما تدّعي الحكومة، بل من جوع دائم هو النتيجة الطبيعية لسياسات تُعلي الأرباح وتُهمل الإنسان.