شكّل قصف الدوحة سابقة خطيرة في أمن الخليج، إذ استهدفت إسرائيل عاصمة خليجية للمرة الأولى، لتوجّه رسالة ردع جماعية لا تقتصر على قطر وحدها.

هذا الحدث كان من المفترض أن يوحّد مجلس التعاون الخليجي في جبهة مشتركة، غير أنّ التطورات اللاحقة كشفت عن انقسامات عميقة داخل المجلس، خصوصاً مع توقيع السعودية اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان، مقابل توقيع الإمارات اتفاقية دفاعية مع الهند.

هذان المساران المتناقضان يفتحان الباب أمام تساؤلات استراتيجية خطيرة حول مستقبل الأمن الخليجي ووحدة الموقف المشترك.
 

خلفية التحالفات: الرياض مع إسلام آباد وأبوظبي مع نيودلهي
العلاقة بين السعودية وباكستان ليست جديدة، فهي تمتد عقوداً، وتشمل تعاوناً عسكرياً واسعاً، إذ خدم آلاف العسكريين الباكستانيين في المملكة، وتُعَدّ إسلام آباد بمثابة الحليف الإسلامي النووي الوحيد القادر على توفير غطاء ردعي.
الاتفاقية الدفاعية الأخيرة جاءت لتؤكد هذا المسار وتضفي عليه طابعاً رسمياً وعملياً.

في المقابل، بنت الإمارات شراكة متينة مع الهند على مدار العقدين الماضيين، تتجاوز الاقتصاد إلى الأمن والدفاع.
الهند ثاني أكبر شريك تجاري لأبوظبي، وتربطها علاقات استراتيجية وثيقة مع إسرائيل، ما يمنح الإمارات قناة إضافية لتعزيز مكانتها في منظومة الأمن والتكنولوجيا العسكرية.

توقيع الاتفاق الدفاعي مع نيودلهي لم يكن خطوة معزولة، بل امتداداً لاتجاه استراتيجي طويل الأمد.
 

دلالات التباين الخليجي بين مسارين متناقضين
التحالف السعودي–الباكستاني من جهة، والإماراتي–الهندي من جهة أخرى، يكشفان عن شرخ متزايد في مفهوم "الأمن الخليجي المشترك".
الرياض تراهن على قوة ردع نووية إسلامية تعزز موقعها في مواجهة التهديدات الإسرائيلية والإيرانية، بينما أبوظبي تراهن على قوة اقتصادية–تكنولوجية مرتبطة بمحور إسرائيلي–غربي.

هذا التباين لا يعكس فقط اختلافاً في الحسابات الاستراتيجية، بل يضعف أيضاً قدرة الخليج على صياغة موقف موحّد تجاه التهديدات المشتركة.
فبدلاً من التماهي مع خط دفاعي واحد، ينقسم الخليج إلى مسارين متعارضين، ما يثير أسئلة حول تماسك مجلس التعاون ذاته.
 

سيناريو الحرب بين باكستان والهند: هل ينعكس على الخليج؟
السيناريو الأكثر خطورة يتمثل في اندلاع نزاع مسلح بين باكستان والهند. في هذه الحالة، ستكون السعودية بحكم اتفاقيتها الدفاعية مضطرة للوقوف مع إسلام آباد، بينما قد تجد الإمارات نفسها مقيّدة بالتزاماتها تجاه نيودلهي.
النتيجة المحتملة: انجرار غير مباشر للخليج إلى صراع آسيوي–إقليمي معقّد.

رغم أن مواجهة عسكرية مباشرة بين الرياض وأبوظبي مستبعدة، إلا أن الانقسام السياسي والعسكري قد يتحول إلى صراع بالوكالة داخل مجلس التعاون، بما يضعف موقفه أمام التحديات الكبرى: من تهديدات إسرائيل إلى النفوذ الإيراني المتزايد.

وهنا يصبح السؤال المركزي: هل سيتحوّل الخليج إلى ساحة امتداد لصراع هندي–باكستاني، بدلاً من أن يبقى مركز ثقل موحداً ضد التهديدات الخارجية؟
 

التداعيات على مجلس التعاون الخليجي ووحدة الموقف الأمني
الانقسام الحالي يُفقد مجلس التعاون أبرز مقوماته: الأمن الجماعي الخليجي. بدلاً من أن يتبلور رد فعل مشترك بعد قصف الدوحة، ظهرت محاور متعارضة داخل المجلس.
هذا يضعف الموقف أمام إسرائيل، ويعطي طهران فرصة لتعزيز نفوذها عبر استغلال التباينات الخليجية.

كما يثير هذا الانقسام شكوكا لدى الشارع العربي والإسلامي حول جدوى المؤسسات الخليجية، ويكشف عن هشاشة القدرة على اتخاذ قرارات موحدة حتى في لحظة تهديد وجودي.
من دون موقف جماعي، سيفقد المجلس تدريجياً مكانته كإطار إقليمي قادر على حماية أعضائه.
 

الخيارات المتاحة لتفادي الانقسام الخليجي
رغم خطورة المشهد، ما زالت هناك خيارات لتجنب الانزلاق نحو الانقسام العميق:

  • المسار التوافقي: تدخل الكويت أو عُمان كوسيطتين لاحتواء الخلافات بين الرياض وأبوظبي، بما يحافظ على الحد الأدنى من التنسيق الأمني.
  • إعادة تعريف الأمن الخليجي: التركيز على التهديدات المباشرة للمنطقة (إسرائيل، إيران، الإرهاب)، وفصلها عن الصراعات الدولية مثل نزاع الهند–باكستان.
  • تفعيل مجلس الدفاع الخليجي: إحياء الآلية الدفاعية المشتركة، ووضع التحالفات الثنائية في إطار تكاملي لا تنافسي.
  • الاستعانة بدور دولي ضابط: إشراك الولايات المتحدة أو الصين في ضمان عدم تحوّل التحالفات الخليجية–الآسيوية إلى تناقضات تهدد الاستقرار الإقليمي.
     

وختاما فإن قصف الدوحة لم يفتح فقط جبهة مباشرة مع إسرائيل فقط، بل كشف عن عمق الانقسامات داخل مجلس التعاون الخليجي.
التحالف السعودي–الباكستاني والاتفاق الإماراتي–الهندي يمثلان مسارين متناقضين يهددان وحدة الموقف الخليجي.
وإذا اندلعت حرب بين باكستان والهند، فقد يجد الخليج نفسه على حافة مواجهة غير مباشرة بين دولتين عضوين في المجلس ذاته.

المرحلة المقبلة ستتحدد بقدرة دول الخليج على إعادة صياغة أمنها الجماعي، وتحييد الصراعات الدولية عن بيتها الداخلي.
وإلا، فإن الخطر الأكبر ليس من الخارج وحده، بل من التشظي الداخلي الذي قد يُفقد المجلس جوهر وجوده.